للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التقريظ

(كتاب الشعر والشعراء)
هذا الكتاب مشهور عند أهل الأدب المتقدمين والمتأخرين بفائدته وبشهرة
مؤلفه أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أحد أئمة اللغة والأدب وصاحب
(أدب الكاتب) وغيره من التآليف المفيدة، المتوفى سنة ٢٧٦هـ، وموضوع
الكتاب ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- بقوله في أوله:
(وهذا كتاب ألفته في الشعر أخبرت فيه عن الشعراء، وأزمانهم، وأقدارهم
وأحوالهم في أشعارهم، وقبائلهم، وأسماء آبائهم، ومن كان يعرف باللقب أو الكنية
منهم، وعما يُستحسن من أخبار الرجل ويستجاد من شعره، وما أخذته العلماء
عليهم من الغلط والخطأ في ألفاظهم، وما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون.
وأخبرت فيه عن أقسام الشعر وطبقاته وعن الوجوه التي يختار الشعر عليها
ويستحسن لها إلى غير ذلك مما قدمته في هذا الجزء الأول، وكان قصدي للمشهور
من الشعراء للذين يعرفهم جُلّ أهل الأدب، والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في
الغريب والنحو في كتاب الله -عز وجل - وحديث الرسول، صلى الله عليه
وسلم. فأما من خفي اسمه، وقلّ ذكره، وكسد شعره، فما أقل من هذه الطبقة
(كذا) إذ كنت لا أعرف منهم إلا القليل ولا أعرف لذلك القليل أخبارًا، وإن كنت
أعلم أنه لا حاجة بك إلى أن أسمي أسماء لا أدل عليها بخبر، أو زمان أو نسب،
أو نادرة، أو بيت يستجاد أو يستغرب) ... إلخ ما قاله. وهذا كاف في التعريف
بفضل الكتاب فهو من الكتب التي تطبع ملاكة البلاغة في النفس، وتعدها للإجادة
في الشعر والكتابة. ومن مختار الشعر الذي أورده وهو يحكي عن أخلاق العرب
وشهامتهم قول سعد بن ناشب:
سأغسل عني العار بالسيف جالبًا ... عليَّ قضاء الله ما كان جالبا
ويصغر في عيني تلاوي إذا انثنت ... يميني بإدراك الذي كنت طالبا
فيا لرزام رشحوا بي مقدمًا ... إلى الموت خواضًا إليه الكتائبا
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكَّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
وقول محمد بن عمير المعروف بالمقنع الكندي:
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وليسوا إلى نصري سراعًا وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
يعيرني بالدَّيْن قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
وقد طبع الكتاب على نفقة محمد أمين أفندي الخانجي الكتبي الشهير، وهو
يطلب منه ومن إدارة المنار، وثمن النسخة منه خمسة قروش صحيحة ما عدا أجرة
البريد.
***
(ديوان الحماسة)
هو مجموع ما اختاره من شعر العرب أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر
الشهير، وهو أشهر من نار على علم، وكان الأدباء يتنافسون في استظهاره،
واقتباس جذى البلاغة من ناره، وقلما نبغ شاعر أو أديب، ولم يكن حفظ ديوان
الحماسة أو كثرة مطالعته من أسباب نبوغه. ولما فترت همم المتأخرين عن تلقي
مثله عن كلام العرب فتر الشعر وبرد حتى صار يقف لسماعه شعر صاحب الذوق
وتغثى نفسه عند إنشاده، وإننا نرى في زماننا هذا نهضة في إحياء اللغة نشكر
للوراقين إسعادنا بما يطبعون من الكتب النافعة كهذا الكتاب والكتاب الذي قبله وما
سيذكر بعده، فقد طبع الشيخ محمد سعيد الرافعي صاحب المكتبة الأزهرية ديوان
الحماسة طبعًا مضبوطًا بالشكل، وفسر في أدنى كل صفحة جميع الأبيات فيها
مختصرًا ذلك من شرح التبريزي المشهور وجعله في مجلد واحد بحجم أصغر من
حجم المنار؛ ليسهل تناوله على الطلاب ويخف حمله على المتأدبين، وجعل ثمنه
اثني عشر قرشًا فقط، فقد اجتمع لمريده المرغِّبان في اقتنائه كثرة الفوائد وقلة
الثمن وهو يطلب من طابعه بِالسكة الجديدة بمصر.
