للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


احتفال السوريين بحافظ أفندي إبراهيم

دعا سليم أفندي سركيس السوريين بمصر وغيرها إلى الاكتتاب للاحتفال
بحافظ أفندي إبراهيم الذي ينوه بفضلهم؛ ليكون هذا الاحتفال توددًا من شعب إلى
شعب هما بمنزلة الشقيقين , فلبى الدعوة كثيرون , وبعد انتهاء مدة الاكتتاب أُقِيمت
الحفلة بفندق شبرد , وحضرها مع جمهور المكتتبين كثيرون من وجهاء وأدباء
المصريين , وأصحاب الجرائد وكان ترتيبها هكذا:
افتتح الاحتفال سليم أفندي سركيس ببيان الغرض منه، خطب سليمان أفندي
البستاني في الشعر والشعراء، أنشد نقولا أفندي رزق الله قصيدة (مصر وسوريا)
خطب سليم بك باخوس في إكرام الرجال للرجال، تليت قصيدة للأمير شكيب
أرسلان، خطب إسماعيل بك عاصم، أنشد أمين أفندي البستاني قصيدة له، خطب
رفيق بك العظم , تليت قصيدة لأسعد أفندي رستم، قُرئ كتاب في تحية الصحافة
للشعراء المرسل من إدارة جريدة (مرآة الغرب) بنيويورك , أنشد الدكتور إبراهيم
أفندي شدودي قصيدة له , وقدم سليم أفندي سركيس لحافظ أفندي هدية رواق المعري
في البرازيل وهي قلم من الذهب بشكل الريشة , ثم الهدية الإكرامية من مجموع
السوريين وهي دواة ومقلمة من الفضة، وختمت الحفلة بقصيدة الشكر من حافظ
وهي:
لمصر أم لربوع الشام تنتسبُ ... هنا العلى وهناك المجد والحسبُ
ركنان للشرق لا زالت ربوعهما ... قلبُ الهلال عليها خافقٌ يجبُ
خدران (للضاد) لم تهتك ستورهما ... ولا تحوَّل عن مغناهما الأدب
أُمُّ اللغات غداة الفخر أمهما ... وإن سألت عن الآباء فالعرب
أيرغبان عن الحسنى وبينهما ... في رائعات المعالي ذلك النسب
ولا يمتَّان بالقربى وبينهما ... تلك القرابة لم يقطع لها سبب
إذا ألمت بوادي النيل نازلةٌ ... باتت له راسيات الشام تضطرب
وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألم ... أجابه في ذرى لبنان منتحب
لو أخلص النيلُ والأردنُّ ودّهما ... تصافحت منهما الأمواه والعُشب
بالواديين تمشى الفخر مشيته ... يحفُّ ناحيتيه الجود والدأب
فسال هذا سخاء دونه ديمٌ ... وسال ذاك مضاءً دونه القضب
نسيمَ لبنان كم جادتك عاطرةٌ ... من الرياض وكم حياكَ منسكب
في الشرق والغرب أنفاس مسعَّرةٌ ... تهفو إليك وأكبادٌ بها لهب
لولا طلاب العلا لم يبتغوا بدلاً ... من طيب رياك لكنَّ العلا تعب
كم غادةٍ بربوع الشام باكيةٍ ... على أليفٍ لها يرمي به الطلب
يمضي ولا حلية إلا عزيمته ... وينثني وحلاه المجد والذهب
يكرُّ صرف الليالي عنه منقلبًا ... وعزمه ليس يدري كيف ينقلب
بأرض (كولمبَ) أبطالٌ غطارفة ... أسدٌ جياعٌ إذا ما ووثبوا وثبوا
لم يحمهم علمٌ فيها ولا عددٌ ... سوى مضاءٍ تحامى ورده النوب
أسطولهم أملٌ في البحر مرتحلٌ ... وجيشهم عملٌ في البرّ مغترب
لهم بكلّ خضم مسربٌ نهجٌ ... وفي ذرى كل طودٍ مسلك عجب
لم تبدُ بارقةٌ في أفق منتجعٍ ... إلا وكان لها بالشام مرتقب
ما عيبهم أنهم في الأرض قد نُثروا ... فالشهب منثورة مذ كانت الشهب
ولم يَضِرْهم سراءٌ في مناكبها ... فكل حيّ له في الكون مضطرب
رادوا المناهل في الدنيا ولو وجدوا ... إلى المجرَّة رَكبًا صاعدًا ركبوا
أو قيل في الشمس للراجين منتجع ... مدُّوا لها سببًا في الجوّ وانتدبوا
سعوا إلى الكسب محمودًا وما فتئت ... أم اللغات بذاك السّعي تكتسبُ
فأين كان الشآميُّون كان لها ... عيشٌ جديد وفضل ليس يحتجب
هَذِي يدي عن بني مصر تصافحكم ... فصافحوا تصافح نفسها العربُ
فما الكنانهُ إلا الشام عاج على ... ربوعها من بنيها سادةٌ حسب
لولا رجال تغالوا في سياستهم ... منا ومنهم لما لمنا ولا عتبوا
أن يكتبوا لي ذنبًا في مودّتهم ... فإنما الفخر في الذنب الذي كتبوا