للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الوثائق الرسمية في المسألة العربية

(١)
الاتفاق بين الأمير فيصل والدولة
الفرنسية على الانتداب في سورية
نشرت الحكومة الفرنسية بيانًا عن المسألة العربية جاء فيه نص الاتفاق الذي
عقدته بينها وبين الأمير فيصل في أواخر سنة ١٩١٩ , وهو الذي حمله فيصل إلى
سوريا في شهر فبراير سنة ١٩٢٠؛ ليأخذ من زعماء الأمة تفويضًا بعقده نهائيًّا.
وقد بينا ما كان من أمر خيبته فيه من قبل وهذه ترجمة الاتفاق:
باريس في ٦ يناير (كانون) الأول سنة ١٩١٩
المادة١ - تؤيد حكومة الجمهورية الفرنسية اعترافها بحق الشعوب السورية
في حكومة ذاتية.
المادة٢ - تتعهد الحكومة الفرنسية ببذل مشاركتها بكل صفة للأمة السورية
وضمان استقلالها ضد كل تعد في الحدود التي سيعترف لها بها مؤتمر الصلح.
المادة٣ - يعترف صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بأن الأمة السورية
المستقلة لا يمكنها أن تستغني الآن عن مشاورة ومساعدة (مندوب) يرشدها في
إدارتها إلى الوقت الذي تقدر فيه على إدارة شؤونها بنفسها , ويقبل باسم الشعوب
السورية أن يفوض إلى فرنسة هذا الانتداب.
المادة٤ - يتعهد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بأن يطلب من الحكومة
الفرنسية - من هذه الحكومة وحدها - المستشارين اللازمين؛ لتنظيم الإدارات
الملكية والعدلية والنافعة , والمعارف وكل الفروع التي يتبين النفع من إنشائها باتفاق
مشترك بقصد النظام والتقدم.
ويكون للحكومة الفرنسية حق الأولوية في المشروعات الصناعية , والقروض
المحلية , وتحترم أساس القانون الشرعي في مسألة الأوقاف.
المادة ٥ - تسهيلاً لتسيير الضمان المعطى من فرنسة للأمة السورية يطلب
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل حالاً من الحكومة الجمهورية رجالاً - ضباطًا -
مدربين؛ لتنظيم الدرك والشرطة.
المادة ٦ - يقيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل في باريس بجانب ناظر
الخارجية معتمدًا مفوضًا موكلاً , يتتبع المسائل الخارجية التي تهم الأمة السورية،
ويفوض إلى الممثلين السياسيين والقناصل الفرنسيين في الخارج تمثيل المصالح
الخارجية للدولة السورية، ويصدر للقناصل توكيلاً منه بالمسائل السورية.
المادة ٧ - يكون لبنان مستقلاًّ تحت الوصاية الأفرنسية في الحدود التي
يخصصها له مؤتمر السلم.
المادة ٨ - سيبقى هذا الاتفاق الحاضر الذي تعين به القواعد العمومية مكتومًا
بين الطرفين إلى حين إمضاء الاتفاق القطعي المفصل (ويدون عند رجوع الأمير
فيصل من سوريا) . ويتبلغ هذا الاتفاق إلى مؤتمر الصلح في الوقت الملائم.
***
(٢)
تعديل هذه الوثيقة
باريس في ١٦ يناير (كانون الأول) ١٩١٩
بناءً على التصريح الفرنسي - الإنجليزي بتاريخ ٩ تشرين الثاني سنة ١٩١٨
من جهة، وبناءً على المبادئ العامة المختصة بتحرير الشعوب , وبالمشاركة الودية
المعلنة من قبل مؤتمر السلم من جهة أخرى , تؤكد الحكومة الجمهورية الأفرنسية
اعترافها بالحق للأهلين الناطقين باللغة العربية والقاطنين في أرض سوريا من كافة
المذاهب أن يتحدوا؛ ليحكموا أنفسهم بأنفسهم بصفتهم أمة مستقلة يعترف صاحب
السمو الملكي الأمير فيصل بأن اللأهلين السوريين , لا يستطيعون في الوقت
الحاضر؛ لاختلال النظام الاجتماعي الناشئ عن الاضطهاد التركي، والخسائر
المحدثة أثناء الحرب - أن يحققوا وحدتهم , وينظموا إدارة الأمة دون مشورة ولا
معاونة من أمة مشاركة , على أن تسجل تلك المشاركة Cooperation من قبل
جمعية الأمم عند إبرامها فعلاً.
وباسم الشعب السوري يطلب هذه المهمة من فرنسة.
١- تتعهد الحكومة الأفرنسية بأن تمنح للأمة السورية مساعدتها على شؤونها
بجميع أنواعها , وأن تضمن استقلالها ضد كل تجاوز ضمن الحدود التي سيعترف
بها مؤتمر السلم , وفي تعيين هذه الحدود ستبذل الحكومة الأفرنسية جهدها؛ لتقرير
التعديلات العادلة من حيث الجنسية واللغة العربية.
