للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الجامعة الإسلامية
وآراء كتاب الجرائد فيها

أول من كتب وخطب في بيان أحوال المسلمين الاجتماعية، وتمثيل أمراضهم
ودلالتهم على علاجها، وإرشادهم إلى الاتحاد وجمع الكلمة، حكيم الأمة الكبير
وفيلسوفها الشهير السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني (تغمده الله تعالى برحمته)
فإنه كان قد وقف نفسه على تكوين ما نسميه اليوم (الجامعة الإسلامية) وكان
أكثر سعيه لها من الطريق الأقرب، طريق تنبيه الحكومات المسلمة المستقلة إلى
الاتحاد.
ولكن أباها الحاكمون فكاره ... لها جاهل أو مكره وهو عالم
ثم أشرب في قلبه مذهبه هذا الحكيم الثاني، صاحب الفضيلة الشيخ محمد
عبده مفتي الديار المصرية لهذا العهد (كما ألمعنا إلى ذلك في عدد سابق) ولم يدع
الرجلان بابًا للإصلاح الإسلامي إلا طرقاه، وقد بدأا بباب السياسة، فكتبا وخطبا،
ما شاء الله أن يكتبا ويخطبا، فلم تأت النتيجة كما طلبا ورغبا، ثم استقر رأيهما
على أن هذه الأمة بالدين وجدت وتكونت، وبالدين سادت وعزت، ومن قبِل الدين
(أي الإعراض عنه) أُخذت وابتُزَّت، ومن قِبله ضعفت وذلت، وبه يرجع إليها
مجدها. ومن أفقه يبزُغ كوكب سعدها، فأنشأ جريدة (العروة الوثقى) لدعوة
المسلمين إلى الوحدة الصحيحة، وأن يجعلوا إمامهم الأعظم القرآن الحكيم،
أرشدت هذه الجريدة العلماء إلى إماتة البدع وإحياء السنن، كما أرشدت الملوك
والأمراء، ولا سيما المختلفين في المذاهب (كأهل السنة والشيعة) إلى الاتحاد
والاتفاق، وأن لا يجعلوا الخلاف الفرعي في الدين من أسباب التفرق والانقسام الذي
يقضي على الجميع، نبهت وحذرت، وبشرت وأنذرت، بكلام أصاب مواقع
الوجدان، وبراهين ملكت قياد الجنان، فاهتز لها العالم الإسلامي هزة، لو طال
عليها العهد لزلزلت الأرض زلزالاً، ولنفر المسلمون إلى الاتحاد خفافًا وثقالاً.
قال الأستاذ المفتي محرر الجريدة: حدثني بعض أهل العلم من بغداد قال: كنا
نقرأ العدد من (العروة الوثقى) في مجلس السيد سلمان أفندي نقيب السادة
الأشراف، فيتفق رأينا على أنه لابد أن يظهر في العالم الإسلامي عمل كبير، قبل أن
يصدر العدد الذي بعد هذا، ونقل نحو هذا القول عن بعض فضلاء الغرب والشرق،
وسمع كاتب هذه السطور الأستاذ الشيخ حسين أفندي الجسر مؤلف (الرسالة
الحميدية) يقول ما مثاله: لو طال الأمد على جريدة (العروة الوثقى) لحدث في العالم
الإسلامي انقلاب مهم، ولهّب المسلمون من رقادهم، ونشطوا لاسترجاع مجد آبائهم
وأجدادهم، ولقد بلغ من تمام غرام نبهاء المسلمين بهذه الجريدة، أن حفظها
بعضهم عن ظهر قلب، وبعضهم يحفظ نسخها الأصلية، وبعضهم كتبها فلم يغادر منها
شيئًا، وهم يعيدون تلاوتها ويسترشدون بها آنًا بعد آن، يحفظها أكابر العلماء في
الشرق والغرب، وإنني وجدت كل ما فاتني من أعدادها عند فضيلة الأستاذ
الجسر فنسختها من عنده، وحدثني الفاضل صاحب جريدة (ثمرات الفنون) أنه
يحفظها في صندوق الحديد، حيث يحفظ أثمن ما يملك، وبالجملة كانت (العروة
الوثقى) قبسًا من نور القرآن، ونفخة من روحه، وجدولاً من ينبوعه، ظهرت
في ضوئها العلة والمعلول، وانتعشت بانتشاقها مشام العقول، ورويت من معين
نصائحها الأكباد، حتى رجي أن تكون (وهي العروة الوثقى) رابطة الاتحاد، وقد خافت الدولة الإنكليزية يومئذ مغبة الأمر، ولم تكن أقدامها استقرت في مصر
فحملت حكومة مصر على منعها من دخول البلاد المصرية، كما منعتها هي من البلاد الهندية. وكان هذان القطران أهم موارد إمدادها ومعاهد امتدادها، فبطلت -
وهيهات أن تنفصم عروة تعليمها وإرشادها.
