للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


ما الحكمة في الذبح؟
(س١٩) من صاحب الإمضاء بلوندرة
سيدي الأستاذ العزيز صاحب المنار:
طلب إليَّ أحد أصدقائي أن أنقل إليكم السؤال الآتي راجيًا منكم أن تتفضلوا
بالإجابة عليه في المنار الأغر: ما هي الحكمة من الذبح؟ إذا كان الغرض عدم
تعذيب الحيوان، فهناك طرق أوفق بكثير من الذبح الذي لا يخلو بلا شك من
التعذيب حتى باستعمال أَحَدّ سكين، دع عنك أن الذبح يؤدي إلى تصفية أعضاء
الجسم من الدم الذي هو مادة مفيدة للغذاء ومحتوية على الجزء الأكبر من الحديد.
... ... ... ... ... ... ... ... أحمد زكي أبو شادي
لوندرة قي ١٣ مايو سنة ١٩١٣ ... ... ... ... بمستشفى سانت جورج
(ج) ليس الذبح أمرًا ابتدأ الإسلام إيجابه على أهله؛ لحكمة فيها يطلبها أو
فائدة يكلف الناس الانتفاع بها، وإنما جاء الإسلام والناس على عادات في أكل
الحيوانات: بعضها لا علاقة له بالدين، وبعضها من تقاليده الخرافية، فمنع
القسم الأخير ألبتة، وهو الذبح للأصنام ونحوها وعلى النصب تعبدًا وتدينًا.
وحرم من القسم الأول ما يستخبث عند أصحاب الطباع السليمة ويستقذر، وهو
على مهانة أكله مظنة الضرر، وهو الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، كما
حرم تعذيب الحيوان بالوقذ وغيره، وأمر بالرفق والإحسان به بقدر الطاقة، وحرم
الموقوذة - التي تضرب بغير مُحدد حتي تنحلّ قواهاة وتموت - فجعلها من الميتة،
وكذا ما اعتاده بعض فقراء العرب الممتهنين من أكل فرائس السباع والنطائح
وما يتردى في الوديان والحفر فيوجد ميتًا، إلا ما وقع من ذلك أمام أعينهم
فأدركوا فيه حياة فأزهقوا روحه بأيديهم، فإن أكله ليس فيه من مهانة النفس
وضعتها وتعريضها للضرر ما في أكل ما يوجد منه في الفلوات والوديان مترديًا أو
مفترسًا مثلاً، ثم أباح لهم ما وراء ذلك مما لا مهانة فيه ولا مظنة ضرر وأقرهم
على ما اعتادوا من أنواع تذكيته وصيده، فكانوا ينحرون الحيوان الكبير في لبته
كالبعير والثور ويذبحون الصغير إذا قدروا عليه وإلا قتلوه بسهم أو حربة،
ويأكلون ما صادوه بأيديهم ورماحهم وسهامهم ومَعَاريضهم وما صادته لهم الجوارح
فجاءتهم به ميتًا، وتجد تفصيل ذلك في باب التفسير من هذا الجزء وما بعده مع
النص بإحلال الإسلام له كله.