للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


بيع سكك الحديد السودانية
أهم ما يشغل الأفكار، وتلهج به الألسنة في هذه الديار: مسألة بيع سكك حديد
السودان لشركة إنكليزية، كثرت في المسألة الإشاعات، وأنشأت الجرائد اليومية
فيها المقالات الضافية، وقد ذكرنا في العدد الماضي ما نقل من اعتراض الباب
العالي على الحكومة المصرية، وإبطال احتجاجها باحتياجها للمال للنفقة على حملة
السودان، ويروى عن السبب في ذلك أن اللورد كرومر طلب من سمو الخديوِ
المعظم المصادقة على البيع، وأطلعه على رسالة برقية جاءته من اللورد سالسبري
يأمره فيها بإلزام الحكومة الخديوية بتنفيذ هذا البيع، فأبى سموه الرضا والقبول،
ورفع الشكوى من هذا التشدد إلى مقام المتبوع الأعظم، فترتب عليه الاعتراض.
ويشيعون هنا أن الجناب العالي الخديوي سيشتري تلك السكك بماله الخاص، إذا
رأى أنه لا مندوحة عن بيعها، وأن الشركة الإنكليزية لا تبت البيع إلا بعد الاستيلاء
على الخرطوم، هذا مخلص الأخبار في ذلك وما وراءه فتأسُّف عجائر، وتفجُّع
ثواكل، ورثاء وعزاء، ونشيج وبكاء، هذه عاقبة الشعوب الجاهلة بحقوقها
وواجباتها، المسرفة في أمرها، التي يظن كل فرد من أفرادها أنه كون برأسه،
يرمي ترك التعاون والاجتماع إلى أيدي الذئاب والسباع، لا تفارق الجماعة فتفارق
دينك وأنت لا تدري، فإنما " يأكل الذئب من الغنم القاصية ".