للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


كلمة شيخ الأزهر السابق
في حوادث فلسطين

نوّهنا في مقالنا الذي نشرناه في جزء المنار السادس في موضوع ثورة
فلسطين أن أعظم رجال الإسلام في الحكم والعلم قد أيدوا مسلمي فلسطين تجاه
عدوان اليهود عليهم، ولا سيما ملك الحجاز ونجد وشيخ الأزهر، وإننا نسجل هنا
حديثًا للثاني نُشر في المقطم الذي صدر في ١٥ ربيع الآخر سنة ١٣٤٨ تحت
عنوان (رأي ناضج) في حوادث فلسطين وهذا نصه:
كتب أحد مندوبي المقطم في الإسكندرية يقول:
رأيت اهتمام الناس في مصر شديدًا بما هو واقع في جارتنا فلسطين من
الحوادث الجسام الموجبة للأسف، فخطر لي أن أقصد حضرة صاحب الفضيلة
الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر، وأكبر رأس
بين مسلمي الشرق لأستطلع رأي فضيلته في الحوادث المذكورة.
قصدت وزارة الأوقاف ببولكلي حيث يشتغل فضيلة الأستاذ من أوائل هذا
الصيف في أعماله الخطيرة، فلما دخلت مكتبه وكان مُكبًّا على ما بين يديه من
الأوراق المكدسة، رفع رأسه وقابلني بابتسامته العذبة الخلابة.
ولما كنت أعلم أن وقت فضيلته ثمين لا يتسع للتحيات المألوفة، بادرته
بإعلان الغرض الذي جئت لأجله، ثم وجهت إلى فضيلته ما عنَّ لي من الأسئلة
التي أجابني عليها بصراحة وبلا تردد، وقد دوَّنت ما دار في شكل حديث استأذنت
فضيلته في نشره على صفحات المقطم، فتفضل وأذن لي بذلك خدمة للمصلحة
العامة، وإظهارًا لرأي يمثل الرأي العام في مصر في هذا الشأن، وهذا نص
الحديث:
س - ما رأي فضيلتك في حوادث فلسطين؟
ج - إن حوادث فلسطين مأساة تدعو إلى أشد الأسف والحزن.
س - هل ترى أن سبب هذه الحوادث يرجع إلى الدين؟
ج - لا أعتقد هذا، فإن المسلمين وَسِعوا مخالفيهم في الدين في جميع
العصور الماضية، وعاملوهم بمنتهى الكرم حتى كانت هذه المعاملة من أهم
الأسباب الباعثة على انتشار الدين الإسلامي؛ ولكن أرى أن أسبابًا مدنية خُلطت أو
سُترت بأسباب دينية، فأثارت كوامن الحقد والخلاف الديني سواء كان حقيقًا أم
مصطنعًا يفعل في الجماهير ما لا تفعله الأسباب المدنية وحدها.
ويظهر أن العرب والمسلمين في فلسطين يرون نفوذهم يتقلص في بلادهم
ويخشون عاقبة خروج البلاد من أيديهم ووقوع الآثار المقدسة والمسجد الأقصى
تحت سلطان غيرهم، وهذا في نظرهم موت مادي وأدبي.
س - ما هو طريق استئصال هذه الفتن؟
ج - لقد عهد الناس في الدولة البريطانية المحافظة على التقاليد واحترام
العقائد والعواطف، والرجاء معقود بأن تعمل بريطانيا العظمى على استئصال أسباب
الخلاف ليعيش الناس في سلام، وتهدأ تلك النفوس الثائرة، والمسلمون لا يحتملون
أي اعتداء كان على المسجد الأقصى، ومن شأن ذلك أن يستفز عواطفهم في جميع
الأقطار الإسلامية.
س - قيل إن العلماء يريدون بحث الحالة والاحتجاج على حوادث فلسطين؟
ج - لا شك أن علماء الأزهر يشاركون إخوانهم العرب في مصائبهم وآلامهم
ويستنكرون الاعتداء عليهم؛ ولكنهم لا يريدون الإسراع في حكمهم، ويفضلون
انتظار نتيجة التحقيق الذي نؤمل أن يتم بطريقة منزهة عن الغرض بعيدة عن
التحيز، وأن يؤدي آخر الأمر إلى إصدار حكم في مصلحة العرب والمسلمين.