***
(ديوان أبي تمام)
أبو تمام من شعراء الطبقة الأولى من المولدين وجيده أعلى من جيد البحتري
والمتنبي اللذين يقرنان به، ولكن من رديئه ما هو دون رديئهما، ولعله لولا حبّ
الجناس لما ارتكب التكلف، ولما وقع في التعسف؛ فأكثر رديئه في ذلك، وهو عند
أكثر المتأخرين لا يعد رديئًا بل ربما فضَّله عشاق المحسنات اللفظية على سائر
شعره. وهو على كل حال من أهل الرعيل الأول، والذين على بلاغتهم المعول،
وقد احتذاه وأخذ عنه مَنْ بعده حتى المتنبي. وكنت ترى من العجب أن الشعر
ترتقي صناعته في هذه السنين وديوان أبي تمام لا يطبع المرة بعد المرة، وقد أحس
بهذه الحاجة محمد أفندي جمال البيروتي فانتدب لطبعه ورغب إلى الشيخ
محيي الدين الخياط أن يفسر غريبه ويضبطه بالشكل ويصحح طبعه، فأجابه إلى
ذلك، ووضع للديوان مقدمة تكلم فيها عن الشعر بكلام شعري أي بالتخيلات
والتشبيهات، وعلى البلاغة والشعر العصري وعلى وجوب التوسع في اللغة
وقبول الدخيل فيها وتعريبه، وختمها بترجمة أبي تمام. وقد بلغت صفحات الديوان
خمسمائة ونيّف، وثمنه في مصر اثنا عشر قرشًا وأجرة البريد قرشان
وفي سائر البلاد ٣ فرنكات ونصف، ويطلب من طابعه ببيروت ومن إدارة مجلة
المنار بمصر.
***
(ديوان ابن نباتة المصري)
جمال الدين محمد بن نباتة المصري من شعراء القرن الثامن كان من أهل العلم
والأدب ومدح الملوك والكبراء والعلماء وهو مشهور بالرقة والسلاسة في شعره
على ما يحب المتأخرون وخاصة المصريين، فإن كلامه أحلى في ذوقهم وأدنى من
استحسانهم ومن ذلك قوله في المقاطيع:
يا مولعًا بملامي حسبك الله ... كم ذا تهيج مغرى القلب مضناه
هذا الحبيب وذا فكري وذا جلدي ... في راحتيه فقل لي كيف أنساه
إني لأعلم أن الرشد أجمعه ... في تركه غير أن النفس تهواه
ساجي اللواحظ خمري مقبله ... داجي الذوائب بدري محياه
إن كان للحب شخص فهو مهجته ... أو كان للحسن لفظ فهو معناه
أفديه بدرًا بقلب الصب غزوته ... وفي السماء برغم الصب لقياه
لو لم يكن ريقه خمرًا ومرشفه ... ما عربدت عينه واهتز عطفاه
وله في شعره نكت وكنايات مما يعرف الآن (بالنكت البلدية) لا تسلم من
المجون وابن حجة يطريه في الثناء.
وقد طبعه في هذه الأيام الشيخ محمد القلقيلي وكتب له مقدمة ذكر فيها أن الذي
أسعده على ما همت به رغبته وقصرت دونه يده إبراهيم بك رمزي صاحب مطبعة
ومسبك التمدن، ولعمري إنه قد طبع طبعًا جميلاً على ورق جيد يليق بإتقان رمزي
بك، وبلغت صفحات الديوان ٥٩٦ صفحة، وقد جعل ثمنه ٢٠ قرشًا، ولمبتاعه
كفلان من الفائدة: أحدهما: الأنس بالديوان والتمتع بمطالعته. وثانيهما: إعانة
طابعه على أعماله الأدبية التي انصرفت همته اليها وأراد رمزي بك إسعاده عليها،
وهو يطلب منه ومن مطبعة التمدن بجوار عابدين.
***
(مجلس سركيس)
سليم أفندي سركيس نشأ في حجر الصحافة حتى ترعرع وشب واكتمل فذاق
حلوها ومرها، وعرف وصلها وهجرها، وفارق فيها الدار والوطن، وهاجر
بالأهل والسكن، فاشتغل بالكتابة في الجرائد ببيروت ومصر وأمريكا ثم عاد
إلى مصر واختار أن ينشئ مجلة يقصر مباحثها على الأفاكِيه والمُلح الأدبية ففعل
فجاءت (مجلة سركيس) وحيدة في موضعها لا يستغنى عنها في هذه البلاد
بصحيفة من نوعها.
وإذا كانت المسائل العلمية والسياسية والاجتماعية والدينية وغيرها من حاجات
أصناف من الناس فالفكاهة من حاجات جميع الناس يرغب فيها العالم والفقيه
والفيلسوف والأديب والعامي والخاصي، ومن ثَمَّ كان الرجاء بنجاح مجلة (سركيس)
قويًّا لا سيما إذا أصاب في مُلَحه ونوادره مواقع الإعجاب من نفوس أبناء هذه
البلاد وهو جدير بذلك لسعة اختباره. والمجلة تصدر في الشهر مرتين وقيمة
الاشتراك فيها ٦٠ قرشًا في مصر و٢٠ فرنكًا في سائر البلاد.