للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(رمضان)
فديتك زائرًا في كل عام ... تحيِّي بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حينًا ... ويبقى بعده أثر الغمام
وكم في الناس من دنف مشوق ... إليك وكم شجي مستهام
رمزت له بألحاظ الليالي ... وقد عجز الزمان عن الكلام
فظل يعد يومًا بعد يوم ... كما اعتادوا لأيام السقام
ومدَّ له رواق الليل ظلاًّ ... يرف عليه أجنحة الظلام
فبات وملء عينيه منام ... لتنفض عنهما كسل المنام
ولم أر قبل حبك من حبيب ... كفى العشاق لوعات الغرام
فلو تدري العوالم ما درينا ... لحنَّت للصلاة وللصيام
وما كلُّ الأنام ذوي عقول ... إذا عدُّوا البهائم في الأنام
بني الإسلام هذا خير ضيف ... وقد يغشى الكريم ذرى الكرام
يلمُّكم على خير السجايا ... ويجمعكم على الهمم العظام
فشدُّوا فيه أيديكم بعزم ... كما شدَّ الكميُّ على الحسام
وقوموا في لياليه الغوالي ... فما عاجت عليكم للمقام
وكم نفر تغرهم الليالي ... وما خلقوا ولا هي للدوام
وخلوا عادة السفهاء عنكم ... فتلك عوائد القوم اللئام
يحلون الحرام إذا أرادوا ... وقد بان الحلال من الحرام
ومن روَّته مرضعة المعاصي ... فقد جاءته أيام الفطام
* * *
(حسن التعليل في التمثيل)
بنو آدم أعداء ... على السراء والضرا
وما حياك باسِمُهم ... وإن أبدى لك البشرا
ففي الصدر حزازات ... تكاد تمزق الصدرا
ولو كادوا النجوم هوت ... من الخضراء للغبرا
فما الدنيا إذا فكَّرْ ... تَ غير جهنم الصغرى
ألست ترى بها أممًا ... وكل تلعن الأخرى
لقد جرّبتُ أهليها ... فلم أر فيهم خيرًا
(ومثلهم لنا الكفر ... اوي والصبان والفرَّا)
فعمرو ضارب زيدًا ... وزيد ضارب عمرا
... ... ... ... ... ... ... ... مصطفى صادق الرافعي
* * *
(تشطيران للأديبة المصرية الشهيرة السيدة زينب فواز)
(ومصباح كأن النور منه) ... يحاكي ثغره البسَّام جهلا
زها منه ضياء كي يضاهي ... (محيَّا من أحب إذا تجلى)
(أغار على الدجى بلسان أفعى) ... فبدد شمله خذلاً وذلا
وبارز كوكب الجوزاء منه ... (فشمَّر ذيله فَرَقًا وولَّى)
* * *
(أمنت إلى هذا وذاك فلم أجد) ... من الخلق من أرجوه في عالم الحس
وما رمت من أبناء دهر معاند ... (أخا ثقة إلا استحال إلى العكس)
(فأصبحت مرتابًا بمن شط أو دَنَا) ... ولو كان في المريخ أو جبهة الشمس
وأيقنت أن لا خل في الكون يرتجى ... (من الناس حتى كدت أرتاب من نفسي)
* * *
(قصيدة بدوية سليقية في واقعة سياسية)
كُتب إلى جريدة الأهرام الغراء من مسقط ما نصه:
صرف القنصل الإنكليزي زمنًا طويلاً وهو يحاول الوصول إلى منجم للفحم
الحجري في صور، فبذل لذلك كل مسعى وحبط في المرتين الأولي والثانية؛ ولكن
حبوطه لم يثنه عن عزمه، وظل متلعًا عنقه إلى المنجم وفاتحًا عينيه للقبض على
المغنم، وسار ثالث مرة فوقف الأعراب في وجهه في وادي (رفصة) وردوه، فاتفق
مع سلطان عمان على أن ينجده بالهدايا والأموال، فجاء السيد فيصل يحمل التحف
ليغوي بها الأعراب، فهبت على مركبه ريح صرصر فابتلع البحر الهدايا وضاعت
من يده؛ ولكنه اتكل على المال الذي أعطاه إياه الإنكليز، فوزع على مشايخ القبائل
مبلغًا جسيمًا فرضي بعضهم بأن يسمح للقنصل بالوصول إلى المنجم والوقوف عليه،
وأبى الآخرون وسار القنصل مخفورًا فلما كاد يصل ظهرت ألوف العربان،
وأطلقت البنادق؛ ولكنهم أُقنعوا بأن القنصل لا يريد الاستيلاء على المعدن أو
الأرض، بل هو يريد رؤيته فسلموا له بذلك بعد مال وفير قسم بينهم، وما مكث
القنصل عند المنجم سوى بضع ساعات إذ وقف على حاله وعمقه وموقعه، وأشار
عليه المشايخ الذين يخفرونه بالقفول سريعًا مخافة العطب، والقصة كلها نظمها أحد
مشائخ الجعليين شعرًا، وهذا الشيخ المسن أعمى لا يرى، وهو ينظم الشعر عفوًا
ارتجالاً، والكتاب تتلقاه عنه وتسطره، وهذه هي القصيدة وفيها الدلالة الكافية
ننشرها على علاتها كالفكاهة؛ ولأنها الآن أنشودة كل عربي وبدوي في تلك
الأصقاع.
