للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد توفيق صدقي


مدرسة دار الدعوة والإرشاد
دروس سنن الكائنات
محاضرات علمية طبية إسلامية للدكتور محمد توفيق صدقي
(٣)

(الهواء)
يُفْهَم - مما تقدم في الكلام على المطر - أن الهواء يشتمل دائمًا على بخار
الماء (الرطوبة) وهذا البخار يقل أو يكثر بحسب درجة حرارة الهواء، فإذا كان
الهواء ساخنًا كان أكثر رطوبة من الهواء البارد.
وأهم ما يوجد فيه من الأجسام الأخرى فهو: -
النيتروجين ... ٧٩.٠٢
الأكسيجين ... ... ٠.٩٤ ... ... في المائة تقريبًا وذلك بالحجم لا بالوزن
غاز ثاني أكسيد الفحم ٠.٠٤
وهي مختلط بعضها ببعض وليست متحدة اتحادًا كيماويًّا كما سبق، وفي
الهواء غير ذلك آثار من عناصر أخرى ومركبات لا حاجة هنا لتفصيلها.
أما أنواع الهواء بحسب الأمكنة فهي ما يأتي:
١ - هواء البحار- وهو يشتمل على كثير من بخار الماء النقي، ومن
أكسجين كثيف يسمى (الأوزون) [١] وهو عبارة عن أكسجين خاثر (مُركز)
تشمل كل ذرة منه ثلاث جواهر فردة من الأكسجين، وهواء البحار البعيد عن البر
خالٍ من الميكروبات تقريبًا، ومن العفونات والروائح الكريهة، ويكون في الشتاء
دافئًا، وفي الصيف باردًا، وذلك لأن الماء يبرد ببطء، ولا يسخن بسرعة، فيبقى
أشد سخونة أو برودة من الأشياء المحيطة به فَيُعَدِّل درجة حرارة الجو.
فهواء البحار من أنفع الأهوية للصحة، ومفيد لكثير من الأمراض، ولو أنه
يشتمل على رطوبة كثيرة فإن ذلك لا يضر فيها.
٢- هواء الصحاري - ورطوبته أقل كثيرًا، وهو أيضًا خالٍ من الميكروبات
تقريبًا، ومن العفونات وغيرها، وأكسجينه يوجد فيه أيضًا النوع المسمى (أوزون)
كهواء البحار، وأما درجة حرارته فهي عالية في الصيف منخفضة في الشتاء،
وهو أيضًا نافع للصحة، ومفيد لبعض الأمراض الأخرى.
٣- هواء المدن - وهو يشتمل على كثير من الميكروبات [٢] ، والغازات
الضارة، والعفونات، وغيرها مما يخرج مع نَفَس الحيوان، ومما يتصاعد من
النيران وغيرها، ويشتمل أيضًا على رطوبة كثيرة؛ ولكنها ليست نقية، بل
مختلطة بكثير مما يتبخر من سطح الأرض من القاذورات، والروائح الكريهة
المنبعثة من المراحيض ونحوها، أو من المياه الراكدة الآسنة، ولذلك كان هواء
المدن من أفسد الأهوية، وأضرها بصحة الإنسان.
٤- هواء الحدائق والغيطان (الحقول ونحوها) وهو من جهة الرطوبة بين هواء الصحاري، وهواء البحار، وميكروباته قليلة جدًّا، وفي النهار يقل منه
غاز ثاني أوكسيد الفحم؛ بسبب تنفس الأشجار فهي تستنشق منه غاز الفحم
الضار وتترك الأكسجين للإنسان والحيوان. وفي الليل يكون هذا الهواء فاسدًا؛
لأن الأشجار والنباتات تتنفس فيه تنفس الحيوان فإن لم يكن المكان طلقًا أضر
هذا الهواء الإنسان ضررًا كبيرًا، وإذا لم يتجدد الهواء ربما يقتله.
***
الانتشار والتخلل أو (الاختراق)
عُلِمَ - مما تقدم - أن ذرات المادة تحت مؤثرين عظيمين: الأول قوة
الانضمام، والثاني قوة الاندفاع، وهي المُعَبَّر عنها فيما سبق بالحرارة الكامنة.
فإذا زادت قوة الانضمام عن قوة الاندفاع كان الجسم صلبًا، وإذا تساوت
القوتان كان سائلاً، وإذا زادت قوة الاندفاع عن قوة الانضمام كان غازًا.
ففي الغازات تميل ذراتها إلى الانتشار في جميع الجهات بقوة الحرارة الكامنة
فيها، وهذا هو المسمى في علم الطبيعة بالانتشار، وتلك القوة تُحْدِث ضغطًا على
الأجسام المحيطة بالغاز، فهي أيضًا من أسباب الضغط الجوي الذي تقدم ذكره
(راجع صفحة ٧ من هذا الكتاب) [٣] .
وكلما كان الغاز خفيفًا كانت قوة الانتشار فيه أشد، فالهيدروجين - وهو أخف
من الأكسجين - ينتشر بسرعة أكثر من الأكسجين.
وإذا وجد في طريق الغاز المنتشر غشاء ما مما له مسام نفذ الغاز من خلاله
وقوة النفوذ هذه تسمى قوة التخلل، أو الاختراق، وتسميها الإفرنج Osmosis،
وكما أن الغازات تخترق بعض الأغشية كذلك من الأجسام الصلبة ما يخترقها أيضًا
إذا كان ذائبًا، والأجسام بالنسبة إلى قوة الاختراق نوعان:
(الأول) أجسام تتشكل بشكل البلورات كالأملاح وهي سهلة النفاذ (الثاني)
أجسام لا تتشكل كالمواد الزلالية، والغروية، والصمغية، وهي يتعسر نفاذها، أو
يتعذر.
فالأجسام الأولى إذا كانت ذائبة في سائل مع الأجسام الأخرى نفذت خلال
الأغشية وحدها دون الأجسام الأخرى، وبذلك يمكن فصل هذه عن تلك.
وأظهر فوائد سنة الانتشار والتخلل الخمس الآتية:
(١) أنه بسبب قوة الانتشار يدرك الإنسان جميع المشمومات.
