جاءتنا رسالة من صديقنا العالم الفاضل الشيخ محمد أفندي رحيم الطرابلسي سماها: (اكتشاف مسألة جديدة من الجغرافيا الرياضية، أي علم هيئة الأرض) يدعي فيها: (أنه لا بد وأن يوجد على وجه الكرة الأرضية نقطة معينة يكون اليوم في الأماكن التي في جهتها الغربية غير اليوم في الأماكن التي في جهتها الشرقية في أكثر الدورة اليومية، بل يكون ذلك في المكانين الملاصقين لها من جهتيها دائماً تقريبًا، وكلما بعدت الأمكنة التي في جهتين من تلك النقطة عن بعضها قل مقدار ما بينها من الاختلاف، فلو كان في المكان الملاصق لتلك النقطة من جهة الغرب زوال يوم الإثنين، يكون في المكان الملاصق لها من جهة الشرق مضي لحظة لطيفة من زوال يوم الأحد، وفي المكان الذي يبعد عنها درجة نحو الشرق مضي أربع دقائق من زوال يوم الأحد، وفيما يبعد (١٥ْ) نحو الشرق مضي ساعة من زوال يوم الأحد وهكذا، وحينما يكون في المكان الذي يبعد عن تلك النقطة (١٥ْ) نحو الغرب زوال يوم الإثنين يكون في المكان الملاصق لتلك النقطة من جهة الشرق مضي ساعة واحدة من زوال يوم الأحد، وفيما يبعد عنها (١٥ْ) نحو الشرق مضي ساعتين من زوال يوم الأحد وهكذا) . ثم بيّن علة وقوع هذا الاختلاف على وجه الأرض والناحية المرجح وجود ذلك الاختلاف فيها، وأقام على دعواه أدلة أوضحها بأشكال هندسية في غاية الضبط والإتقان. ومعلوم أن الذين طوّقوا الأرض بالسياحة كانوا عندما يرجعون إلى المكان الذي ابتدأوا منه سيرهم يظهر لهم اختلاف بيوم عن حسابهم الذي جروا عليه بالاستصحاب من أول سياحتهم. وقد يتوهم من لم يقرأ الرسالة بإمعان أن هذا عين ما يدّعيه مؤلفها المكتشف، وليس كذلك، بل هو يدَّعي أن الاختلاف واقع فعلاً بين موقعين من الأرض معينين بذاتهما، وإن كانا غير معروفين له جزمًا، وأن سكان هذين الموقعين (إن كان فيها سكان) حاصل عندهما الاختلاف المذكور باعتبار البعد الذي حرره. وقد طلب في مقدمة رسالته وخاتمتها من علماء الهيئة أحد شيئين: إما بيان محل الاختلاف الذي يدعيه إن كان مصيبًا، أو الرد عليه إن كان مخطئا، وقد اطلع عليه الدكتور روبرت وست أستاذ مرصد المدرسة الكلية الأميركانية في بيروت وهو الذي انتهت إليه رئاسة هذا الفن في بلاد سوريا فكتب لمؤلفها كتابًا يقول فيه بعد رسوم المخاطبة: (اطلعت وفقًا لإشارتكم على رسالتكم الموسومة باكتشاف مسألة جديدة من الجغرافيا الرياضية، أي علم هيئة الأرض، فلم أجد غب ترجمتها لي ما يعترض به عليها فإن مبدأها الأساسي وما ذكرتموه من وجود الاختلاف على سطح الأرض صحيح لا يشك فيه وفقًا للمعروف المقرر من الحقائق الفلكية، وكذلك الأشكال التوضيحية التي أثبتموها فإنها في غاية الضبط، وفقًا لما أردتم إيضاحه ... ) اهـ. وليس هذا كل ما يريده المصنف، بل هو يريد تعيين محل الاختلاف. وحيث كان لهذا التعيين فوائد كثيرة من أهمها: اتفاق سكان الأرض كلهم على تعيين نقطة واحدة مبدأ للطول ومبدأ لنصف النهار، نستلفت أنظار علماء هذا الفن المدققين للوقوف على تلك الرسالة، وإعطائها حقها من النظر وإجابة طلب مصنفها الفاضل، إما التعيين والبيان، وإما التخطئة بالبرهان، والرسالة تطلب من إدارة جريدة المنار في مصر القاهرة، ومن حضرة مؤلفها في طرابلس الشام.