للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة السنة الثامنة
باسم الله وحمده نختتم الجزء الأخير من هذه السنة كما بدأنا أول جزء منها
باسمه وحمده فهو الذي يذكر ويحمد في السراء والضراء، وعلى الزعزع والرخاء،
فإن السراء من نعمه الظاهرة والضراء من نعمه الباطنة، يربي بها عباده فيبتلي ما
في قلوبهم، ويمحص ما في صدورهم، والله عليم بذات الصدور.
منينا في هذه السنة بشيء من المصائب والنوائب نرجو أن نكون وفقنا معه
للصبر، وادخر لنا عند الله فيه الأجر، زيادة عما آتانا به من الثقة بوعده، والتوكل
عليه والرضى بقضائه وقدره، والعبرة بشؤونه في خلقه والاعتماد بعد ذلك كله على
ما وهب من القوى، والتحقق بمقام {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه: ٥٠) فله الحمد على ما استأثر به وعلى ما أبقى، ولله الحمد على ما أخذ
وعلى ما أعطى، ولله الشكر والثناء الحسن في الآخرة والأولى.
قلنا في فاتحة السنة الماضية وخاتمتها: إن المنار قد دخل في سن التمييز. نعم
وقد ميزنا في هذه السِّنّ بين كثير المتشابهات كالخِل الصادق، والخِب المماذق،
والمتودد يبتغي العرض والوديد لا لعلة ولا لغرض، والموافق في الاعتقاد والشعور،
والمنافق اللابس ثوب الزور، فنسأل الله كمال الصبر وتمام صفاء السريرة.
أما قراء المنار فهم ينمون بنموّه، يزيدون بزيادة سنيّه ولم ينقص من عددهم
انتقاص أهل الأهواء، ولا خوض أهل الدهان والرياء، ولا نشكو إلا من تقصير
بعضهم في أداء قيمة الاشتراك، ومعظم التقصير في هذا منا فإننا قلما نتقاضى
مشتركًا أو نذكره بكتاب يرسل، أو وكيل يسأل، بل تركناهم إلى أريحيتهم، ووكلنا
بهم غيرتهم ومروءتهم، ومنهم من ينسى فيحتاج إلى التذكير، ومن يكسل عن
إرسال المبلغ في البريد فيغريه التسويف بالتأخير، ومنهم السابقون إلى الأداء،
والمقتصدون في الوفاء، وإنما تنهض الأعمال بأمثال أولئك وهؤلاء، ويندر أن
يكون في قراء المنار من يهضم حقه عمدًا، ويقصد إلى أكل قيمة الاشتراك قصدًا.
نعم، إن أهل مصر قد اعتادوا أن يدفعوا قيمة الاشتراك في الصحف للوكلاء
الذين يتقاضونهم ولعل أهل تونس مثلهم؛ إذ لا يرسل القيمة إلينا بغير طلب أكثر من
عشرهم وجميع المشتركين في الشرق والغرب يرسلون إلينا قيمة الاشتراك من غير
طلب لا يمطل منهم إلا بعض أهل الهند وأفراد من أهل الجزائر وأهل المغرب
الأقصى وقد كنا عهدنا بوكالة المنار في تونس إلى رجل اسمه علي زنين فحصل ما
شاء أن يحصل وأكله مع ثمن كتب كنا أرسلناها إليه. ثم وكلنا رجلاً من الأدباء
فتضاعف المشتركون في القطر التونسي بدعوته ولكنه كان يشكو من صعوبة
التحصيل، وقد كانت وكالته في السنة الخامسة ولم يرسل إلينا بيانًا بأسماء بعض من
دفع القيمة إلى محصله (أحمد أبي خطيوة) إلا في أول هذه السنة، كتب إلينا أسماء
من دفعوا الاشتراك في السنة الخامسة ومن مطلوا، وعشرين مشتركًا دفعوا في
السادسة ووعد بإرسال بيان أسماء بقية المشتركين الذين دفعوا فيها وفيما بعدها
والذين مطلوا وقد انسلخت السنة ولم يرسل إلينا شيئًا.
وقد كتبنا إليه منذ شهر ونصف كتابًا أرسلناه في البريد مضمونًا فلم يحر جوابًا
ولم يرجع إلينا قولاً، ولعل له عذرًا ونحن نلوم، فمثله في أدبه وفضله لا يقصر
في حقوق الأدب عمدًا، وإننا نعتبر وكالته موقوفة حتى يأتينا منه ما نعرف به سبب
ترك المكاتبة والمحاسبة، ونرجو من المشتركين في القطر التونسي أن يرسلوا إلينا
قيمة الاشتراك بعد وصول هذا الجزء إليهم حوالة على البريد في القاهرة وسواء عاد
الوكيل في تونس إلى التحصيل للمنار أو وكلنا غيره لا يجوز لمشترك أن يدفع إلى
أحد قيمة الاشتراك بمقتضى وصل من الوصولات القديمة، فإننا سنطبع وصولات
خاصة بتونس والبلاد التي حكمها كحكمها في الاشتراك يذكر فيها المطلوب بالأرقام
والحروف هكذا:
١٨ فقط ثمانية عشر فرنكًا لا غير
وتختم بختم إدارة المجلة، وتذيل بتوقيعنا المعروف.