(٢) التنفس لجميع الحيوانات البرية، والبحرية، فالأكسجين المنتشر في
الهواء والذائب في الماء يندفع بهذه القوة إلى مجاري التنفس (الرئة) في
الحيوانات البرية وإلى خياشيم الحيوانات البحرية؛ فيثقب أغشيتها حتى يصل إلى
الدم؛ فيتحد به وكذلك الغاز الذي في الدم المسمى (ثاني أكسيد الفحم) يتركه،
ويندفع إلى الخارج خلال أغشية الأعضاء التنفسية.
والسبب في اتجاه الأكسجين إلى الداخل هو كون ما يوجد منه في الهواء أكثر
مما يوجد منه في الدم، - والغازات تميل في انتشارها إلى الموازنة والمساواة،
كما تميل السوائل الموجودة في مستويات مختلفة إلى الموازنة أيضًا كما سبق.
وكذلك اتجاه ثاني أكسيد الفحم إلى الخارج يكون لهذا السبب بعينه. ويسمى
الاندفاع إلى الخارج Exosmose، ويسمى الاندفاع إلى الداخل
Endosmose.
(٣) امتصاص الأغذية من القناة الهضمية في الحيوان، وامتصاصها من
جدر الرحم بالأجنة الحيوانية يحصل أيضًا بقوة التخلل، مع مساعدة الخلايا البشرية
المبطنة للأغشية، ولذلك تمتص الأملاح مع المواد الزلالية في مثل الجنين بسبب
فعل هذه الخلايا، ولولا ذلك لَتعسر نفاذ غير الأملاح أو تعذر.
(٤) تجدد الهواء وذلك أنه إذا قل الأكسجين في حجرة اندفع أكسجين
الهواء الخارجي إلى هذه الحجرة من جميع المنافذ الممكنة حتى لا يخلو الهواء
الداخلي من الأكسجين، وإلا لماتت الحيوانات فيه , ولانطفأت المصابيح.
(٥) فصل بعض المواد الكيماوية عن بعضها في المعامل يكون أحيانًا
بطريقة التخلل.
***
مأخذ أسماء أشهر العناصر المذكورة آنفًا ومعانيها
(١) النيتروجين: لفظ يوناني مركب من كلمتين معناهما (مُوَلِّد النيتر)
لأنه يدخل في تركيبه، والنيتر (Nitre) اسم لنترات البوتاسيوم، وهي ملح
البارود المسَمَّى أيضا (الملح الصخري) (Saltpetre) ، وكان النيتروجين يُسمى
قديمًا (أزوت) ، وهي يونانية أيضًا معناها " عديم الحياة " لأن الحيوانات لا تعيش
فيه.
(٢) الأكسجين: لفظ يوناني مركب من كلمتين معناهما (مُوَلِّد الحامض)
لأنهم كانوا يظنون أنه هو السبب الوحيد في الحموضة، أو أنه داخل في تركيب
جميع الحوامض؛ ولكنهم علموا بعد ذلك خطأهم، وبقي الاسم بدون تغيير إلى الآن.
(٣) الهيدروجين: لفظ يوناني أيضا مركب من كلمتين معناهما (مُوَلِّد
الماء) لأن كل ذرة من الماء مركبة من جوهرين فردين من الهيدروجين متحدين مع
جوهر واحد من الأكسجين، وبعبارة أخرى حجمان من الأول مع حجم واحد من
الثاني.
***
الكهرباء
الكهرباء إحدى قوى المادة العظيمة، وهي عبارة عن حركة مخصوصة في
ذراتها، وكان أول الاهتداء إليها في حجر الكهرمان (ويسمى أيضًا الكهرباء)
فبدلكه تتولد هذه القوة فيه؛ فيجتذب إليه بعض الأجسام، ولذلك سُميت باسمه،
وأول من شاهد ذلك فيلسوف يوناني يسمى ثيلس (Thales) سنة ٦٠٠ ق. م.
وهي تتولد بطرائق عديدة أهمها أربع:
(١) الاحتكاك: فإذا دُلِك الزجاج بالحرير تَوَلَّدَ فيه كهرباء من النوع
المسمى (بالكهربائية الزجاجية) ، وإذا دُلِك الراتينج (وهو يتولد من الزيوت
الطيارة بالتأكسد ويشبه الصمغ) بقماش الصوف المسمى (فلانلا) تولدت فيه قوة
كهربائية من نوع آخر تُسَمَّى بالكهربائية الراتينجية.
(٢) التفاعل الكيماوي: فإذا وُضِعَ عمود من الزنك (الخارصين) ،
وعمود آخر من النحاس في حامض الكبريتيك المخفف، ووُصِّل بينهما بسلك
حصل التفاعل الكيماوي بين الحامض وبين الزنك، وتولدت قوة كهربائية تسري
من النحاس إلى السلك، ومنه إلى الزنك، ومنه إلى الحامض، حتى تعود إلى
النحاس ثانية، فكأنها تجري في دائرة كاملة، ويُسَمَّى مجموع ذلك بالخلية
الكهربائية.
واجتماع عدة خلايا كهذه بحيث يتصل بعضها ببعض، ويتكون منها دائرة
تجري فيها الكهرباء تسمى بالبطارية الكهربائية.
وكلمة بطارية مشتقة من كلمة (Battre) الفرنساوية ومعناها الضرب أو
القرع، وعليه فيمكننا تسمية البطارية بالعربية (القارعة) ، ويشترط في كل
الخلايا أن يوجد فيها عمود لا ينفعل بالحامض، وعمود آخر ينفعل به. فمن
الأشياء التي لا تنفعل بالحامض النحاس - كما قلنا - والفحم والبلاتين (الذهب
الأبيض) والجسم المتفاعل المعتاد هو الزنك.
وجميع الأجسام تشتمل على نوعين من الكهرباء ممتزجين معًا وهما:
الزجاجية والراتينجية، ويسميان أيضًا الموجبة والسالبة، فإذا اختلف النوعان اتحدا،
وإذا اتحدا اختلفا وتنافرا، ففي كل خلية يتولد كهرباء سالب في أعلى الزنك
وموجب في أسفله، وفي النحاس يتولد موجب في أعلاه وسالب في أسفله فيتحد
موجب النحاس مع سالب الزنك في السلك خارج الخلية، ويتحد موجب الزنك مع
سالب النحاس داخل الحامض. ولكن للتسهيل اصطلح العلماء على أن يقولوا إن
التيار الكهربائي يسري من العمود غير المنفعل إلى العمود المنفعل، ويسمى الأول
عندهم بالقطب الموجب، والثاني بالقطب السالب.
