للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(الاتفاق التركي الإنكليزي وأثره في بلاد العرب)
بيَّنا في الجزء السابق شأن هذا الاتفاق ومواده وما فيه من الغبن والضرر على
الأمة العربية والدولة العثمانية بالإجمال وأشرنا إلى أن للكلام في موضوعه بقيةً،
وقد ضاق هذه الجزء بكثرة مواده عن نشر ما لدينا من الآراء والأخبار فيه فنكتفي
بذكر نتيجة واحدة من نتائجه وهي وصول سوء الظن بالسلطة الاتحادية إلى أمراء
جزيرة العرب وعشائرها، فاعتقدوا ما يعتقده جمهور أهل الرأي في الولايات أنها
لبغضها للعرب تريد أن تُحَكِّم في رقابهم ورقبة بلادهم دولة أشد منها بأسًا وأصعب
مراسًا وهي الدولة الإنكليزية التي لا يرجى لهم إذا هي ملكت بلادهم استقلال، إلا
إذا انقلب ما عليه الأمم والدول الآن من شئون الاجتماع من حال إلى حال، وقد
حدث في هذه الأثناء حادثتان عظيمتان في تلك البلاد التي يتعلق الاتفاق بشئونها،
وهما استيلاء الأمير ابن سعود على بلاد الأحساء التي تسميها الدولة متصرفية نجد،
والثانية اشتداد الاضطراب في ولاية البصرة، حتى كان من نتائجه قتل قائد
الدولة في البصرة قومندان البصرة ومتصرف المنتفج.
***
(استيلاء ابن سعود على الأحساء)
نشرت جرائد العراق وسورية ومصر خبر استيلاء الأمير عبد العزيز بن
سعود على تلك البلاد الأحساء والقطيف والعقير، وإخراجه لعمال الدولة
وعسكرها منها وإرسالهم إلى العراق، وجاءنا من أخبار تلك البلاد ما لم نر تفصيله
في الجرائد.
وابن سعود يرى أن هذه البلاد من إمارته التي ورثها عن آبائه وأجداده وإنما
استولت عليها الدولة أخيرًا في عهد ولاية مدحت باشا على بغداد بمساعدة الشيخ
مبارك الصباح وآل بيته، وكان الشقاق يومئذ بين آل سعود قد أضعفهم فلم
يستطيعوا مقاومة العشائر التي زحف بها على البلاد آل الصباح مع عسكر من
الدولة.
ثم سلطت الدولة ابن الرشيد على ابن سعود لينزع منه بقية البلاد فاتفق ابن
سعود مع الشيخ مبارك الصباح على ابن الرشيد فاسترجع منه ما كان استولى
عليه حتى لم يعد له نفوذ إلا في عشيرته. ثم إن ابن سعود والشيخ مباركًا تنبها لما
يجب على الملسمين من الاتحاد والولاء فكانا شديدي التعلق والإخلاص للدولة
العثمانية على كثرة ما يريانه من سوء معاملتها.
ولكن بيع الاتحاديين لشرقي بلاد العرب رقبتها أو مصالحها ومنافعها للإنكليز
بعد بيعهم طرابلس الغرب لإيطالية جدير بأن يخيفهم على بلادهم فلا غرو إذا بادر
ابن سعود لاسترجاع بلاد الأحساء.
ومن الأخبار الخاصة أن ابن سعود طهَّر تلك البلاد عند استيلائه عليها من
الرجس فأجلى العاهرات وبائعي الخمر إلى البحرين والبصرة، وأبطل الحكم
بالقوانين وأقام الأحكام الشرعية، ومنها أنه كتب إلى السيد فيصل صاحب مسقط
بأن يكون تابعًا لإمارة نجد كما سبق، وأوعده بأنه سيزحف على عمان فيصل إليه
بعد أربعة أشهر.
وبلاد عمان تتمخض الآن بالفتن فقد نصب الإباضية لهم إمامًا تبرأ أتباعه وهم
عدة عشائر من السيد فيصل لموالاته الإنكليز، ويقال: إن ابن سعود اتفق مع بعض
رؤساء العشائر في عمان على أن يؤيدوا أمراءه ويساعدوه بالمال والرجال عند
الحاجة على أن يصد عنهم مداخلة الإنكليز في بلادهم التي تفسد عليهم دينهم بالبغاء.
***
(الاضطراب في البصرة)
اصطنع الاتحاديون عجيمي بك السعدون من رؤساء عشائر العراق الذي
اعتقلت والده فمات في السجن وسبب اصطناعها إياه أمران:
أحدهما: أنه نهب مال عمه وقدره ١٧٠ ألف ليرة عثمانية وهم يدورون حول
الدينار، ولو كان في النار.
وثانيهما: إغراؤه بطالب بك النقيب الذي أعيا الجمعية نفوذه في البصرة على
كونه مقاومًا لسياستها المبنية على إضعاف العرب وهضم حقوقهم حتى انفضَّ بنفوذه
الناس من حولها وأقفل ناديها. وقد كان ناديها في بغداد اقترح على مركزها العام
تعيين عميدها وعتادها في العراق أمير الألاي فريد بك واليًا للبصرة ليكفيها أمر
طالب بك ويُخضع الولاية لعظمتها فلم يقبل اقتراحه خوفًا أن يثير ذلك فتنة تعجز
الحكومة عن تلافيها؛ إذ ليس عندها جند كاف في العراق ولا سبيل إلى إرسال جند
من مكان آخر، وهي في قتال مغلوبة فيه على أمرها في البلقان، فاكتفت بجعل
فريد بك قومندانا لها موقتًا.
فكان أول عمله إغراء عجيمي بك السعدون بالزحف برجاله على البصرة
وطلب إخراج طالب بك منها أو يهجم برجاله عليها، فزحف عجيمي حتى وصل
إلى قرب البصرة فاضطرب الناس وفر الأجانب إلى الأماكن القريبة الآمنة
كالمحمرة وبطلت التجارة، وخاطب وكلاء الدول الحكومة بوجوب إكراه عجيمي
بك على الرحيل، وفي أثناء ذلك هجم بعض أشقياء العرب على فريد بك وهو في
جهة العشار مدخل البصرة من شط العرب، مع بديع بك نوري متصرف المنتفك
فقتلوهما بالرصاص، فسكنت بعد ذلك ثورة عجيمي بك السعدون، وجاء البصرة
مصالحًا لطالب بك طالبًا منه العفو، ثم إنه أرسل برقية إلى الحكومة باسمه واسم
كبراء عشيرته يطلبون فيه اللامركزية الإدارية في البلاد، فهذا مثال من سياسة
الاتحاديين وإدارتهم فنسأل الله حسن العاقبة، وتوفيق الدولة.