ظهرت العروة الوثقى في جمادى الأولى سنة ١٣٠١ هـ، وكل ما صدر منها
١٨ عددًا، ثم مرت فترة من الزمن لم تذكر فيها الشؤون الإسلامية العامة في
الجرائد، إلا ما يجيء في عرض القول، أو يصيبها من رشاش أقلام غير أهلها من
الكتاب، مما لا يروي غليلاً، ولا يغني فتيلاً، حتى أنشأ نابغة الخطباء والكتاب
السيد عبد الله نديم المصري الشهير، مجلة (الأستاذ) في أوائل سنة ١٣١٠ هـ،
وكتب فيها المقالات الطنانة الرنانة في تنبيه المسلمين إلى الأخطار المحدقة بهم
وبسائر الشرقيين، وتنشيط هممهم لتلافيها، إلا أن بيئة النديم (حاله ومحله)
وزمنه وسياسته، اقتضت أن يكون أكثر خطابه عامًّا للشرقيين، وفي كليات الأمور
الاجتماعية، وأن لا ينحي باللوم على الرؤساء من الأمراء والحكام والعلماء
والمرشدين، فكانت فائدة كلامه في التنبيه المطلق، وفي جزئيات وطنية وأدبية،
وفروع دينية، وكان كلامه مؤثرًا فيما نقل إلىّ، فلو بقي لأحدث في مصر تأثيرًا
سياسيًّا أدبيًّا له شأن، ولكن أخرج النديم من مصر بدعوى أن جريدته تنفخ روح
التعصب الديني، وتنفث سموم الثورة، ولم يكن تم لها سنة، ولقد قرأت منها أعدادًا
في سوريا رأيته يحترس فيها كل الاحتراس من الوقوع في هاتين التهمتين، وإنما
ينفع الاحتراس بالنسبة للمؤاخذة القانونية دون المؤاخذة السياسية التي أخذ بها.
فتر بعد (الأستاذ) الكلام الذي يرمي إلى (الجامعة الإسلامية) حتى وفقنا الله
تعالى في العام الماضي لإنشاء (المنار) لإحياء تعاليم (العروة الوثقى) فوضعنا
قاعدته على أساسها، وأضأنا قمته بنبراسها، إلا ما كان فيها من السياسة التي تتعلق
بالمسألة المصرية، والتحريض على الإنكليز، فإن هذا أمر ذهب بذهاب وقته،
و (العروة الوثقى) نفسها صرحت مرارًا بأن تلك الفرصة إذا ذهبت لا تكاد تعود،
ويستقر قدم الإنكليز في مصر - وقد كان - ولكنها قالت في شأن النهضة
الإسلامية الاجتماعية المطلقة التي كانت تعمل لها ما نصه: (إن الرزايا الأخيرة
التي حلت بأهم مواقع الشرق جددت الروابط، وقاربت بين الأقطار المتباعدة
بحدودها، المتصلة بجامعة الاعتقاد بين ساكنيها، فأيقظت أفكار العقلاء، وحولت
أنظارهم لما سيكون من عاقبة أمرهم، مع ملاحظة العلل التي أدت بهم إلى ما هم
فيه، فتقاربوا في النظر، وتواصلوا في طلب الحق، وعمدوا إلى معالجة المرض
وعلل الضعف، راجين أن يسترجعوا بعض ما فقدوا من القوة، ومؤملين أن تمهد
لهم الحوادث سبيلاً حسنًا يسلكونه لوقاية الدين والشرف، وأن في الحاضر منها
لنهزة تغتنم، وإليها بسطوا أكفهم ولا يخالونها تفوتهم، ولئن فاتت فكم في الغيب
من مثلها؟ ! وإلى الله عاقبة الأمور) اهـ من مقدمة العدد الأول، ولا ريب أن
المسألة المصرية ليست في هذا العام كما كانت في سنة ١٣٠١ هـ (١٨٨٤م)
أما المسألة الإسلامية فهي هي، بل تقدمت إلى الأمام بالنسبة إلى ما كانت عليه
في ذلك العام.