(٣) التأثير: ومن ذلك أنه إذا وُضِعَ قطب موجب بجوار جسم متعادل
(أي فيه النوعان ممتزجان كجميع الأجسام) انفصل السالب، واتحد مع القطب
الموجب، وتولدت شرارة كهربائية من اتحاد النوعين، وبقي في الجسم الذي كان
متعادلاً نوع واحد فقط وهو الموجب.
ومثل هذا الاتحاد المولد للشرارة اتحاد كهربائية السحاب المختلفة النوع
بعضها مع بعض، أو مع كهربائية الأرض السالبة فيتولد من اتحادهما نار عظيمة
(الصاعقة) ، وصوت مزعج (الرعد) ؛ بسبب تماوج الهواء، وضوء شديد
(البرق)
وتتولد الكهرباء على سطح الأرض بما يحصل عليه من الاحتكاك، والتبخر
والتكاثف، والاحتراق، ونمو النبات.
المغناطيس الأرضي:
دوران هذه التيارات الكهربائية حول الأرض يكسبها قوة المغناطيس [٤] فيجذب
قطباها قطبي قطع المغناطيس الأخرى المغايرين لهما (كناموس الكهرباء السابق)
فالقطب الشمالي يجذب الجنوبي، والجنوبي يجذب الشمالي؛ وذلك هو سبب اتجاه
(إبرة الملاحين المغناطيسية) المسماة باللغة العربية (بيت الإبرة) وباللغة الفرنسية
(بوصلة) (Boussle) .
وكما أن الكهربائية تتولد بالتفاعل الكيماوي كذلك تتولد في الأجسام الحية من
نبات وحيوان، فالعضلة العاملة المتحركة في جسم الإنسان تكون سلبية بالنسبة
للعضلة الساكنة.
ويوجد من السمك ما فيه كهربائية عظيمة يحس بها الإنسان بمجرد لمسه له
كالسمك المسمى (بالرّعاد) .
(٤) تسخين قطب مصنوع من معدنين مختلفين كالبزموت والأنتيمون يُوَلِّد
فيه كهرباء. فهذه هي الطرائق التي يهمنا معرفتها.
***
النور
النور عَرَضٌ معروف من أعراض المادة يتولد من حركة أجزائها الأثيرية
حركة مخصوصة، وهذه الحركة الأثيرية تنبعث من جميع جهات الجسم المضيء
في خطوط مستقيمة، ولا يلزم لانتشار النور في الجو سوى هذه المادة الأثيرية
بخلاف بعض الأعراض الأخرى كالصوت مثلاً؛ فإنه يلزم له مادة محسوسة
كالهواء لنقله؛ ولذلك يصل النور إلينا من الشمس والقمر والنجوم، مع العلم بأن
هذه الأجرام مفصول بعضها عن بعض بمسافات شاسعة خالية من الهواء، أو أي
جسم آخر سوى الأثير.
وسرعة النور في سيره تساوي نحو ٣٠٠٠٠٠ كيلو مترًا في الثانية (١٨٦
ألف ميل) .
مصادر النور قسمان:
(١) صناعي:
(أ) الاحتراق: كاحتراق الزيت والشمع وغيرهما.
(ب) الكهرباء.
(٢) طبيعي: كالشمس، ومن هذا المصدر يتولد النور أيضًا بالاحتراق
وغيره، فالأجرام السماوية المضيئة بذاتها هي أجرام مشتعلة بالنيران، وأما
المضيئة بغيرها كالقمر؛ فتنعكس عليها الأشعة من نور الشمس، كما تنعكس في
المرآة؛ ولذلك قال تعالى {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (الإسراء:
١٢) ، وقد يتولد النور بتحرك ذرات بعض الأجسام؛ فيتماوج بها الأثير فيضيء.
والنور الأبيض مركب من سبعة ألوان وهي: (١) البنفسجي (٢) والنيلي
(٣) والأزرق (٤) والأخضر (٥) والأصفر (٦) والبرتقالي (٧) والأحمر.
أما السواد فهو عدم النور مطلقًا، وكل لون من هذه الألوان السبعة يتولد من
حركة مخصوصة في الأثير أسرعها التي تُوَلِّد البنفسجي، وأبطؤها التي تُوَلِّد
الأحمر؛ فإذا توالى سقوط هذه الحركات المختلفة على شبكية العين أدرك الإنسان
نورًا أبيض، ومن ذلك يُفْهَم أنه إذا أُتِي بقرص مستدير، وقُسِّم إلى سبعة أقسام،
ولُوِّن كل قسم منها بلون من هذه الألوان السبعة، وأُدِير هذا القرص بسرعة شديدة
رأينا لونه أبيض، ويسمى هذا القرص في علم الطبيعة (قرص نيوتن) .
سنة الله في رؤية الأجسام:
رؤية جميع الأجسام تحصل بسقوط أشعة النور عليها، ثم انعكاسها عنها إلى
العين؛ فيبصرها الإنسان، وإن كان هو في مكان مظلم، إذ شرط الرؤية أن يكون
المرئي في مكان مضيء لا الرائي، فهو يراها، وإن كانت في مكان مظلم فلا
يراها، ولو كان الإبصار ناشئًا عن نور يسقط من العين نفسها لرأى الإنسان
الأشياء التي في الأماكن المضيئة والمظلمة على حد سواء. هذا إذا لم يكن الجسم
مما يُوَلِّد النور بنفسه كالفسفور، وكبريتيد الكلسيوم؛ فإنه يجمع أشعة الشمس في
أثناء النهار، ويحفظها إلى الليل، وكذلك عنصر الراديوم؛ فإنه يُوَلِّد نورًا في
الظلام، وفي بعض حيوانات البر والبحر نور ينبعث منها في الظلام، ومنها ذباب
معروف يسمى " الحباحب ".
