في فسخ نكاح المعسر ما قولكم في امرأة فقيرة غاب عنها زوجها من مدة سنين وترك عندها ولدًا ولم يترك لها شيئًا لنفقتها ونفقة ولده، ولم يرسل لهما سوى شيء يسير لا يقوم بنفقة الولد وكتبت له عدة كتب طلبت منه النفقة الكاملة لها ولولدها أو الطلاق فتعنت ولم يجب عليها! ! ثُم التمست من شيخه شيخ الجاوى فكتب له ولم يجب. فهل لها طلب فسخ النكاح عند الحاكم الشافعي أم لا؟ وهل لو رفعت أمرها إليه وتحقق وثبت عنده جميع ما ادّعته المرأة بالبينة الكاملة وفسخ نكاحها يكون فسخه واقعًا موقعه ولها بعد تمام العدة من الفسخ المذكور التزوج أم لا؟ أفتونا مأجورين. (جواب مفتي الشافعية بمكة المكرمة) باسمه سبحانه وتعالى أبتدئ الجواب، وأستمد منه تعالى العون والهداية للصواب. في الحقيقة يقع كثيرًا من بعض الرجال الظلم والتعدي والإيذاء في حق النساء البائسات، وذلك حرام وفاعله آثم مخالف لِمَا أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في حقهن، ومن ذلك التزوج بهن ثم السفر وتركهن بلا نفقة ولا منفق، فجزى الله إمامنا الشافعي - رضي الله عنه - خيرًا، حيث سوّغ لهن فسخ النكاح عند تضررهن، ويسوغ للحاكم متى رفعن أمرهن إليه أن يفسخ نكاحهن، ثم بعد تمام العدة يتزوجن بمن شئن، وكذلك إمام دار الهجرة الإمام مالك رضي الله عنه. فالمرأة المسئول عنها متى رفعت أمرها إلى الحاكم وثبت لديه تضررها ودعواها فله حينئذٍ فسخ نكاحها من الزوج المذكور، وفسخه سائغ وواقع موقعه، ولها بعد تمام عدة الفسخ المذكور التزوج بمَن يقوم بشأنها. قال في الأسنى متنًا وشرحًا: واختار القاضي الطبري وابن الصباغ وغيرهما جواز الفسخ لها إذا تعذر تحصيلها للنفقة في غيبته للضرورة، وقال الروياني وابن أخته صاحب العدة: إن المصلحة الفتوى به، وقال في فتح المعين: واختار جمع كثيرون من محققي المتأخرين في غائب تعذر تحصيل النفقة منه - الفسخ، وقوّاه ابن الصلاح. وقال في فتاويه: إذا تعذرت النفقة لعدم مال حاضر مع عدم إمكانها أخذها منه حيث هو بكتاب حكمي وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف ولكن تعذرت مطالبته، عرف حاله في اليسار والإعسار أم لم يعرف فلها الفسخ بالحاكم، والإفتاء بالفسخ هو الصحيح. اهـ. ونقل شيخنا كلامه في الشرح الكبير، وقال في آخره: وأفتى بما قاله جمع من متأخري اليمن. وقال المحقق الطمبداوي في فتاويه: والذي نختاره تبعًا للأئمة المحققين أنه إن لم يكن له مال كما سبق لها الفسخ وأنه كان ظاهر المذهب خلافه لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: ٧٨) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) ولأن مدار الفسخ على الإضرار؛ ولا شك أن الضرر موجود فيها إذا لم يمكن الحصول إلى النفقة منه وإن كان موسرًا؛ إذ سر الفسخ هو تضرر المرأة وهو موجود - لا سيّما مع إعسارها - فيكون تعذر وصولها إلى النفقة حكمه حكم الإعسار. اهـ. وقال السيد عبد الله بن عمر الحضرمي: إنه يجوز فسخ النكاح من زوجها حضر أوغاب بتسعة شروط ... ، إلى أن قال: ولو غاب الزوج وجهل يساره وإعساره بانقطاع خبره ولم يكن له مال بمرحلتين فلها الفسخ بشرطه، كما جزم به في النهاية وزكريا والمزجد والسمباطي وابن زياد وابن قاسم والكروي وكثيرون. وقال ابن حجر في التحفة: والفسخ وهو متجه مدركًا لا نقلاً. اهـ. بل اختار كثيرون وأفتى به ابن عجيل وابن الصباغ والروياني: أنه لو تعذر تحصيل النفقة من الزوج في ثلاثة أيام جاز لها الفسخ حضر الزوج أم غاب، وقوّاه ابن الصلاح ورجّحه ابن زياد والطمبداوي والمزجد وصاحب المهذب والكافي وغيرهم فيما إذا غاب وتعسّرت النفقة منه ولو بنحو شكاية. قال ابن قاسم: وهذا أولى من غيبة ماله وحده والمجوز للفسخ. أما الفسخ بضررها بطول الغيبة وشهوة الوقاع فلا يجوز اتفاقًا وإن خافت الزنا. والله سبحانه وتعالى أعلم. أمر برقمه مفتي الشافعية بمكة المحمية الراجي غفران المساوي: عبد الله بن السيد محمد صالح الزواوي كان الله لهما آمين. ... ... ... ... ... ... ... الختم صورة ما كتبه بعض كبار علماء الشافعية بالأزهر على هذه الفتوى الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أفاد العلامة السيد مصطفى الذهبي في المسائل الفقهية أن أصل مذهب الإمام الشافعي أنه لا فسخ ما دام الزوج موسرًا، أي لم يعلم إعساره وإن انقطع خبره وتعذّر استيفاء النفقة منه، وإن الذي جرى عليه ابن الصلاح وشيخ الإسلام وكثير من المحققين أنه إذا تعذر استيفاء النفقة من كل الوجوه لانقطاع خبره أو تعززه أي تواريه بحيث لا يتمكن الحاكم من جبره، ولم يوجد لكل منهما مال فسخت الزوجة بالحاكم، قالوا: لأن سر الفسخ بالإعسار هو التضرر، والتضرر موجود هنا ولو مع اليسار، فلا نظر لعدم تحقق الإعسار، وظاهر أنه لا إمهال هنا لأن سبب الفسخ - كما علمت - هو محض التضرر من غير نظر لليسار والإعسار. انتهى. وإن أردت بسطًا في المقام فراجع المسائل المذكورة صحيفة ٦٧و ٦٨، والله أعلم. كتبه ... ... ... ... كتبه ... ... ... ... كتبه محمد النجدي سليمان العبد بالأزهر الشريف محمد إبراهيم القاياتي الشافعي (المنار) إن ما علل به أولئك الفقهاء جواز الفسخ صحيح وإن رفع الحرج ونفي الضرر والضرار قطعي في الشريعة. ومِن أشد الضرر والحرج والعنت عدم القيام بحق الزوجية الثابت بحديث: (وإن لزوجك عليك حقًّا) المتفق عليه، فلا عبرة بقول من قال: إنه لا يفسخ به وإن خافت الزنا على نفسها؛ لأنه مخالف لأدلة الشرع القطعية. وقد سبق لنا في المنار بيان فتوى المشيخة الإسلامية في الآستانة بالفسخ على الغائب والمعسر، وصدور الإرادة السنية بذلك.