قلنا: إن (المنار) وافق (العروة الوثقى) في تعاليمها الاجتماعية وقواعدها
التي وضعتها للوحدة الإسلامية، وخالفها في وجهتها السياسية المصرية، ونقول
أيضا: إنه زاد عليها بالبحث في جزئيات البدع، وتفصيل القول في التعاليم الفاسدة
والعقائد الزائغة، والتربية المفيدة، ونحو ذلك مما أرشدت إليه إجمالاً، ولم يتسع
معها الزمان لتفصيله، ولهذا يقول قرّاء (المنار) : إنه لم توجد قبله جريدة في
موضوعه، وقد اعترف لنا الكتاب المسلمون والمسيحيون، ومن هؤلاء أصحاب
(المقتطف) و (المقطم) وصاحب (الأهرام) وصاحب (الهلال) بأننا تصدينا
لخدمة نافعة، ولكن أصحاب (المقطم) كانوا يقولون لنا: إن في طريق هذه الخدمة
خطرًا عظيمًا، وهو مقاومة أوربا للمسلمين إذا هم حاولوا الترقي من وجهة الدين،
وقد كاشف برأيه هذا بعضُ أكابر علماء الإسلام العارفين بالسياسة منذ بضعة أشهر،
فراجعه العالمُ القول، وكتب يومئذ صورة المذاكرة في (الأهرام) واجتمع به
كاتب هذه السطور بعد ذلك، وكنت في صحبة الأستاذ صاحب (المؤيد) ففتح باب
المذاكرة في المسألة، وكان الكلام مشتركًا، ولم نتفق معه على نتيجة واحدة، أما
صاحب (الهلال) فإننا لم نر منه إلا استحسانًا وتحبيذًا، وإبانة عن اعتقاد أن هذه
الخطة لا أنفع منها للمسلمين، ومثله كتاب (دائرة المعارف) وغيرهما من أفاضل
المسيحيين المنصفين، وفي هذه السنة كثرت الكتابة في تنبيه المسلمين، فنشر
(المؤيد) كثيرًا من المقالات لكتاب من المسلمين في الشرق والغرب، ومنهم الفقير
منشئ هذه المجلة، وبعض تلك المقالات عُرِّب من جريدة (محمدان) الهندية،
وكتبت مجلة (الموسوعات) أيضًا عدة مقالات لكتاب متعددين، ورأينا في جريدة
(زمان) التركية التي تصدر في قبرص مقالات تحت عنوان (الاتحاد الإسلامي)
ولم نظفر بمن يعرّبها لنا، وسرى السر من الجرائد المصرية إلى جريدة (معلومات)
العربية في الآستانة العلية، وإلى جريدة (ثمرات الفنون) في بيروت، فَكُتِبَ فيهما
مقالات كثيرة في الموضوع، ولو سمحت لهما حكومة البلاد لتوسعا في الكتابة، ثم
أصاب الرشاش غيرهما من الجرائد الإسلامية في الديار السورية، أما الجرائد
الهندية فكثير ما كتبت، وقد ترجم بعضها كثيرًا من مقالات (المنار) ، وكذلك
جريدة (الحاضرة) التونسية.
والحاصل أن أكثر الجرائد الإسلامية قد خاضت في مسألة الاجتماع الإسلامي
من نحو سنة أو أكثر، ولم تكن تذكر قبل ذلك إلا نادرًا على ما علمت من صدر هذه
المقالة، وفي هذين الأسبوعين كتب فيها (الأهرام) بعنوان (الجامعة الإسلامية)
ثم كتب (المقطم) وناقشهما (المؤيد) فيما كتبا، هذا ملخص تاريخ الكلام في هذه
المسألة بحسب ما وصل إليه علمنا. وبلغنا أن رجلاً عظيمًا من فضلاء مسلمي
القريم في بلاد روسيا اسمه إسماعيل بك، قد أنشأ جريدة سمّاها (ترجمان) جعل
جُل مباحثها في الشؤون الإسلامية، وأنشأ مدرستين لتربية أبناء المسلمين،
وتعليمهم في تلك البلاد، ولم نقف على شيء من أعماله، ولكن رائحته العطرية
تدل على أن عمله عظيم.