وإذا انعكست جميع التماوجات التي في النور الأبيض من الجسم إلى العين
رأيت لونه أبيض، ومن ذلك تُفْهَم حكمة لبس الملابس البيضاء في الصيف؛ فإنها
تعكس جميع أشعة النور والحرارة إلى الخارج، وأما الأجسام السوداء فهي تمتص
جميع الأشعة ولا تعكس منها شيئًا.
وأما الأجسام الأخرى كالزرقاء مثلاً، فهي تمتص جميع أمواج النور ما عدا
التي تُحْدِث اللون الأزرق، وهكذا يقال في باقي الألوان الأخرى.
وإذا سقط النور على أي سطح فإن زاوية السقوط (وهي الحاصلة من الشعاع
الساقط مع عمود وهمي على السطح العاكس) تساوي زاوية الانعكاس (وهي
الحاصلة من الشعاع المنعكس مع العمود الوهمي المذكور) .
وإذا كان الجسم الذي سقط عليه النور في الماء مثلاً، انبعث منه الشعاع
فخرج من الماء، وانكسر، ومال بعيدًا عن الخط الوهمي المفروض.
وإذا كان الجسم المضيء في الهواء انبعثت منه الأشعة، ونفذت إلى الماء؛
فينكسر الشعاع أيضًا، ويميل إلى الخط الوهمي المفروض.
فهذه سنن إلهية مطردة في انعكاس النور وانكساره، وبمقتضى سنة الانكسار
ترى الأجسام الموضوعة في الماء في مكان أعلى من مكانها الحقيقي، ومثل ذلك
أيضًا رؤية القضبان كالعصي مثلاً معوجة إذا وضعت في الماء.
وكذلك تُرى أشياء على الأرض كأنها معلقة في السماء، فيُشاهد في بعض
الجهات أناس وخيل وحمير وغير ذلك ماشية في السماء بين الغيوم، وأصلها أشياء
موجودة على الأرض؛ ولانكسار أشعة النور في طبقات الهواء المختلفة الكثافة
تشاهد هذه المناظر، وهي كلها من خطأ الحس.
ورؤية الأجسام في المرآة تحصل بانعكاس أشعة النور المنبعثة من الجسم عن
المرآة فتصل منها إلى العين.
ومن السنن الإلهية في هذه المسألة أن تكون المسافة بين الجسم الحقيقي
والمرآة تساوي تمامًا المسافة بين المرآة والجسم الموهوم خلفها.
انكسار النور في المنشور والعدسات:
بسبب انكسار الأشعة في الأجسام المختلفة الكثافة تنكسر الأشعة في المنشور
(الزجاج المثلث السطوح) وتميل إلى قاعدته؛ فإذا وُضِعَ منشوران قاعدة كل منهما
على الأخرى انكسرت الأشعة أيضًا نحو القاعدة، واجتمعت في نقطة معينة، ومثل
المنشورات في جمع الأشعة العدسات؛ فإنها تجمع الأشعة أيضًا نحو مركزها؛
ولذلك تُسْتَعْمَل هذه العدسات في جمع أشعة الشمس للإحراق، وتُسْتَعْمَل أيضًا في
جمع أشعة النور في التصوير كما في الآلات الفوتوغرافية [٥] .
علمنا - مما سبق - أن النور مركب من سبعة ألوان؛ فإذا انكسر النور
الأبيض في المنشور تحلل إلى ألوانه الأصلية، ويكون اللون البنفسجي أقربها إلى
القاعدة، ويليه النيلي فالأزرق، فالأخضر، فالأصفر، فالبرتقالي، فالأحمر،
وأشد الألوان انكسارًا البنفسجي، وأقلها في ذلك الأحمر.
فالمنشورات وإن كانت تجمع أشعة النور كلها إلا أنها مع ذلك تفرقها إلى
ألوانها الأصلية، وبمقتضى هذه السنة تنكسر أشعة نور الشمس في نقط الماء
الساقط من السحاب؛ فينشأ من ذلك ما يسمى (قوس قزح) ، وهو مركب من
ألوان النور السبعة.
أما إذا مر النور خلال جسم ما، وكان هذا الجسم مما يمتص بعض الأشعة
فإن لون هذا الجسم الْمُدْرَك لنا هو ما يحصل من الأشعة الباقية. مثال ذلك الزجاج
الأزرق؛ إذا نفذ فيه النور اُمتصت (مُحيت) جميع الألوان ما عدا اللون الأزرق،
وهكذا يقال في الألوان الأخرى.
وأشهر العدسات اثنتان: (١) المحدبة من الجانبين (٢) والمقعرة من
الجانبين.
أما العدسة الأولى فيمكن اعتبارها كأنها منشوران اجتمعا وكانت قاعدتهما نحو
المركز، وأما العدسة الثانية فيمكن اعتبارها كأنها منشوران اجتمعا ورأسهما نحو
المركز.
ومن ذلك يُفْهَم أن العدسات المحدبة تُجَمِّع الأشعة نحو المركز (أي نحو
قاعدتي المنشورين) .
وأما العدسات المقعرة فإنها تُفَرِّق الأشعة بعيدًا عن المركز (أي تميل فيها
الأشعة نحو القاعدتين) .
وإذا مر نور أبيض من مصباح عادي خلال منشور رأينا هذه الألوان السبعة
- كما تقدم - وإذا كان هذا النور المار في المنشور صادرًا من احتراق عنصر واحد
رأينا لونًا واحدًا فقط كنور الصوديوم مثلاً، فإنه أصفر؛ وإذا نفذ في المنشور لم
يتغير.
وإذا مرت هذه الألوان السبعة خلال الصوديوم مثلاً في حالته الغازية اُمتص
منها اللون الأصفر، وبقيت الألوان الأخرى، ومن ذلك يُفْهَم أن العناصر في حالتها
الغازية تمتص من الألوان السبعة اللون الذي تولده هي، وعلى هذه القاعدة وُضِعَ
المنظار القرجي (Spectroseope) .
فإذا نظرنا بهذا المنظار إلى نور الشمس رأينا الألوان السبعة ناقصة، ونرى
ما ينقصها من الأجزاء كأنها خطوط سوداء، وهي ناشئة من وجود عدة عناصر في
الحالة الغازية محيطة بجرم الشمس؛ وبسبب نفوذ الأشعة خلال هذه العناصر
الغازية فُقِدَ بعضها؛ والسبب في كون هذه العناصر غازية هو شدة حرارة نار
الشمس.
