للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحد الفضلاء


عقوبة الإعدام

يحملنا على البحث في هذا الموضوع تطبيق هذه العقوبة على شخصين في
القاهرة في أقل من أسبوع. وليس بحثنا فيه من الوجهة القانونية وإنما من حيث
مزاعم بعض العلماء في حالة من يقضى عليه بالإعدام بعد موته. وقبل الخوض في
البحث نأتي بلمعة من تاريخ عقوبة الإعدام عند بعض الأمم فنقول:
يظهر من استجلاء صفحات التاريخ أن عقوبة الإعدام كانت تناسب في
قسوتها وفظاعتها حالة الأمم من التوحش والجهالة. فقد كان المجرم في بيت
المقدس يمثّل الأهالي به في الطرقات أفظع تمثيل إلى أن يموت , وفي إسبارطة
إحدى عاصمتي بلاد اليونان في العهد الغابر كانوا يتركون المحكوم عليه بالإعدام
يموت جوعًا أو يلقونه في جب , واخترعت في العصور الوسطى آلات كثيرةٌ
للتعذيب مبالغة في إيذاء المجرم منها ما كان يصلح لسمل العينين أو نزع الأظافر
إلى غير ذلك من الوسائل التي يقشعر البدن لذكرها.
أما في فرنسا فكانت عقوبة التعذيب شائعة إلى عهد قريب ولم تبطل إلا في
عام ١٧٩١ حيث قامت مقامها العقوبة بآلة قطع الرأس المعروفة بالجيوتين
Guillotine , ولبقية الأمم الأوروبية عادات خاصة بها في عقوبة الإعدام , ففي
أسبانيا الحلقة الحديدية التي توضع حول الرأس ثم تضيق شيئًا فشيئًا حتى تتكسر
عظام الجمجمة وهي أفظع عقوبة فيما نعلم , وفي إنكلترا الشنق عن المثال المعهود
في مصر لعامة الناس , وفلق الرأس بسلاح يشبه الفأس الذي يفلق به حطب
الحريق للنبلاء والأشراف , وأما بقية الدول كالروسيا وإيطاليا ورومانيا واليونان
والبرتغال وهولانده وجمهورية سانمارين وبليجيكا و١٢ مقاطعة من مقاطعات
سويسرة البالغ عددها ٢٢ مقاطعة فقد محت آثار تلك العقوبة من القوانين ففاتتها
بذلك الحكمة البالغة التي تسطع أنوارها الباهرة من آية {وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ
يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة: ١٧٩) . وكما شرع الإسلام القصاص بمقتضى
الحكمة شرع درء الحدود بالشبهات , وحرّم التمثيل عملاً بمقتضى الرحمة. وفي
الحديث الشريف: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة , وليحدّ
أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) والمراد ذبح الحيوان كما هو ظاهر.
أما الجيوتين فهي سكين ثقيلة جدا مائلة الحد مثبتة بين عمودين في الخشب
توضع رقبة المحكوم عليه بين طرفيهما الأسفلين بينما تكون السكين معلقة بين
الطرفين العلويين فإذا أسقطها الجلاد قطعت الرقبة في مدة وجيزة جدًّا.
وقد بحث الكثيرون فيما إذا كانت هذه الآلة تكفي المحكوم عليهم مؤنة الألم
وقت التنفيذ أم لا؟ فأجمعت آراؤهم على ذلك وأن الرأس تلبث عقب فصلها عن
الجثة دقيقتين أو ثلاث دقائق خاضعة لكثير من التأثيرات والانفعالات التي تشاهد
منها قبل الحياة كاختلاج العينين وتحرك الشفتين والفكين لأنهم اعتبروا هذه
الانفعالات من الحركات الانعكاسية التي لا دخل لإرادة الإنسان فيها ولا شعور له
بها.
وذهب الكثيرون إلى أن الرأس المقطوعة تعض ما تصادفه مستدلين على
صحة هذا الزعم بأن رجلاً قطعت رأسه في مدينة برست من أعمال فرنسا لذنب
أتاه فوضع أحدهم قلم رصاص في فمه فانطبق فكاه عليه انطباقًا شديدًا أفضى إلى
كسره قطعتين. وروى آخرون أن طبيبًا اسمه لابومراي صدر الحكم عليه بالإعدام
فحضر إليه صديق من زملائه في مهنة الطب ورجا منه أن يخصص نفسه لتجربة
علمية عقب قطع رأسه لمعرفة ما إذا كانت الحياة والإحساس يبقيان بعد قطع الرأس؛
فأجابه الطبيب المحكوم عليه إلى طلبه. فقال له صديقه: إذن سأسألك همسًا في
أذنك (يامسيو كورتي دي لابومري: هل تستطيع بحياة علائقنا الودية القديمة أن
تطبق جفني عينك اليمنى ثلاث مرات بحيث تبقى عينك اليسرى مفتوحة كما هي؟)
فوعده الطبيب المحكوم عليه إلى طلبه.
ولما كان يوم تنفيذ الحكم تلقى الطبيب رأس صديقه من يد الجلاد وأدنى أذنها
من فمه وأعاد ذلك السؤال فأغمضت الرأس عينها اليمنى مرة واحدة وبقيت العين
الأخرى مفتوحة تنظر إليه. ولكن العلم لم يسلم بهذه التجربة؛ لأن الدكتور فلبو
وهو ذلك الصديق لم يشر إليها بكلمة في مؤلفاته العديدة.
ولنشرح الآن حقيقة ما يتفق للمقتول بآلة الجيوتين عقب هبوط السكين على
رقبته وقطعها لها في أقل من ثلث ثانية فنقول: إن قطع السكين للرقبة يزعزع
النخاع المستطيل والغدد فتقف في الحال وظائفها , ويحصل الإغماء الحقيقي الذي
ينشأ عنه الموت وانقطاع العلائق العضوية بين القلب والمخ. أما إذا لم تكن صدمة
السكين للرقبة مصحوبة بتأثير يؤدي إلى قطع عروق الرقبة وشرايينها التي ينزل
دم الجمجمة منها فمن الممكن بقاء يقظة المخ ونهوض الفكر على حالهما وفي هذا
من التعذيب الشنيع ما لا يخفى.
وحقيقة قسوة الحكم بالإعدام تنحصر في يقظة المحكوم عليه من نومه عالمًا
بما يصير إليه أمره في يومه وأنه سيساق إلى دائرة التنفيذ.
وكثيرًا ما يفقد رشده في هذه الأثناء , ويغمى عليه فيباشر الجلاد في إعدام شخص
معدوم الحياة تقريبًا.
... ... ... ... ... ... م. م