أما الطرائق التي بحث فيها الكتاب فهي كثيرة، ولم تنجلِ للناس الطريقة
المثلى بقول أحد، إذ ما من قول إلا وله وجه يعتمد عليه قائله، وما من شبهة على
فساد رأي إلا ولصاحبها تكأة يستند عليها في تقويتها، والأمر في نفسه أكبر من كل
هؤلاء الكتاب، وكيف لا وهو ترقية أمة يبلغ عددها ثلاثمائة مليون من النفوس،
يتبوأُون كل قطر، وينطقون بكل لغة، وحكامهم من أنفسهم ضعفاء، ومن الأجانب
عنهم أقوياء، وأضعفهم هذا الفقير قد اشتغل بدراسة هذه المسألة بضع سنين، وهو
في كل يوم يزداد بها علمًا لم يكن عنده، ويزيح جهلاً كان يغشاه، إن لم يكن في
أصولها وقواعدها، ففي جزئياتها وشواردها، وما يقف عليه الإنسان في سنين، لا
يمكن أن يجليه لمن لم يقف عليه في مقالة أو عشر مقالات (مثلاً) بحيث يؤدي
إليه فكره ووجدانه تامّين بتلك المقالات، ولكن الميزان الذي يجب أن نزن به
الأقوال والآراء لنعلم النافع منها والغير النافع، هو أن ننظر فيما يعرض علينا،
فما كان منها مقومًا لفكر، ومصححًا لرأي أو اعتقاد، فهو نافع، وما كان منها
مرشدًا إلى عمل مفيد ممكن، فهو نافع، وما عدا هذين النوعين، فهو إما خيالات
وأوهام، وإما غش وتغرير، وأقل ضرر فيه أنه حجاب على وجه الحقيقة، وتعليل
للآمال بما لا ينال، وإزاغة للقلوب عن صراط الحق، ومن انحرف عن الصراط
المستقيم فهو يزداد بعدًا عن الغاية كلما جد في السير، وأي خذلان أكبر من كون
سعي المرء واجتهاده مبعدًا له عن غايته ومراده، لا يعرف الحق بقائله وكونه
صديقًا أو عدوًّا، ولا بكونه يستلزم تعظيم كبير ومرضاته، أو عدم ذلك، وإنما
يعرف الحق بذاته، فمن رعى هذا حق رعايته، رجي له التمييز بين الحق والباطل،
والتزييل بين النافع والضار، فاحفظ هذا الميزان، وانظر ما يرجح فيه مما سيُلقي
عليك من الآراء والأقوال.
(الأهرام) و (المقطم) تتفقان على أن الدعوة إلى (الجامعة الإسلامية) باسم
الدين، مُضرة وغير موصلة إلى الغاية، وأنه لا سبيل إلى ترقي الأمة الإسلامية إلا
باتباع خطوات أوروبا كما فعلت اليابان، و (المؤيد) رد عليهما قولهما الأول، ولم يبد
رأيًا جديدًا، إلا أنه وافق على أن مسلك الكتَّاب المسلمين في الدعوة الدينية مفيد،
كما أن الأخذ بالفنون والصنائع الأوروبية مفيد مع ذلك، وذكر في كلامه عن
(الجامعة الإسلامية) مقالة لبعض أفاضل كتاب الهند نقلت في (المؤيد) من نحو شهر،
وذكر أنه موافق على كل ما جاء فيها، وخصص بالذكر اقتراح عقد مؤتمر
إسلامي في دار الخلافة العظمى، وقال: إن (المؤيد) كان قد سبق إلى اقتراح هذا
المؤتمر منذ أربع سنين، ومن الآراء التي تناقلتها الكتاب فكانت مسلمة عند أولي
الألباب: تعميم التربية والتعليم - إنشاء الجمعيات والشركات والمنتديات العلمية
والأدبية - تكثير الجرائد باللغات التي ينطق بها المسلمون - اتحاد الحكومات
الإسلامية - العناية بأمر القوة الحربية - تعليم النساء بخصوصهن.