وبهذا المنظار أمكن العلماء معرفة تركيب الأجرام السماوية وعناصرها، ولهم
طريقة أخرى لمعرفة هذه العناصر وهي تحليل ما يسقط منها إلى الأرض
(كالشهب والنيازك) ، ولهذا المنظار فائدة أخرى عظيمة في المباحث الطبية
الشرعية وغيرها.
ومن الأشعة الشمسية نوعان آخران سوى أشعة النور وهما: (١) أشعة
الحرارة و (٢) أشعة الفعل الكيماوي وهما غير مدركين بالعين.
أما أشعة الحرارة فيوجد أشدها بعد اللون الأحمر، وأما الأشعة الكيماوية
فيوجد أشدها بعد اللون البنفسجي.
وهذه الأشعة الكيماوية هي التي تحلل أملاح الفضة في ألواح الآلة
الفوتوغرافية، وتُحْدِث عليها الصور.
وأما الآلة الفونغرافية فهي عبارة عن غرفة مظلمة تدخل الأشعة فيها من فتحة
صغيرة في جدارها الأمامي، وفي هذه الفتحة عدسة محدبة من الجانبين لجمع
الأشعة حتى تكون الصور المرسومة داخلها على الجدار الخلفي جلية واضحة، فإذا
وُضِعَ لوح من الزجاج مغطى بمواد فيها ملح من أملاح الفضة أمام هذا الجدار
الخلفي رُسِمَتْ الصور عليه، وأحدثت الأشعة تغيرًا كيماويًّا في المادة الموضوعة
على هذا اللوح؛ وبذلك أمكنهم أخذ صور المرئيات، ورسمها بهذه الطريقة.
وهذه الآلة الفونغرافية تشبه العين الباصرة في تركيبها.
العين الباصرة:
العين كرة مظلمة في داخلها، ويصل إليها النور من فتحة صغيرة تسمى
إنسان العين، وهذه الكرة (المقلة) موضوعة في تجويف من الوجه يسمى
(الحجاج) ويغطيها في هذا التجويف الجفنان، وحكمة الأهداب أن تمنع التراب
وغيره بقدر الإمكان، وتقلل من ضرر أشعة الشمس الشديدة.
وتُغْسَل العين بماء يسمى الدمع تفرزه غدة موضوعة في الجهة العليا الخارجية
من الحجاج داخل الجفن الأعلى، ويتصرف الدمع بعد غسل العين بقناتين
موضوعتين في الجفنين بقرب الأنف متصلتين بكيس صغير في أعلى قصبة الأنف
يسمى الكيس الدمعي، ومنه يجري الدمع بقناة تصب في أسفل الأنف ...
أما طبقات العين فهي من الأمام إلى الخلف كما يأتي:
(١) الملتحمة: وهي التي تبطن الجفون، وتغطي المقلة من الأمام، وهي
شفافة في جزئها المتوسط لدخول النور.
(٢) القرنية: وهي الجزء الشفاف المستدير الذي يرى كالسواد أو غيره.
(٣) الصلبة: وهي في مستوى واحد مع القرنية؛ فكأنهما غشاء واحد كروي الشكل تقريبًا.
(٤) القزحية: وهي التي تحيط بإنسان العين من جميع الجهات.
(٥) المشيمية: وهي أيضًا في مستوى واحد مع القزحية، ولونهما، ومادتهما واحدة، فيها أوعية كثيرة، ومادة ملونة، وهذه الطبقة هي أعظم ما يجعل العين مظلمة من الداخل.
(٦) الشبكية: وهي تبطن نحو ثلثي العين من الداخل، وهي الطبقة العصبية الحساسة المتصلة بالعصب البصري الواصل إلى المخ، وعليها تُرْسَم صور المرئيات التي يدركها الإنسان.
ولجمع أشعة النور، ورسم الصور عليها، يوجد عدة أجسام كثيفة شفافة في
العين لكسر أشعة النور وهي بعد القرنية: (١) المائية وأكثرها بين القرنية
والقزحية (٢) ويليها البلورية، وهي بعد القزحية، وشكلها كعدسة مستديرة
ومحدبة من الجانبين (٣) ويليها الزجاجية، وهي مادة هلامية (كالفالوذج) شفافة
تملأ باطن العين بعد البلورية، ثم إن القزحية قد تتسع وتضيق بألياف عضلية فيها
بحسب حاجة العين إلى النور.
ومما تقدم يُفْهَم أن أشعة النور تجتمع على الشبكية في العين الطبيعية، ولكن
مِن الناس مَن أعينهم صغيرة أو كبيرة عن الحجم المعتاد فتحتاج الأعين
الصغيرة إلى عدسات (نظارات) محدبة، وتحتاج الكبيرة إلى عدسات مقعرة،
ولولا ذلك لما اجتمعت الأشعة في العين الصغيرة إلا خلف الشبكية (هذا على
فرض أنه لا يحجبها شيء) ، وفي العين الكبيرة أمام الشبكية. وما دامت جميع
أوساط العين التي يمر فيها النور شفافة؛ فإن كان في إبصار العين السليمة ضعف
فالغالب أن يكون سببه صغر حجم العين، أو كبرها فَتُصَلَّح بالنظارات.
الرمد الصديدي والحبيبي:
ومن أعظم أسباب عتامة بعض هذه الأوساط (كالقرنية) هو إصابة العين
بالرمد الصديدي، أو الرمد الحبيبي المنتشر في مصر
وللاحتراس من هذين الرمدين يجب تنظيف العين نظافة تامة، وعدم مسها
بأي شيء فيه أقل وسخ.
أما ميكروب الرمد الصديدي فهو ميكروب (السيلان) أيضًا، ويصل إلى
العين بالأصابع، أو المناديل، أو الملابس، أو غير ذلك، وهو مرض فتاك بالعين؛
لأنه كثيرًا ما يسبب قرحًا في القرنية تَئُول إلى ظلمتها حتى لا ينفذ النور منها
فتصبح عمياء، وتسمى هذه الظلمة بالنقط أو البياضات.
وأما الرمد الحبيبي فميكروبه ينتقل من شخص لآخر، كما ينتقل ميكروب
الرمد الصديدي؛ فلذا يجب الاحتراس منه بالنظافة، والبعد عن الأَرْمَد.
