(خط الحديد الحجازي) حيَّا الله الذات السلطانية الحميدية وبياها , وأمدها بالعناية والتوفيق وقواها , فقد أصدرت إرادتها السَّنية بالتبرع بخمسين ألف ليرا عثمانية إعانة لهذا الخط الشريف الذي هو أفضل آثارها من تالد وطريف. وتعلقت الإرادة الشريفة أيضًا بإنجاز هذا العمل الميمون في مدة لا تزيد على أربع سنين. وكنا ذكرنا أنه تقرر أن تكون جميع الأدوات واللوازم فيه إسلامية عثمانية , ولكن تبين أن معامل إدارة البحر في الأستانة لا تقدر أن تصنع أكثر من ٢٥٠ متر من الخطوط في اليوم (أي ١٥٠متر من هذه الخطوط) وذلك يقتضي أن تزيد المدة على أربع سنين , كما أن النفقة تكون أكثر من نفقة ابتياعها من أوربا؛ لأن المعامل المذكورة غير مستعدة تمام الاستعداد , ويعوزها لهذا إنشاء معمل جديد، ولذلك تقرر أخيرًا أن تبتاع من أوربا. وتهتم اللجنة العليا التي يرأسها مولانا السلطان الأعظم بكليات هذا العمل وجزئياته وأصوله وفروعه، فبلَّغت السرعسكرية بأن ترسل إلى سوريا الجنود العاملين به وبلغت نظارة الغابات والخراج بإرسال الأخشاب اللازمة من غابات بيجيه ومنتشا , وسترسل القضبان الحديدية الموجودة في مستودعات البحرية عاجلاً وطول الخط ١٩٠٠كيلو متر. *** (إعانة المسلمين للعمل) تتوجه رغبات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لهذه الإعانة الشريفة لأنها تتعلق بإقامة ركن من أهم أركان دينهم , وقد باشروا بهذا فعلاً , وذكرت لنا جرائد بيروت أنه قد تألفت لجنة فيها من الأعيان برئاسة عطوفة واليها الهمام لأجل الاكتتاب , فجمع في مدة قريبة مبلغ ٢١٢٣٥٠ غرشًا. فنستنهض الآن همة المصريين العالية , ونستفيض ههنا مكارم أسخيائهم الهامية , ونُرغِّب إلى جميع الجرائد الوطنية - ونخص بالذكر الإسلامية - بأن يوالوا الحث والتخضيض ويداوموا الترغيب والتحريض على مسارعة أهل هذا القطر ومسابقة إخوانهم في هذا الامر , ولا نلبث أن نسمع أخبار الأقطار النائية والبلاد القاصية يتنافسون في إعانة هذا المشروع العظيم، والله ولي المحسنين. *** (وفاة الأمير العاقل) نعت إلينا أخبار الحجاز رجل الشهامة والفضل والسخاء والنبل، كبير أمراء عكار: محمد باشا المحمد، المعدود من أفراد الرجال في طرابلس الشام في السياسة والرياسة وعمل البر والإحسان، وأكبر مآثره المدرسة الإسلامية التي أنشأها في قرية مشحا , وصدرت الإرادة السلطانية بأن تسمى المدرسة الحميدية , وأهداها مولانا السلطان الأعظم مكتبة نفيسة أرسلها بخزاناتها من دار السعادة، وأنعم على الفقيد يومئذ برتبة ميرميران , وبالمداليا الذهبية والفضية وكان - رحمه الله - واسع الاطلاع في التاريخ والأدب حتى كان يمتاز على مجالسيه في كل نادٍ وسامر , وينفرد عن كل من نعرف بالإحاطة بأحوال قبائل العرب لهذا العهد. توفاه الله في المدينة المنورة بعد أداء فريضة الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم , فنعزي أنجاله الكرام وأسرته وسائر أهل الفضل به. *** (إزالة وهم) فهم بعض الناس أن انتقادنا على الذين طعنوا في الديانة النصرانية عند الرد على هانوتو (في ص٢٥٣ من الجزء الماضي) يوهم أن صاحب جريدة المؤيد منهم؛ لأن الانتقاد جاء بعد ذكر مناقشته مع الأهرام , وإننا نبرئ المؤيد وصاحبه الفاضل من ذلك , ونعرف بأنه أبعد الناس عن الطعن في الأديان وجرح إحساس أصحابها. *** أرجأنا مسألة حِل طعام أهل الكتاب للجزء الآتي لضيق المقام.