للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نداء من حزب الاستقلال العربي في فلسطين
إلى كل عربي كريم، إلى كل هيئة عربية،
إلى كل صحيفة عربية في أنحاء الأرض

يبعث حزب الاستقلال العربي في فلسطين نداءه هذا، وحالة العرب في
فلسطين قد انتهت إلى ما تهلع له القلوب، وتضطرب النفوس، وتهتز المشاعر،
إذ أخذ المستقبل المشؤوم يبدو كالحًا مظلمًا، والخطر الملاشي لكيان العرب يتجسم
يومًا فيومًا، ويحدق بهم إحداقًا مفزعًا منبعثًا من ناحيتين كبيرتين، هما ناحية بيع
الأراضي خاصة، وناحية الحكم الاستعماري المباشر في فلسطين عامة، وكلتا
الناحيتين تؤديان إلى تلاشي العرب وانهيار بنيانهم القومي، وانسلاخهم عن أرض
آبائهم وأجدادهم بفعل السياسة البريطانية الصهيونية.
أما مشكلة الأرض، فقد بلغت حدها الأكبر من الخطر، إذا نشط اليهود في
المدة الأخيرة لابتياع الأراضي نشاطًا عظيمًا، وهي الأراضي العربية القليلة التي
بقيت بأيدي العرب، والتي إذا تسنى لليهود ابتياعها - وأكثرها واقع في السهول
الساحلية ذات القيمة الزراعية الجيدة - أصبح اليهود يملكون معظم الجهات الساحلية
الخصبة في البلاد، سلسلة متصلة الحلقات، وظاهر ما في هذا من خطر ينذر
البلاد بسوء المصير، يضاف إلى هذا الخطر، خطر آخر مُمَاشٍ له جنبًا إلى جنب،
وهو الهجرة الصهيونية وإغراق فلسطين بسيل عرم من المهاجرين اليهود يدخلون
البلاد بجوازات سفر وبطرق غير مشروعة، كل هذا نتيجة استقتال اليهود لبناء
المملكة اليهودية في فلسطين، على أنقاض الكيان العربي المتداعي إلى السقوط
والانهدام.
ولقد أصبح أكثر من ستة وثمانين ألف عائلة عربية لا أرض لها ومن دون
مأوى ولا كسب، وثبت هذا بشهادة التقارير الرسمية التي وضعها الخبراء الإنكليز
الذي كلفوا درس الحالة درسًا دقيقًا، وكانت النتيجة الواقعة حتى اليوم أن انتقلت
أجود الأراضي إلى اليهود، وانزوى العرب في المناطق الجبلية القاحلة.
ولذلك باتت فلسطين تشهد كل يوم مآسي انهدام مكانها، بذهاب قرية بعد
أخرى، والأراضي قطعة بعد قطعة، وتشرد المزارعين وهيامهم على وجوههم إلى
حيث الفناء والدمار، هم وعيالهم وأولادهم!
يجري هذا كله جريًا مُطَّرِدًا سنة فسنة، والسلطة الإنكليزية في فلسطين مُمْعِنَة
في حكم البلاد حكمًا استعماريًّا مباشرًا ثقيل الوطأة، مسلحًا بأقسى ما عرفه البشر
من ضروب التقنين والتشريع والأنظمة، مما تدأب السلطات البريطانية في وضعه
وتكبيل البلاد به، وتمهيدًا لإنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد بلغت الحال خلال
الخمس عشرة سنة الأخيرة من الويل والإرهاق مبلغًا يعز وصفه ويصعب تصويره،
فأصبح العرب وليس لهم من أمر بلادهم ووسائل حمايتهم شيء، ولم تلتفت
السلطات البريطانية إلى شيء من أنين الشعب العربي وتظلمه وشكاته، طالبًا
وضع حد لهذه الغزوة الصهيونية المجتاحة، وسن قانون عاجل يمنع بيع الأرض
من العرب إلى اليهود منعًا باتًّا، ويغلق باب الهجرة الصهيونية، وطالبًا أن يتسلم
مقاليد حكم نفسه بنفسه، حفظًا لكيانه، وهو العلاج الطبيعي الوحيد الذي بغيره
تظل فلسطين تتردى في الهوة السحيقة حيث الفناء المنتظر، فتمثل فاجعة الأندلس
ثانية دون أن يغني فيها ندب ولا عويل!
ويُسار بالوطن القومي اليهودي في قلب البلاد العربية وعلى كتف الجزء
الشمالي من جزيرة العرب، والأقطار العربية المجاورة لم تقم بعمل بعد تشعر منه
السياسة البريطانية بتضافر العرب على دفع الكارثة، ودرء هذا الخطر الذي إذا
استفحلت غزوته، فسيشمل غير فلسطين لا محالة، كما أخذت الدلائل في شرق
الأردن تدل عليه في هذه الفترة الأخيرة.
فحزب الاستقلال العربي في فلسطين، وهو يرى كل هذا حاضرًا، ويقيس
على الواقع، المصير المتوقع مستقبلاً، يناشد كل عربي كريم وكل هيئة عربية،
في أنحاء الأرض، ويناشد أهل البلاد العربية الشقيقة، إلى التضافر والتآزر مع
إخوانهم عرب فلسطين في رد هذه النكبة التي كادت تأتي عليهم، وإلى الوقوف في
وجه السياسة الإنجليزية موقف المدافع عن حياته وبقائه وكيانه، ابتغاء وضع حد
لهذه الحالة المروعة التي كادت تفتك بقطر عربي وتذهب به فريسة المطامع
الاستعمارية والصهيونية، بيت المقدس ٣ شوال ١٣٥١ ٢٨، ك ٢، ١٩٣٣.