إذا خذل الله أمة من الأمم فإنها تختار الضار وتنبذ النافع، وتأخذ بالشر وتدع الخير، وتستبدل الرذائل بالفضائل والسعادة بالشقاء، وتترك لُباب الدين، وتَتَلَهَّى بالقشور، ويحسن لها علماؤها القبيح بالتأويل، ويكون هديهم عين التضليل. لا تحضر في هذا الشهر جمعة في مسجد إلا وتسمع فيها الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، حتى منبر الأزهر، والعلماء ناكسو رءوسهم لا ينكرون على خطيب، وإنما يقرون الخطباء إقرارًا، وقد اتفق علماء الحديث على أن كل ما روي في صيام رجب موضوع أو واهٍ لا أصل له، ولنذكر بعض الأحاديث الموضوعة في رجب وصومه للتحذير منها فنقول: قال المحدثون: (حديث) : رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، فمن صام في رجب يومين فله من الأجر ضعفان، وزن كل ضعف مثل جبال الدنيا ... إلخ موضوع، وفي إسناده أبو بكر بن الحسن النقاش وهو متهم، والكسائي مجهول، و (حديث) : من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر، ومن صام سبعة أيام من رجب أغلق عنه سبعة أبواب من النار، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتح الله له ثمانية أبواب من الجنة، ومن صام نصف رجب حاسبه الله حسابًا يسيرًا موضوع، في إحدى رواياته عمر بن الأزهر وضَّاع، وفي الأخرى ابن علوان وهو وضّاع أيضًا، وراويه أبان متروك. و (حديث) : إن شهر رجب شهر عظيم، من صام يومًا منه كتب له صوم ألف سنة ... إلخ موضوع، في إسناده هرون بن عنترة يروي المناكير، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، و (حديث) : من أحيا ليلة من رجب وصام يومًا أطعمه الله ثمار الجنة ... إلخ موضوع، آفته حصن بن مخارق، وفي رواية بمعنى هذه ... بعثه الله آمنًا يوم القيامة، وكذا (حديث) : رجب شهر الله الأصم الذي أفرده الله تعالى لنفسه، فمن صام يومًا منه إيمانًا واحتسابًا استوجب رضوان الله الأكبر ... إلخ وفي إسناده متروكان، و (حديث) : خطب النبي صلى الله عليه وسلم قبل رجب بجمعة، فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، رجب شهر الله الأصم تضاعف فيه الحسنات، وتستجاب الدعوات، وتفرج الكربات وهو حديث منكر بمرة، وكان بعض العلماء ينهى عن صوم رجب. وأقبح من هذه الأكاذيب أكذوبة (صلاة الرغائب) ويروون لها حديثًا طويلاً في فضائل رجب، ومنها أن مَن يصوم أول خميس من رجب، ثم يصلي بين المغرب والعشاء (من ليلة الجمعة) اثنتي عشر ركعة بكيفية مخصوصة استجيب دعاؤه وغفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل، ووزن الجبال وورق الأشجار، ويشفع في سبعمائة من أهل بيته ممن استوجب النار (سبحانك هذا بهتان عظيم) ، وقد أقر السيوطي ابن الجوزي على وضعه، وقال الإمام النووي صلاة رجب وشعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان، وعبارة شرح الأحياء عنه (بدعتان موضوعتان منكرتان قبيحتان، ولا تغتر بذكرهما في كتاب القوت والأحياء، وليس لأحد أن شرعيتهما بقوله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير موضوع؛ فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه، وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة) . اهـ ومع هذا لا يزال الناس في كثير من البلاد الإسلامية يحفلون بأول ليلة جمعة من رجب يقومون ليلها ويصومون الخميس قبلها، ويتصدقون فيها الصدقات التي كلها مفاسد ومنكرات، ذلك أن أهل مصر يذهبون نساءً ورجالاً وأطفالاً إلى المقابر، فيبيتون في القصور المبنية عليها، يأكلون ويشربون ويلهون ويلعبون، والله يعلم ما يسرون وما يعلنون.