للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


رزء الشام بالشيخ محمد علي أفندي مسلم

وافانا نبأ وفاة هذا النابغة قبيل طبع الصحيفة الأخيرة من هذا الجزء. عاجلته
المنية بالأمس عن أربعين سنة أي: عندما بلغ أشده، واستوى، وصار يرجى منه
في تحمل أعباء الدعوة إلى الإصلاح أكثر مما سبق له؛ فكان ألم المصاب به
عامًّا، وأشد وقعة على أنصار العلم والإصلاح الذي فقدوا بفقده ركنًا ركينًا، وأخًا
كريمًا. وقد قال صديقه رفيق بك العظم هذه الأبيات المؤثرة في رثائه رحمه الله
وأحسن عزاءنا فيه:
أيها الموت كم هززت نفوسًا ... طالما هزت الخطوب الجساما
نحن كنا كالصلد إن مسه الخطـ ... ـب ورت ناره وأذكت ضراما
فاصطلمت الجلادة اليوم منا ... فغدا القلب يشتكي الآلاما
وتجاوزت غاية الصبر حتى ... قد فقدنا السكون والاحتشاما
مذ صدعت القلوب بالنبأ الفا ... جع صدعًا لن يقبل الالتئاما
ورميت الصديق منك بسهم ... دأبه أن يصيب منا الكراما
قد كفانا بالأمس فقد همام ... فلم اليوم قد فقدنا هماما
عمرك الله ما نطيق حياة ... بعد ذا الخطب أو نريد سلاما
كلما أنعم الزمان بفرد ... ورجونا أن ينفع الإسلاما
فجعتنا به المنون كأن الـ ... ـموت يفدي بالأكرمين الطغاما
أم كأن المنون حاكم قوم ... مستبد يصادر الأحلاما
يا عليا بت العلي وإنَّا ... لم نزل بالدنا نعاني السقاما
ما رعينا فيك الذمام وإلا ... لتبعناك لو رعينا الذماما
مذ رأيت الحياة في الشرق أضحت ... نكدًا يؤلم النفوس العظاما
كبرت نفسك العظيمة حتى ... ما تطيق الدنيا ولا الأجساما
فمضت للسماء تطلب فيها ... عالم الروح منزلاً ومقاما
حبذا منزلا ولكن في عيـ ... ـشك للناس حاجة ومراما
كنت للحق والفضيلة ركنًا ... فتداعى وللثبات قواما
ولقيت الخطوب ممن يعادي الـ ... ـعقل والعلم أو يحب الخصاما
فلك اليوم في النفوس مقام ... نلت فيه محبة واحتراما
فعليك العيون تبكي دماء ... وعليك السلام يتلو السلاما