فتوى صاحبَي الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية في زيارة القبور والموسيقى وشرب الدخان أرسل صاحب الجلالة عبد العزيز بن سعود ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها برقية إلى الحكومة المصرية يبسط فيها القول في حكم الشرع في المسائل الثلاث المتقدمة وغيرها بسبب ما أذاعه دعاة السوء والتفرقة بين شعوب المسلمين من أن حكومة جلالته في الحجاز ستمنع كذا وكذا، فسألت الحكومة المصرية حكومة جلالته عما يريد أن يتخذه من الإجراءات مما يتعلق بالحجاج والمحمل على الأخص فورد عليها جواب جلالته بالبرق وهذا ملخصه كما نشرته جرائد القاهرة قالت: أما البرقية فطويلة وقد استهل الملك ابن السعود برقيته بشكر الحكومة المصرية وجلالة ملك مصر وامتداحهما على ما بذلوه من المساعدة للحجاز وأهله ثم قال: إنهم (أي حكومة مصر وملكها) ذخر الإسلام ولذلك فإنه يرجو أن يكونوا عونًا له في إقامة ما أمر به كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وتكلم عن حالة الأمن واستتبابه في البلاد الحجازية وعدم وجود ما يخشى منه على سلامة الحجاج وذكر أنه يقابل المحمل وركب المحمل على الرحب والسعة ويرحب بهم الترحيب اللائق بمقامهم وبمصر وبأهل مصر وبملك مصر ويسمح بدخول البعثات الطبية كلها. وذكر أنهم لا يتعرضون لعقائد الناس ولا يتدخلون في معتقداتهم ولكنهم يمنعون ما لا يقره الدين. وقال: إنهم لا يمنعون أحدًا من زيارة القبور ولكنهم لا يسمحون بالغلو في ذلك مثل التمسح وتقبيل العتبة والحوائط، فإن الطواف لا يكون إلا ببيت الله الحرام فقط (أي الكعبة) وقد نهى الأئمة والسلف الصالح عن الطواف بالقبور. وتكلم عن الموسيقى والدخان، وذكر أنه يلفت نظر الحكومة المصرية إلى ما سيذكره في شأنهما ويرجو الموافقة عليه حفاظًا لأواصر الصداقة والود. وقال عن الموسيقى: إنها ولو كانت مسلية للجند ومنظمة لسيرهم فإنها تلهي عن ذكر الله في البلاد التي أوجدها الله لذكره. وقال: إنه يقبل مجيئها لغاية جدة فقط لأن فريقًا كبيرًا من أهل نجد وغيرهم يعدها من الملاهي التي لا يصح استعمالها لا سيما في أوقات العبادة. وقال عن الدخان: إنه شجرة خبيثة: يجب أن تطهر منها البلاد المقدسة التي لا يحرق فيها إلا العود والند والمسك. وذكر أنه منع شرب الدخان جهرًا. ولما وصل الكتاب إلى وزارة الداخلية المصرية أحالته على صاحبي الفضيلة شيخ الجامع الأزهر والمفتي؛ لأن ذلك من شأنهما فكان جوابهما ما نصه: علم ما جاء بخطاب سعادتكم رقم ١٠ مايو سنة ١٩٢٦ نمرة ٩١ إدارة المرافق له صورة من التلغراف المرسل من حضرة صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد لحضرة صاحب الدولة وزير الداخلية بمصر المطلوب به الإفادة عما تقضي به الشريعة الغراء فيما اشتملت عليه صورة التلغراف من الموضوعات والإفادة أيضًا عما يتبع في إقامة الحج أو لا في هذا العام مع ما ذكره حضرة صاحب الجلالة الملك ابن السعود. وبالنظر فيه وجدنا أن ما يصلح موضعًا للاستفتاء هو ما جاء بالوجهين السادس والسابع مما يتعلق بزيارة القبور، والموسيقى، والدخان على الوجه المذكور بتلك الصورة. فأما ما يتعلق بزيارة القبور فنقول: إنها مندوب إليها شرعًا بقوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) وكان صلى الله عليه وسلم يزور قبور المسلمين ببقيع الغرقد ويقول (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية) وكان يزور شهداء أحد على رأس كل حول ويقول (السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) ونقل محشي إمداد الفتاح عن القهستاني ما نصه: قال في الإحياء: والمستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلاً وجه الميت وأن يسلم (ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه) وبين الفقهاء جملة ما يكره عند زيارة القبور ثم أجملوا ذلك بقولهم (وكذا كل ما لم يعهد من غير فعل السنة) وهي قاعدة كلية ينبغي تطبيقها على أي فعل لم يعهد في السنة، وقد مثلوا له بالمس والتقبيل، ومعلوم أنه لم يعهد من فعل السنة الطواف بغير الكعبة. وأما ما يتعلق بشرب الدخان فنقول: إنه لم يكن موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا في زمن الأئمة المجتهدين، وإنما حدث في القرون الأخيرة واختلف العلماء فيه اختلافًا كثيرًا، فمنهم من قال بحرمته عملاً بحديث أحمد المروي عن أم سلمة رضي الله عنها (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) ، وقال (إنه إن لم يكن مسكرًا كان مفترًا) وجنحوا مع هذا إلى نهي ولي الأمر عنه، والقواعد الفقهية تقتضي أن ولي الأمر لو نهى عن مباح لمصلحة دينية حرم - ومنهم من ذهب إلى أنه مكروه نظرًا لما فيه من الضرر الظاهر للأبدان وإضاعة الأموال. ومنهم من لا يرى أنه مفتر، فقال بإباحته أخذًا بالقاعدة العامة، وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة أو التوقف. ورد على من قال بالحرمة أو الكراهة بأنهما حكمان شرعيان لا يثبتان إلا بدليل ولم يوجد. والذي يظهر أن أعدل الأقوال هو القول بالكراهه فينبغي تركه وعدم الإصرار على تعاطيه، فإن الإصرار على الصغائر يقلبها كبائر. وأما الموسيقى فحكمها من جهة الإيقاع والاستماع حكم اللهو واللعب والعبث وهو الكراهة التحريمية، فإن فقهاءنا نصوا على كراهة كل لهو كالرقص والسخرية والتصفيق، وضرب الأوتار من الطنبور والبربط والرباب والقانون والمزمار والصنج والبوق فإنها كلها مكروهة تحريمًا، ولم يستثن من ذلك إلا ضرب الدف في الأعراس والأعياد الدينية، وإلا ملاعبة الرجل زوجه وتأديبه لفرسه ومناضلته بقوسه. هذا ونرى أن تأخذ حكومتنا السنية حرسها الله تعالى بتسهيل أمر الحج على المسلمين والسلام عليكم ورحمة الله. مفتي الديار المصرية ... ... ... ... ... شيخ الجامع الأزهر إمضاء ... ... ... ... ... ... ... ... ختم عبد الرحمن قراعة ... ... ... ... ... ... محمد أبو الفضل