وأبسط دواء بعد الماء لتنظيف عين كل شخص محلول حامض البوريك
المشبع، ويجب طرد كل حشرة تقترب من العين كالذباب وغيره؛ فإنه من أعظم
الأسباب لنقل أنواع الرمد، ويجب اتقاء التراب إذا ثارت الريح بوضع نظارات
لوقاية العين منه، ومما يقي الطفل شر الرمد الصديدي أن يُغْسَل عيناه عقب الولادة
مباشرة بمحلول السليماني (١ في ٥٠٠٠) ويوضع فيها نقط من محلول نترات
الفضة (٢ في ١٠٠) .
***
النبذة الثانية
في التشريح ووظائف الأعضاء وما يلزمها من القواعد الصحية

التشريح نوعان: نوع تُدْرَك فيه أعضاء الجسم بالعين المجردة، ويسمى
بالتشريح العادي، ونوع تستعمل فيه الميكروسكوب (المنظار الدقيق) لإدراك
جميع دقائق الجسم، ويسمى هذا النوع بالهستولوجيا (التشريح الدقيق) .
فلنبدأ الآن بالكلام على النوع الأول:
يتركب الجسم الإنساني أولاً من العظام فهي كالأساس الذي تبنى عليه جميع
الأجزاء الرخوة والأحشاء؛ ولذلك يسمى مجموع هذه العظام بالهيكل
الإنساني.
***
العظام
العظام نوعان:
(النوع الأول) : العظام الصلبة كعظام الأطراف، وصلابتها كصلابة
العاج، وهي جوفاء تمر في وسطها قناة ممتلئة بمادة كالدهن تسمى (نقو العظام) أو
(نقيه) ، وأما (النوع الثاني) : فيسمى بالإسفنجي، كفقرات الظهر والضلوع،
وهو أيضًا مغطى بطبقة رقيقة من العظم الصلب، وبداخله تجاويف عديدة صغيرة
غير منتظمة تشبه الإسفنج، وهذه التجاويف ممتلئة أيضًا بنقي يميل إلى الحمرة،
وهو أعظم مكان تتولد فيه كريات الدم الحمراء خصوصًا التي تخرج من نقي
الضلوع.
أما عظام الهيكل الإنساني فهي كثيرة وإليك عددها:
(١) الجمجمة (مجموعة عظام الرأس والوجه) : وهي مركبة من ٢٢
عظمًا منها ١٤ للوجه، و٨ للرأس.
(٢) الفقرات: وهي المسماة بالصلب، وعند العامة سلسلة الظهر، وهي
مركبة من ٣٣ قطعة كل منها تسمى فقرة وفقارة: منها سبع ٧ فقرات للعنق، و١٢
للظهر، و٥ للقطن، و٥ للعجز، و٤ للعصعص المسمى بعجب الذنب.
(٣) الضلوع: وهي عادة في الذكر [٦] والأنثى ١٢ في كل جانب، وهي
متصلة من الخلف بالفقرات، ومن الأمام بالقص (عظم الصدر) .
(٤) القص: مركب من ثلاث قطع، وكيفية اتصال الضلوع به كما يأتي:
سبع ضلوع متصل كل منها به بغضروف على حدة، وتسمى بالضلوع الصادقة،
أما الثلاث التي بعدها فمتصلة معًا بغضاريف تتصل بغضروف الضلع السابعة،
وأما الاثنتان الباقيتان فهما غير متصلتين من الأمام بشيء مطلقًا، ويسميان
بالضلعين العائمتين، وهذه الضلوع الخمس الأخيرة تسمى بالضلوع الكاذبة.
(٥) عظام الأطراف العليا: ويتركب كل طرف من عظم العضد ثم الساعد
(وهو مركب من عظمين: الكعبرة وهي العظم الخارجي، والزند وهو العظم
الداخلي) ، ثم رسغ اليد وهو مركب من ثمانية عظام صغيرة، ثم عظام المشط
وهي خمسة لكل أصبع عظم يحملها، ثم عظام الأصابع الخمس وهي ثلاث لكل
أصبع، ما عدا الإبهام فله عظمان.
(٦) عظام الأطراف السفلى: وكل منها مركب من عظم الفخذ، ثم الساق
وهو مركب أيضًا من عظمين: الشظية من الخارج والقصبة من الداخل، ثم عظام
رسغ القدم وهي مركبة من سبعة عظام صغيرة أيضًا، ثم عظام المشط وهي خمس
لكل أصبع واحدة تحملها، ثم عظام الأصابع، وهي ثلاث لكل منها ما عدا إبهام
القدم فله عظمان فقط
ومن العظام أيضًا غير ما تقدم:
(١) التراقي: وهما عظمان كل منهما يسمى ترقوة موضوعان في أعلى
الصدر من الأمام.
(٢) اللوحان: وهما عظمان عريضان موضوعان بأعلى الصدر من
الخلف.
(٣) الداغصتان: وهما الموضوعتان أمام الركبتين، ويسميها بعض
الأطباء المحدثين بالرضفتين؛ ولكن ما اخترناه هنا هو الأصح لغة.
(٤) عظما الحوض: وهما اثنان يكونان مع العجز والعصعص تجويفًا
كالطسث يوجد فيه المستقيم والمثانة في الذكر، والرحم والمبيضان وغيرها في
الأنثى، ويوجد غير ذلك عظام أخرى صغيرة جدًّا كما بين بعض عظام الرأس وفي
الأذن وعظام صغيرة توجد بقرب بعض المفاصل تسمى (السمسية) ، والعظم
اللامي للعنق، والأسنان.
أما الأسنان فهي في الطفل عشرون في كل فك عشر، ويبتدئ ظهورها من
الشهر السادس إلى الرابع والعشرين، ولذلك كانت مدة الرضاع الكاملة حولين
كاملين، وفي الكبير اثنتان وثلاثون سنًّا يبتدئ ظهورها من السنة السادسة، ويتم في
الخامسة والعشرين على الأغلب بظهور أربعة أضراس في آخرها تسمى أضراس
العقل؛ لأن بظهورها يتم بلوغ الإنسان رشده، وهي النواجذ أو أضراس
الحلم.