ومهما تخالفوا وتناقشوا، فلكلٍّ وجه، وقد جمعنا بين الأقوال في مقالة نشرت في
(المؤيد) حديثًا، ولكن قد ظهر في (المقطم) قول جديد في مقالة نسبت إلى
(مسلم حر الأفكار) لم يتابع به قائله مسلمًا، ولن يتابعه عليه مسلم؛ لأنه ناسفٌ
لبناء الدين الإسلامي، ومقوض لعمود بنائه، وهو زعم أن الدين والدولة أمران
متبائنان يجب أن ينفصل أحدهما عن الآخر.
ولقد وجد للإسلام أعداء اجتهدوا في كل عصر بمحوه أو إضعافه، منهم من
حاول إفساد العقائد بالتأويل، ومنهم من وضع الأحاديث الكاذبة، ومنهم من سهل
للملوك طريق الاستبداد، ومنهم ومنهم، ولكن مجموع مفاسدهم ومضراتهم لن تبلغ
بعض ما يرمي إليه هذا القول الخبيث الذي لم يخطر في بال إبليس، فهو أبلغ
قول يشير إلى أحكم رأي لمحو السلطة الإسلامية من لوح الوجود، قاتل الله قائله
ولا كثر فيمن يدَّعون الإسلام من أمثاله، وكفى بمقالتنا التي صدرنا بها العدد ردًّا
عليه، ولدينا مزيد.
هذا فإذا وزنت سائر الآراء بالميزان الذي وضعناه آنفًا، يظهر الراجح
والمرجوح من سائر الأقوال.
يظهر لك من تلك الآراء ما لا يقوّم رأيًا واعتقادًا، ولا يرشد إلى عمل نافع
يرجى القيام به، وذلك كعقد مؤتمر في الآستانة العلية، على أن (المنار) كان قد
اقترح في مقالات (الإصلاح الديني) التي نشرت في أوائل شعبان من السنة
الماضية تأليف جمعية إسلامية تحت حماية الخليفة يكون مقرها في مكة المكرمة،
ولها شعب في سائر البلاد الإسلامية، وجريدة مخصوصة، أو جرائد، وبينا هناك
وجوه ترجيح مكة على الآستانة، كما بينا أصول وظائف الجمعية وأعمالها ونتائجها،
أما الأصول فهي التوحيد في العقائد، والتعاليم الأدبية التهذيبية، والأحكام
القضائية والمدنية، واللغة، وأما الأعمال، فأهمها تلافي البدع والتعاليم الفاسدة،
وإصلاح الخطابة، والدعوة إلى الدين، وأما نتائجها، فأهمها اتحاد الحكومات
الإسلامية، وكل قول فصلناه تفصيلاً.
وإذا ارتقينا في الأسباب، وسبرنا أعماق الأقوال والآراء، ننتهي إلى القول
بأن سبب النهضة الذي يجمع الأسباب كلها، هو تعميم التربية العملية والتعليم
الصحيح من الوجهة الدينية الجامعة لمصالح المعاش والمعاد، وهو ما صرحنا به
في فاتحة العدد الأول من (المنار) وأقمنا عليه البرهان في العدد الثاني، وجرينا
في سائر الأعداد إلى الآن على تفصيل إجماله، وبيان إبهامه (خلافًا لما قاله
مصباح الشرق) وأكبر عقبة أمامنا في هذا الطريق هي ندرة الرجال القادرين
على التعليم الذي نريده والتربية التي نبتغيها، ومع ندرتهم لا تعرف الأمة قيمتهم،
ولا تنيط بهم ما خلقوا لأجله، فالجامعة الإسلامية والاتحاد الإسلامي، وكل ما
يرجوه الإسلام، متوقف على وجود الرجال العارفين بحاجة الأمة، وإناطة الأعمال
بهم، فنسأل الله تعالى أن يكثر فينا من أمثالهم، وينفع أمتنا بعلومهم وأعمالهم.