٢- يتعهد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بأن يطلب من الحكومة
الجمهورية الأفرنسية - هذه الحكومة وحدها - المستشارين والمدربين والمأمورين
الفنيين اللازمين لتنظيم جميع الإدارات الملكية والعسكرية , وهؤلاء المستشارون
والأخصائيون يستمدون تفويضهم وسلطتهم التنفيذية من الأمة السورية.
يشترك المستشار المالي في إعداد ميزانية الخرج والدخل؛ لإقامة أساس
التنظيم المالي , الذي تبنى عليه قواعد إدارة الدولة (السورية) الجديدة، وهو الذي
ينفذ بالإجبار جميع نفقات الإدارات المختلفة , وله أن يبحث عن حصة سورية من
الديون العمومية العثمانية.
وستكون السكك الحديدية المعطى امتيازها من خصائص مستشار (النافعة)
وفي أثر انعقاد الاتفاق الحاضر تمنح الحكومة الفرنسية مساعدتها؛ لأجل تنظيم
الدرك والشرطة والجيش.
يعترف صاحب السمو الملكي الأمير فيصل للحكومة الفرنسية بحق الأولوية
التامة في المشروعات والقروض المحلية , إلا ضد الوطنيين الذين يعملون لأنفسهم
ولا يعيرون أسماءهم لرأس مال أجنبي.
٣- يقيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل في باريس لدى ناظر الأمور
الخارجية مفوضًا , ينتدبه سكرتيره للأمور الخارجية , يعهد إليه النظر في المسائل
الخارجية التي تهم الأمة السورية , ويعهد إلى ممثلي فرنسة السياسيين وقناصلها في
الخارج بتمثيل مصالح دولة سورية الخارجية.
يكون للمفوض السوري الذي يقيم في باريس مندوبون تابعون لأمره في لندن
ورومة وواشنطن ضمن نطاق السفارة الأفرنسية , ووظيفتهم رؤية المسائل المختصة
بأحوال السوريين الشخصية.
وسيعهد للقناصل الفرنسويين بمهمة القنصلية السورية.
٤- يعترف صاحب السمو الملكي الأمير فيصل باستقلال لبنان تحت الوصاية
الفرنسية، وبالحدود التي سيعينها له مؤتمر السلم.
٥- يتعهد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بأن يتعاون مع فرنسة على
تنظيم حكومة لدروز حوران في داخل الدولة السورية تكون متمتعة بأوسع شكل من
الاستقلال الإداري يلتئم مع وحدة الدولة.
٦- تتعهد الأمة السورية بأن تبذل جميع قواها في المساعدة التامة لفرنسا في
كل فرصة؛ امتنانًا من العهد الذي عقدته مع المندوب العالي الأفرنسي ممثل الدولة
المساعدة إقامة عادية في حلب؛ ليكون بهذه الصورة على مقربة من كيليكيا، وهي
منطقة الحدود التي تجتمع فيها عادة الجنود الحامية، ويكون لرئيس الدولة السورية
والمندوب العالي الأفرنسي مشتى في بيروت التي ستتمتع بإدارة بلدية مختارة.
يبقى هذا العهد الذي تضبط به المبادئ العمومية مكتومًا بين الفريقين إلى
إمضاء الاتفاق القطعي المفصل , الذي سيحرر عند رجوع صاحب السمو الملكي
الأمير فيصل إلى فرنسة , وسيعرض في الوقت الموافق على مؤتمر السلم اهـ.

(المنار)
هذا هو الاستقلال الذي كانت جرائد الدعاية البريطانية تبشر به السوريين مع
سائر العرب , وفي مقدمتها جريدة القبلة , وجريدة الكوكب , وجريدة المقطم.
هذا هو الاستقلال الذي كان فيصل يحلف الأيمان المغلظة في خطبه ومحادثاته
بأنه لا يقبله إلا تامًّا ناجزًا مطلقًا من قيود الحماية والوصاية , وكل تدخل أجنبي
وإلا كان بريئًا من دم محمد , ومن نسب محمد صلى الله عليه وسلم. وكان يطلب
من وجهاء السوريين وأحزابهم , ومن المؤتمر السوري أن يفوضوه في سياستهم
الداخلية والخارجية بلا شرط ولا قيد , وكادوا يخدعون، ولو فعلوا لسجل على بلادهم
حمل العبودية , ولكنه خاب أولاً وآخرًا. ولله الحمد، ولا ندري ما تكون عاقبة أمره
فيما عاهد عليه الإنكليز في العراق , من تقييد الأمة بإمضاء صك عبوديتها وبيع
استقلالها.
((يتبع بمقال تالٍ))