والفرق بين منسوج العظام وغيرها من الأجزاء الأخرى للجسم من الوجهة
الكيماوية؛ إنما هو في وجود أملاح عديدة في المادة التي بين خلاياها مثل فوسفات
الكلسيوم، وكربونات الكلسيوم، وفوسفات المغنسيوم، وهذه الأملاح جميعًا يوجد
منها كمية كبيرة في العظام، وهي السبب في يبسها؛ فإذا أذيبت من العظم ببعض
الحوامض صار العظم رخوًا طريًّا.
المفاصل:
وجميع هذه العظام متصل بعضها ببعض بالمفاصل، والمفاصل ثلاثة أنواع:
(١) مفاصل متحركة حركة تامة كالكتف و (٢) مفاصل غير متحركة كما
بين عظام الجمجمة و (٣) مفاصل بين بين أي أن حركاتها متوسطة فلا هي
معدومة بالمرة، ولا هي متحركة حركة كبيرة، وذلك كالمفاصل التي بين الفقرات.
والفرق بين المفاصل المتحركة حركة كاملة (وهي الأولى) وبين غيرها أنها
عبارة عن تجويف محاط بمنسوج ليفي، وبعض أربطة أخرى، وهي مبطنة بغشاء
أملس يفرز مادة مصفرة قليلاً تشبه زلال البيض، والغرض منها تسهيل الحركات،
فهي كالزيت للآلات الحديدية (فسبحان الخالق الحكيم) .
وجميع العظام مغطاة [٧] بغشاء ملتصق بها التصاقًا شديدًا، وفيه أوعية الدم،
ومنه تتغذى بحيث إذا أُتلف هذا الغشاء، أو أًزيل بمرض، أو غير مرض يموت
العظم الذي تحته، وهذا الغشاء يسمى بالسمحاق، وموت العظم يسمى النخر، أو
التآكل، وهو المسمى عند العامة بالتسويس، والفرق بينهما أن الأول (النخر)
تموت فيه قطع كبيرة من العظم بجملتها، والثاني - التآكل - تموت فيه أجزاء
صغيرة تنفصل عن باقي الجسم شيئًا فشيئًا.
العضلات:
جميع حركات الجسم تكون بالعضلات، وهي المسماة باللحم
وبعض هذه العضلات أبيض اللون، كما في بعض الحيوانات مثل السمك والأرانب،
وبعضها لونه أحمر، كما في الإنسان وغيره من الحيوانات؛ والسبب في حمرتها
اشتمالها على جزء في منسوجها من حمرة الدم المسماة بالهيموجلوبين ومن غيرها؛
ولذلك كان اللحم الأحمر أكثر تغذية من اللحم الأبيض؛ ولكنه أعسر هضمًا
والعضلات تأتي عملها في تحريك الجسم بالانقباض، وهي ثلاثة أنواع:
(١) العضلات الاختيارية: وهي الموجودة حول عظام الهيكل كله،
وأكثرها يوصل بين عظمين فأكثر، وينتهي غالبًا بما يسمى بالأوتار، وهي منسوج
ليفي أبيض اللون متين جدًّا يشبه الحبال ويندغم في العظام المتحركة، فإذا قصرت
العضلة، أو انقبضت انثنت العظام بعضها على بعض، وحركة هذه العضلات هي
باختيار الحيوان، وهي التي قسمناها إلى بيضاء وحمراء، والبيضاء أرقى شكلاً
وأسرع عملاً
(٢) العضلات غير الاختيارية: وهي التي توجد في جدر الأمعاء،
وأوعية الدم وغيرها كالحالب [٨] ، ويختلف شكلها عن القسم الأول - إذا نظرت
بالمجهر " الميكروسكوب " - اختلافًا كبيرًا، وحركتها ليست بإرادة الحيوان؛ ولكن
للأعصاب تأثيرًا فيها ما دامت مرتبطة بها؛ فإذا انفصلت عنها استقلت بعملها
كالأمعاء بعد قطع جميع أعصابها فإن الطعام كافٍ لتنبيهها.
وكل انقباض للعضلات اختيارية كانت أو غير اختيارية لا يحصل إلا بمنبه.
وأنواع المنبهات خمسة (١) المواد الكيماوية (٢) الحرارة (٣) الأفعال الآلية
(الميكانيكية) كالضرب على العضلات أو القَرْص (٤) الكهرباء (٥) التيار
العصبي، فالأربعة الأولى ممكن حصولها خارج الجسم بعد ذبح الحيوان. أما
المنبه العصبي فإن كان منشؤه من المخ كان فعلاً اختياريًّا، وإلا كان غير اختياري.
ومصدر التنبيه العصبي سواء أكان من المخ أم من النخاع هو من الخارج
أيضًا كما يرى الآن جمهور الفسيولوجيين - ويرى بعض الناس أن المخ يمكنه أن
يبدأ التنبيه من ذاته، وإذا وصل التنبيه الخارجي إلى المراكز العصبية ومنها إلى
الأعضاء أو العضلات فحركها سُمِّي ذلك (بالفعل المنعكس)
(٣) عضلة القلب: وهذه العضلة تختلف أيضًا في شكلها الميكروسكوبي
عن النوعين السابقين، وهي غير خاضعة للتنبيه العصبي إلا من حيث الكثرة، أو
القلة، أو الضعف، أو القوة، أو نحو ذلك. وأما انقباضها فيحصل بقوة فيها
خاصة بها ليست ناشئة عن منبه خارجي.
وعليه فالفرق بين هذه الأنواع الثلاثة يلخص في الكلمات الآتية:
تنقبض العضلات الاختيارية بعلم المخ وتأثيره، وغير الاختيارية بدون
علمه؛ ولكنها خاضعة للأعصاب ما دامت في الجسم، ولا بد من تنبيهها بشيء
ولو غير عصبي، وإلا لما انقبضت، وأما القلب فينقبض بنفسه بدون سبب
خارجي، وسواء اتصلت به أعصاب أم لم تتصل، وإنما يمكن للأعصاب أن
تزيد في ضرباته، أو تنقص منها، أو نحو ذلك، أما منشأ الحركة فلا علاقة لها
به ولا يعلمه إلا الله تعالى.
