كتب إلينا بعض القراء وكلمنا بعضهم في إنكار ما كتبه الدكتور محمد توفيق أفندي صدقي في مقالات (الدين في نظر العقل) عن خلق آدم ومذهب دارون. وأنكر بعضهم سكوتنا له على ما كتب فنجيبهم: (أولاً) بأنه ليس من شأن أصحاب الصحف أن يقرنوا رأيهم بكل ما ينشرونه لغيرهم، و (ثانيًا) إن الكاتب قد ذكر ما ذكره في المسألة على تقدير ثبوت مذهب دارون ثبوتًا قطعيًّا، وهو غير ثابت عنده الآن؛ فهو يقول: إن مذهب دارون في المسألة ظني لا يقيني، وهو إن ثبت بالبرهان اليقيني فإنه لا ينقض القرآن، بل يمكن أن يؤخذ من القرآن ما يوافقه. واعلم أن ما ورد في القرآن من خلق آدم من تراب ومن طين قد ورد نظيره في خلق الناس كلهم، قال تعالى في سورة الأنعام: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِين} (الأنعام: ٢) وقال في سورة الصافات: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} (الصافات: ١١) فهل هذه الآيات نصوص قاطعة على أن المخاطبين بها خلقوا من الطين مباشرة؟ وإذا جاز تأويلها جاز تأويل ما ورد في آدم وذلك بمثل قوله تعالى في سورة المؤمنين {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ} (المؤمنون: ١٢) ومعلوم أن مادة النسل من الطعام وأصله مواد الأرض النباتية. وما ورد في خلق الناس من نفس واحدة ليس نصًّا قطعيًّا في أن المراد بالناس جميع البشر؛ إذ لو كان ذلك نصًّا لما قالوا في تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف: ١٨٩) وهو أن الخطاب لقريش والمراد بالنفس الواحدة أبوهم قصيّ، وذلك أن الله تعالى أخبر عن هذه النفس الواحدة وعن زوجها أنهما جعلا له شركاء، وآدم لم يكن مشركًا. وقد سبق لنا بيان آخر لمعنى الآية، والمراد هنا أن اختلاف المفسرين في معنى الآية دليل على أنها ليست نصًّا قطعيًّا في أن النفس الواحدة آدم. وليت شعري ماذا يضر المسلمين بيان المخرج من اعتراض الكفار على القرآن، فمن لم يعجبه هذا الجواب فليأت بأحسن منه وليعتقد غير هذا وذاك، فإنما غرضنا بيان أن كلام الله تعالى حق لا سبيل إلى نقضه بحال.