للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد محمد شاكر


الانتقاد على المنار وتفسيره
مولاي الأستاذ السيد العلامة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في العدد السابع من المجلد ٣١ من المنار الزاهر في تفسير قوله تعالى:
{وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} (التوبة: ١٠١) ص ٥٠٩ ما نصه:
(وفي مسند أحمد عن ابن مسعود: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن منكم منافقين فمَن سميته فليقم، ثم قال: قم يا
فلان حتى سمى ستّ وثلاثين) وروى غير هذا في معناه.
ولما كنت أعمل - كما تعلمون - في وضع فهارس دقيقة مفصلة لمسند الإمام
أحمد فقد استغربت أن يكون فيه هذا الحديث، ثم رجعت إلى فهارس المسند التي
عملتها، فأيقنت أنه لم يروِهِ أحمد أصلاً من حديث ابن مسعود؛ فإنه لم يروِ من
حديثه فيما يتعلق بالمنافقين إلا خمسة أحاديث هي:
حديث المواظبة على إجابة النداء بالصلاة وفيه: (ولقد رأيتني وما يتخلف
عنها إلا منافق معلوم نفاقه) رواه مرتين في صفحة ٣٨٢ و ٤١٤ ج١.
وحديث: (إن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه) .. إلخ وهو ليس
نصًّا في وصف المنافقين. ورواه ثلاث مرات في ص ٣٨٣، ج١.
ولم يروِ من حديث ابن مسعود في خطب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربعة
أحاديث هي أحاديث خطبة الحاجة رواه بأربعة أسانيد في ص٣٩٢ و٣٩٣ و٤٣٢
ج١.
وروى في التفسير من حديث ابن مسعود ٣٦ حديثًا ليس منها هذا الحديث
على اليقين، ولولا خوف الإطالة لذكرتُها بصحتها.
وقد رجعت إلى الدر المنثور للسيوطي فوجدته روى قريبًا من هذا المعنى من
حديث ابن عباس ونسبه لابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط
وأبي الشيخ وابن مردويه، وهو في تفسير ابن جرير الطبري كما قال السيوطي
ولفظه: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا يوم الجمعة فقال: اخرج يا
فلان فإنك منافق، اخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج من المسجد ناسًا منهم
ففضحهم..) إلخ ونسبه صاحب كتاب جمع الفوائد للطبراني في الأوسط وقال:
(يُضَعَّف) . وحقيقة أن في إسناده عند ابن جرير ضعفًا. وكذلك نقله ابن كثير عن
السدي عن أبي مالك عن ابن عباس ولم يذكر مَن أخرجه، وظاهر أنه أخذه من
تفسير ابن جرير.
وذكر السيوطي في الدر المنثور حديثًا آخر لابن مردويه عن أبي مسعود
الأنصاري قال: لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما شهدت مثلها قط،
فقال: (أيها الناس إن منكم منافقين فمن سميته فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان،
حتى قام ستة وثلاثون رجلاً) وذكر باقي الحديث ولم يتكلم على إسناده من الصحة
والضعف فلا ندري ما هو. وليس انفراد ابن مردويه بحديث مما يطمئن معه القلب
إلى صحته.
وأظن أن هذا الأخير هو الأقرب إلى رواية المنار الزاهر ولكنه من حديث
أبي مسعود البدري الأنصاري لا من حديث عبد الله بن مسعود، ومن رواية ابن
مردويه لا من رواية الإمام أحمد بن حنبل في المسند.
هذا ما بدا لي في استخراج هذا الحديث، أرجو من أستاذي الجليل أن يتفضل
بنشره في المنار، وأن يمن على تلميذه بذكر مصدر الرواية إن كانت منسوبة للمسند
من حديث ابن مسعود حقيقةً استدراكًا لفائدة نفيسة كهذه حتى نقيدها عندنا على
نسختنا من مسند أحمد، لا زلتم أهلاً للفضل ومنارًا للعلماء والسلام.
... ... ... ... ... ... ... ... ... تلميذكم المخلص
... ... ... ... ... ... ... ... أحمد محمد شاكر
... ... ... ... ... ... ... ... ... القاضي الشرعي
(المنار)
أشكر لأخينا الكريم خادم السنة بحثه العلمي عن الحديث المذكور، وإيذاننا
بنتيجته، وأخبره بأنني نقلته من كتاب (فتح البيان في مقاصد القرآن) وإنني اطَّلعت
على ما ذكر في معناه في تفسير الطبري والدر المنثور وابن كثير وغيرهما
فاقتصرت عليه لاختصاره، بعد أن كنت نقلت غيره، ولم أنشره لأنني أعتقد أنه لا
يصح شيء في فضيحة أولئك المنافقين في المسجد بالتصريح بكفرهم بأعيانهم؛ لما
صرحت به من تعليل ذلك عقب نقله، ولولا هذا لما ذكرت هذا الحديث أيضًا.
وإنني قد استغربت سكوت السيوطي عن هذا الحديث في الدر المنثور، ولكنني
أعلم أنه لم يستقصِ كل ما ورد، وقد راجعت جدول الخطأ والصواب من فتح البيان
لعلي أرى فيه تصحيحًا لخطأ وقع في عزو الحديث إلى المسند أو إلى ابن مسعود
فلم أره فيه، وأنا أعلم أن مؤلفه رحمه الله كان يتحرى في نقل الأحاديث. ويقال:
إنه كان يستعين في تأليف تفسيره هذا بلجنة من علماء الحديث وغيرهم، ومن الكتب
التي كان يعتمد عليها تفسير الشوكاني، فإن وجد الحديث في هذا التفسير يكون
ناقلاً له عنه، وإن لم يوجد فيحتمل أن يكون وجده في نسخة للمسند خطية في
خزانة كتبه الحافلة، ويحتمل أن يكون عزوه إلى مسند ابن مسعود عند الإمام أحمد
خطأ، ويرجحه عدم نقل السيوطي إياها عنه في الدر المنثور، على أنني قد حذفت
هذه الرواية مما طبعته على حدته وكذا من مختصره الذي شرعت فيه بل قلما أذكر
فيه شيئًا من الروايات الصحيحة بألفاظها وتخريجها، وأختم هذا التعليق بإعادة ما بدأت به من شكر أخينا الأستاذ. جعله الله تعالى خير عون على العلم وتحرير كتبه.