حدث أخي عن العجب ... وعن العلا وعن الحسب
وعن الخيانة أنها ... عار قبيح في العرب
طلب النصارى [١] أرضنا ... بمكيدة يومًا طلب
متعللاً بسياحة ... ... وقناصة تقضي الأرب
فأقام منا عصبة ... في رده حتى ذهب
لما دعا عيسى [٢] أجبـ ... ـناه فحيا من وثب
فمضى ونحن أمامه ... لنضم شملاً للعرب
جئنا لجعلان فلم ... نلق خلافًا مقتضب
فتواثقوا وتعاقدوا ... في منعه عما طلب
وبنو مشرف [٣] قابلوا الـ ... ـبالوز [٤] بالمنع الألب
منعوه من أمرار رفـ ... ـصتهم فرد على العقب
وسليل [٥] تركي تهد ... دهم فلم يخشوا عطب
لله درهم ودر ... رئيسهم حين انتدب
فرأى النصارى أننا ... في البأس كالسيف العضب
فغدا وكاتب فيصلاً ... فأجابه لما كتب
فأتى إلى صور لكي ... يقضي لهم ذاك الأرب
في مركب قد جاءها ... وله متاع قد ذهب
قد سلط الله على ... ما عنده بحرًا لجب
ودعا القبائل كي يخا ... دعهم بمال أو نشب
فنما إلينا أمره ... وأتى إلينا المحتسب
عيسى وأصحاب له ... جاءوا لنا بالمنترب [٦]
ووراءهم جند كثـ ... ـير كالتراب إذا حسب
حرث وحجريون والـ ... ـهشم الغضارفة النجب
مع آل حبس [٧] أو وهيـ ... بة [٨] أو رواحة [٩] تنتدب
ندب [١٠] ورحبيون أيـ ... ـضًا والسيابي المنتصب
مع آل أسود إن دعوا ... يتواثبون على الميب [١١]
أو عامر [١٢] وبنو ريا ... م والقبائل نجتنب
من غافري أو هتا ... ويٍّ [١٣] تراهم كالشهب
فأتى إلينا داعيًا ... لنرد فيصل للعقب
فرأى البسالة في وجو ... هـ القوم منا تلتهب
سرنا لنحمي الدار عن ... أهل المعاصي والريب
حتى نزلنا بالفليـ ... ـج [١٤] من المكان المنتخب
سرنا وصادفنا العدو ... ومكانه منا قرب
لله وقفتنا بأم ... اللخم [١٥] إذ حمي اللهب
وترى التفاق [١٦] موجها ... ت للعدو المضطرب
وترى الكماة من الرجا ... ل كأسد غاب تنتشب
وترى المنايا في وجو ... هـ القوم تلمع كالشهب
والشمس في كبد السما ... ء على القماحد تلتهب
والأرض تشعل نارها ... وحصاؤها شبه الحطب
وهلال نجل سعيدنا [١٧] ... أورى الحروب لنا وشب
لما غدا متقحمًا ... لجج المنون ولم يهب
فهناك بان أخو البسا ... لة والجبان المكتئب
لو لم يكن عيسى أرا ... د العفو عنهم أو أحب
لرأيتهم جزر السبا ... ع مقطعين إرب إرب
فتصير أم اللخم أم ... اللحم مهما تنتسب
أو يرجعون كأنهم ... شعر تساقط عن جرب
وتحامت العربان طرًّ ... اعن ضياع ينتسب
إلا الصوايع [١٨] كالأُلى ... قد صوَّعوا بين العرب
لبسوا متى نصروا النصا ... رى كل عار مكتسب
فتشخصوا أشرافهم ... يتصارعون على العطب
ويسوسهم رجل [١٩] على ... حال الضلال نشا وشب
جاءوا وقنصلهم أما ... مهم كصنم منتصب [٢٠]
كانوا كرامًا يُحسبو ... ن من الكرام أولي الحسب
فغدوا عبيدًا للنصا ... رى فانظرن هذا العجب
واستثن من أشرافهم ... قومًا لهم فينا رتب
جند الأمير ومن غدا ... عند الأمير متى وثب
أعني سعيدًا نجل سا ... لم المهذب إذ ندب
فهو الذي قد كان في الـ ... أعداء سهمًا قد وصب
في عصبة نصروا الإلـ ... ـه مع الذي فيه احتسب
فأتى بجمع من بني ... حسن [٢١] غضاريف نجب
فاشتد عند وصولهم ... حبل الهدى من غير جب
فلهم إذا طاب الثنا ... طيب الثنا بين العرب
إذ هم غدوا إخواننا ... قد ساعدونا في الوصب
وانزاح عن أفكارنا ... بوصولهم كل التعب
واذكر محمد بن شا ... مس [٢٢] الذي في المجد خب
أَوَمَا رأيت ثباته ... ... يوم الزلازل تضطرب
فلقد سما بتقدم ... يوم الخؤن قد انقلب
وغدا عبيد الباليو ... ز كمثل نمل في سرب [٢٣]
قد ورَّثوا أبناءهم ... ثوب المذلة والعطب
فلسان كل الخلق تُهـ ... ـدي نحوهم شتمًا وسب
والحمد لله الذي ... رد الأعادي للعقب
في خيبة من سعيهم ... خابوا وخاب المنقلب