جاء في الجريدة الرسمية (الوقائع المصرية) ما نصه: (وفاق) بين حكومة جلالة ملك الإنكليز وحكومة الجناب العالي خديو مصر بشأن إدارة السودان في المستقبل. حيث إن بعض أقاليم السودان التي أخرجت عن طاعة الحضرة الفخيمة الخديوية قد صار افتتاحها بالوسائل الحربية والمالية التي بذلتها بالاتحاد حكومتا جلالة ملكة الإنكليز والجناب العالي الخديوي. وحيث قد أصبح من الضروري وضع نظام مخصوص لأجل إدارة الأقاليم المفتتحة المذكورة، وسن القوانين اللازمة لها بمراعاة ما هو عليه الجناب العظيم من تلك الأقاليم من التأخر وعدم الاستقرار على حال إلى الآن، وما تستلزمه حالة كل جهة من الاحتياجات المتنوعة. وحيث إنه من المقتضى التصريح بمطالب حكومة جلالة الملكة المترتبة على ما لها من حق الفتح، وذلك بأن تشترك في وضع النظام الإداري والقانوني الآنف ذكره، وفي إجراء تنفيذ مفعوله وتوسيع نطاقه في المستقبل. وحيث إنه تراءى من جملة وجوه أصوبية إلحاق وادي حلفا وسواكن إداريًّا بالأقاليم المفتتحة المجاورة لهما. فلذلك قد صار الاتفاق والإقرار فيما بين الموقعين على هذا بما لهما من التفويض اللازم بهذا الشأن على ما يأتي وهو: (المادة الأولى) : تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة إلى جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض وهي: أولاً: الأراضي التي لم تُخلِها قط الجنود المصرية منذ سنة ١٨٨٢ أو. ثانيًا: الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة المصرية قبل ثورة السودان الأخيرة، وفُقدت منها وقتيًّا ثم افتتحتها الآن حكومة جلالة الملكة والحكومة المصرية بالاتحاد أو. ثالثا: الأراضي التي تفتتحها بالاتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعدًا. (المادة الثانية) : يستعمل العلم البريطاني والعلم المصري معًا في البر والبحر بجميع أنحاء السودان، ما عدا مدينة سواكن، فلا يستعمل فيها إلا العلم المصري فقط. (المادة الثالثة) : تفوض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد بلقب (حاكم عموم السودان) ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوي بناء على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يفصل عن وظيفته إلا بأمر عالٍ خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية. (المادة الرابعة) : القوانين وكافة الأوامر واللوائح التي يكون لها قوة القانون المعمول به، والتي من شأنها تحسين إدارة حكومة السودان، أو تقرير حقوق الملكية فيه بجميع أنواعها، وكيفية أيلولتها والتصرف فيها يجوز سنها أو تحويرها أو نسخها من وقت إلى آخر بمنشور من الحاكم العام، وهذه القوانين والأوامر واللوائح يجوز أن يسري مفعولها على جميع أنحاء السودان أو على جزء معلوم منه، ويجوز أن يترتب عليها صراحة أو ضمنًا تحوير أو نسخ أي قانون أو أية لائحة من القوانين أو اللوائح الموجودة. وعلى الحاكم العام أن يبلغ على الفور جميع المنشورات التي يصدرها من هذا القبيل إلى وكيل وقنصل جنرال الحكومة البريطانية بالقاهرة، وإلى الرئيس ومجلس نظار حكومة الجناب العالي الخديوي. (المادة الخامسة) : لا يسري على السودان أو على جزء منه شيء ما من القوانين أو الأوامر العالية أو القرارات الوزارية المصرية التي تصدر من الآن فصاعدً إلا ما يصدر بإجرائه منها منشور من الحاكم العام بالكيفية السالف بيانها. (المادة السادسة) : المنشور الذي يصدر عن حاكم عموم السودان ببيان الشروط التي بموجبها يصرح للأوروبيين من أية جنسية كانت بحرية المتاجرة أو السكني بالسودان أو تملك ملك كائن ضمن حدوده، لا يشمل امتيازات خصوصية لرعايا أية دولة أو دول. (المادة السابعة) : لا تدفع رسوم الواردات على البضائع الآتية من الأراضي المصرية حين دخولها إلى السودان، ولكنه يجوز مع ذلك تحصيل الرسوم المذكورة على البضائع القادمة من غير الأراضي المصرية، إلا أنه في حالة ما إذا كانت تلك البضائع آتية إلى السودان عن طريق سواكن أو أية ميناء أخرى من مواني ساحل البحر الأحمر لا يجوز أن تزيد الرسوم التي تحصل عليها عن القيمة الجاري تحصيلها حينئذ على مثلها من البضائع الواردة إلى البلاد المصرية من الخارج، ويجوز أن تقرر عوائد على البضائع التي تخرج من السودان بحسب ما يقدره الحاكم العام من وقت إلى آخر بالمنشورات التي يصدرها بهذا الشأن. (المادة الثامنة) : فيما عدا مدينة سواكن لا تمتد سلطة المحاكم المختلطة على أية جهة من جهات السودان، ولا يعترف بها فيه بوجه من الوجوه. (المادة التاسعة) : يعتبر السودان بأجمعه ما عدا مدينة سواكن تحت الأحكام العرفية، ويبقى كذلك إلى أن يتقرر خلاف ذلك بمنشور من الحاكم العام. (المادة العاشرة) : لا يجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأموري قنصلاتات بالسودان، ولا يصرح لهم بالإقامة به قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية. (المادة الحادية عشرة) : ممنوع منعًا مطلقًا إدخال الرقيق إلى السودان أو تصديره منه، وسيصدر منشور بالإجراءت اللازم اتخاذها للتنفيذ بهذا الشأن. (المادة الثانية عشرة) : قد حصل الاتفاق بين الحكومتين على وجوب المحافظة منهما على تنفيذ مفعول معاهدة بروكسل المبرمة بتاريخ ٢ يولية سنة ١٨٩٠ فيما يتعلق بإدخال الأسلحة النارية والذخائر الحربية والأشربة المقطرة أو الروحية وبيعها أو تشغيلها. تحريرًا بالقاهرة في ١٩ يناير سنة ١٨٩٩. الإمضاءات ... ... ... ... ... ... ... ... ... (كرومر) (بطرس غالي)
(المنار) الخلاصة أن السودان أصبح وأمسى مستعمرة إنكليزية بإقرار الحكومة المصرية رسميًّا، وإقرار الدولة العثمانية سكوتًا (إن سكتت بحجة انتظار الفرص أو غيرها من الأحوال التي نراها تضيع فيها حقوقها) ولمصر فيه شركة لها منها الراية التي ترفع بجانب الراية الإنكليزية، وعليها أن تقدم الأموال لإدارة السودان والعساكر لحفظه تحت السلطة الإنكليزية. فهكذا تقضي القوة على الضعف، وهكذا يسود العلم على الجهل. فلتنتقل الحكومات الإسلامية من النوم إلى الموت، حتى لا يبقى لها عين أو أثر، ولتعتقد الشعوب الإسلامية أن لا قوام لها ولا نهوض إلا بحكوماتها التي هي أشد بلاءً عليها من أعدائها، أو لتنهض إلى العمل بنفسها مقاومة لحكامها قبل الأجانب، والله لا يضيع أجر العاملين.