الأعصاب:
مراكز الإحساس والحركة في الجسم الإنساني محصورة في المخ والنخاع
وحوله. فالمخ عبارة عن جسم كبير موضوع في الجمجمة، وهو مركب من فصين
عظيمين متصل أحدهما بالآخر من أسفلهما، وفي كل فص من الفصين تجويف
ممتلئ بجزء من سائل، ويسمى هذا التجويف بالبطين، والمخ مغطى بثلاثة أغشية
تسمى جميعها السحايا وكل منها يسمى الأم.
وجوهر المخ نوعان:
(النوع الأول: السنجابي) وهو المغطى سطحه، وهو مركب من خلايا
عصبية لها وظائف مختلفة. ويُقَسَّم سطح المخ إلى عدة أقسام، فمنه جزء للإبصار،
وهو في الخلف، وجزء للحركات الاختيارية، وهو في جانبيه، وجزء للكلام وهو
في الجهة اليسرى الجانبية، وجزء للسمع وغير ذلك. وكل جانب من المخ
متصل بالجانب المخالف له من الجسم، فحركات العضلات التي في الأطراف
اليسرى متصلة بالجانب الأيمن من المخ وبالعكس، ما عدا قوة الكلام فإنها في
الجانب الأيسر في غالب الأشخاص. أما العُسْر وهم الذين يعملون بشمائلهم فيوجد
مركز الكلام عندهم في الجهة اليمنى من المخ.
(النوع الثاني: الأبيض) ومكانه تحت القشرة السنجابية، وهو عبارة عن
ألياف عصبية تُوصِل أجزاء المخ بعضها مع بعض، وتُوصِله بالنخاع.
المخيخ: موضعه مؤخر الجمجمة في أسفل المخ، وهو أيضًا مركب من
فصين صغيرين ليس بهما تجويف بخلاف فصي المخ، وبينهما جسم كالدودة
يربطهما وهو أهم منهما ووظيفته حفظ التوازن في الجسم.
النخاع: يبتدئ من الجمجمة إلى الحافة السفلى للفقرة الأولى القطنية، وذلك
في الكهول، وأما في الأجنة فإنه يملأ القناة الفقرية كلها إلى الشهر الثالث. وهو
جسم أسطواني مغطى أيضًا بثلاثة أغشية كأغشية المخ من كل وجه، ويتركب من
جوهرين أيضًا أبيض وسنجابي؛ ولكن الجوهر الأبيض منه في الخارج والجوهر
السنجابي في الداخل، والأبيض عبارة عن ألياف عصبية كما في المخ، والسنجابي
عبارة عن خلايا عصبية كما في المخ أيضًا.
والجزء السنجابي مركب من هلالين تحديبهما إنسيّ وقرنا كل منهما إلى الأمام
والخلف، ويجمع بين الهلالين عند جزئهما المحدب، وفي مجمعها قناة صغيرة
دقيقة تمتد في طول النخاع كله وتتصل في أعلاها بتجاويف المخ (البطينات) .
يتصل بالمخ اثنا عشر زوجًا من الأعصاب لها وظائف عديدة: فمنها ما
يحرك بعض العضلات في الوجه وغيره، ومنها ما يحصل به الإحساس، ومنها ما
هو خاص بنوع من الإحساس كالعصب البصري الذي يحصل به إدراك المرئيات،
وكعصب السمع وغيرهما.
ويتصل بالنخاع ٣١ زوجًا من الأعصاب: ٨ منها تخرج من بين فقرات
العنق، و١٢ من بين فقرات الظهر، و٥ من بين فقرات القَطَن، و٥ من بين
فقرات العَجُز، و١ من العُصْعُص. وهذه الأعصاب يتركب كل فرد منها من
قسمين: أمامي وخلفي، فالأمامي لحركة العضلات، والخلفي للإحساس. أما
الخلايا التي يصدر منها الجزء الأمامي فتوجد في القرون الأمامية للمادة السنجابية
في النخاع، وأما خلايا الجزء الخلفي فتوجد خارج النخاع، ويتكون منها عقد
صغيرة موضع أكثرها في الثقوب التي بين الفقرات؛ ولكنها خارج سحايا النخاع.
وبعد هذه العقد مباشرة يتحد الجزء الأمامي المحرك مع الجزء الخلفي الحساس
فيتكون منها عصب واحد فيه الوظيفتان، ثم ينقسم هذا العصب إلى قسمين أيضًا:
قسم أمامي للحس والحركة، وقسم خلفي لهما أيضا، فالألياف الخاصة بالحركة في
القسمين (التي أصلها من القرون الأمامية للنخاع) تنتهي بالعضلات وهي التي
تحدث فيها الحركة (أي تسبب انقباضها) ، والألياف الخاصة بالحس (وهي الآتية
من العقد التي خارج النخاع) وتنتهي بالجلد وغيره، وهي التي يحصل بها
الإحساس في الحيوان عند مس أي شيء.
وجميع هذه الأعصاب تُرى في الجسم الإنساني عند تشريحه كحبال بيضاء
منها الدقيق ومنها الغليظ، وأغلظها عصب عظيم يوجد داخل الورك ويُوَزَّع على
الساق كلها، وهذا العصب إذا أصابه مرض ما يحدث عنه ألم شديد في الفخذ يسمى
بعِرْق النَّسا.
ويوجد مجموعة أخرى من الأعصاب تسمى الأعصاب السمباتوية، وهي
مركبة من عقد وألياف أيضًا، وموزعة على جميع الأحشاء، وعلى جميع أوعية
الدم، ومتصلة أيضًا بالمجموعة الأولى المركبة من المخ والنخاع، وللأعصاب
السمباتوية وظيفة هامة جدًّا في عمل جميع الأحشاء، وحركة عضلات جدر
الشرايين في انقباضها وانبساطها إلا أنها ليست مستقلة في وظيفتها عن المجموعة
الأولى. ومعنى (سمباتيا) المشاركة في الشعور أو الإحساس، وهي لفظ يوناني،
وسُميت بذلك لأن بها ترتبط الأحشاء بعضها مع بعض، ومع الأوعية الدموية فكأن
كلا منها يشعر بالآخر، وعليه فيمكننا تسميتها بلغتنا العربية (مجموعة الارتباط
العصبي) .
((يتبع بمقال تالٍ))