(١) مقدمة سيدي نابغة المسلمين: دعاني إلى ترجمة الكتاب المسمَّى (من الخرافات إلى الحقيقة) الذي ألفه من قبل (م. شمس الدين) باللغة التركية - داعيان مستقلان: ١- قلة الأشغال. ٢- الألم الذي يستولي عليَّ حينما أرى حالة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كأنها تدين بدين غير الإسلام. أما قلة الأشغال: فإنه منذ زالت الحكومة الإسلامية إلى الآن من هذه البلاد (فلسطين) نزعت الوظائف السياسية والإدارية من يدنا معشر الشببة [١] المتعلمين من المسلمين، إلى النصارى ثم إلى اليهود، وبقينا بغير أعمال، فاشتغل بعضنا بالتجارة وبعضنا بغيرها واشتغل هذا العاجز بالترجمة والتأليف، هذا هو الداعي الأول. وأما حالة المسلمين وما تحدثه من الآلام فإنني لا أتصور مسلمًا يرى الهوة السحيقة التي يتدحرج فيها المسلمون ويسمع أنين هذه الكتلة البشرية ويسعه السكوت على ما يرى ويسمع، بل لا بد أن يتفجر في دماغه الذي هو معكس لصوت ذلك الأنين طوفان آلام يدفعه إلى عمل شيء ينفع به هذه الأمة. إن المسلمين الذين قضوا وقتًا طويلاً وهم يحكمون في العالم فيطاعون، ويسودون الأمم إدارة وعلمًا واقتصادًا فيتبعون، هم الآن ذليلون مهانون، يئنون تحت ضربات حكامهم الغرباء وطنًا ولغة ودينًا. إن العالم الإسلامي الذي كان يمطر على المسكونة مهابة وشرفًا قد انحنى وانزوى وغاب عن الأبصار، إن المسلمين الذين كان العالم يهتز طربًا أو اضطرابًا من صوتهم أمسوا اليوم مسودين مسوقين أُسراء. إن المدن الإسلامية التي كانت مرايا للرقي والحضارة بات البوم يعشش فيها، والمسلمون الذين كانوا يبارزون القوى الطبيعية أصبحوا اليوم يخافون من ظلهم، وأخذوا يتدحرجون في مهاوي الأوهام، بل أقول: إن ديار الإسلام أمست مقابر، والمسلمون فيها جنائز، ولا بد لهذا السقوط العام من مؤثر عام، إن هذا المرض المستولي على مسلمي آسية وأوربة وإفريقية والأوقيانوسية يبدي للناظر أعراضًا متشابهة وهذا ما حمل العقلاء على أن يقولوا: إن منشأ المرض شيء واحد ما دامت الأمة المسودة التي تئن تحت عوامل السيادة الأجنبية هي أمة واحدة، أمة محمد، صلى الله عليه وسلم. عجبًا ما ذاك العامل الذي رفع أمة عيسى وهبط بأمة محمد؟! ما ذلك الدَّرَج الذي صعدت عليه أمة عيسى حتى استوت على عرش الحكم؟ وما ذلك الدَّرَك الذي تحدرت فيه أمة محمد حتى وصلت إلى هذا المكان السحيق مكان المستعبد الخانع، مكان المسود التابع، مكان الأسير الخاضع؟ إن الرابطة التي تربط ثلاثمائة مليون ونيفًا من المسلمين هي (الدين) وبهذه الرابطة ملك المسلمون - أمراء اليوم سادة الأمس - أقاليم مختلفة، ثم عفت سلطنتهم في تلك الأقاليم شيئًا فشيئًا حتى انحصرت اليوم في الأناضول، ألا يوجد اليوم إقليم غير الأناضول لا يدين ويخضع لهؤلاء الفرنجة بل يسن قوانينه بدون استشارتهم وينفذها بنجوة من سيطرتهم [٢] ؟ لا مراء في أن الدين الإسلامي قد كان هو السبب لتعالي المسلمين، فهل يمكن أن يكون سبب الرقي والصعود، هو بعينه سبب التدهور والسقوط؟ لا لا [٣] بل الدين الذي كان سببًا لتعالي المسلمين هو غير الدين الذي هبط بهم اليوم إلى العبودية والذل، نعم إن بينهما - على الاشتراك في الاسم - فرقًا جليًّا وبونًا بعيدًا: كان المسلمون يحترمون الحقائق، وأما نحن فأسرى الخرافات. كان المسلمون أصحاب عقائد مستندة إلى العلم والنور وأما عقائدنا اليوم فمبنية على البدع والأوهام. إن هذا الكتاب لم يُكتب ويُجمع (ولم يُترجم) إلا لإراءة الفرق بين أجدادنا وبيننا ولأجل تصوير منشأ الخرافات الحاضرة. لا يسع عاقلاً مسلمًا يرى العالم الإسلامي يتدحرج في مهاوي الهلاك إلا أن يسعى لإنقاذه، وأول ما يخطر على باله هدم الخرافات وإقامة الحقائق محلها، وهذا لا يكون إلا بإحياء قواعد الدين الحقيقية التي رفعت المسلمين في القرون الأولى إلى سماء المجد، لأن الخرافات لا تحيي بل تذل ثم تميت. المسلمون اليوم أذلاء: لا جيش، لا أسطول، لا طيارات، لا معامل صناعة، لا مصارف مالية، لا سكك حديدية، لا علم ولا اختراع، لا سفراء ولا قناصل، وجملة القول: إنهم مجردون من كل ما يرفع النفس ويكون مدعاة الافتخار. لماذا؟ لأنهم غارقون في بحر من الخرافات. ربما كان هذا الكتاب سببًا لغضب الكثيرين الذين يصطادون في الماء العكر، ولكن المسلم الذي يرى الدين في تهلكة والأمة على شفير القبر، لا يقدر أن يسكت، ومن سكت فهو أسقط من مسببي هذا السقوط. فهذا هو السبب الثاني الذي دعاني إلى ترجمة الكتاب. وستكون مطالعتنا مؤيدة بآيات شريفة وبأحاديث منيفة منقولة من الجامع الصغير. إن من سنن الاجتماع التي لا تتبدل ولا تتغير أن الأمم التي تنزل من سماء الإقبال إلى حضيض الإدبار، ترى جميع حركات الأمم الحاكمة وسلطاتها حسنة معتدلة. مثال ذلك أن العالم المسيحي اليوم يجلس على عرش السلطة، والعالم الإسلامي يجلس على الأرض تحت كرسي ذلك الحاكم، وكل ما يخرج من مِلك الهلال يدخل في مِلك الصليب، والمسلمون لاهون يظن الجاهلون قصيرو النظر منهم أن سبب سقوطهم هو (الدين) والقصد من تأليف هذا الكتاب إبادة هذا الظن الباطل؛ لأن الإسلام من أسباب الرفعة والعلاء، لا السقوط والاستخذاء، وأما سبب إغلال مسلمي اليوم فهو خلط الإسلام النقي الصافي بخرافات الأولين. فإذا رجع المسلمون إلى (الدين الحق) كما هو فإنه ينفخ فيهم روح حياة جديدة وينجون من الاحتضار الواقع، وهذا لا يمكن إلا بترك الخرافات والتمسك بالحقائق، وهو موضوع هذا الكتاب. يتألف هذا الكتاب من ٢٢ فصلاً [٤] : ١- المستوى الفكري والاجتماعي في المحيط الذي ظهر الإسلام فيه. ٢- الطور الأول للإسلام. ٣- الضربة الأولى التي ضرب الإسلام بها. ٤- المؤثرات التي زلزلت الوحدة الإسلامية. ٥- تغلب روح الفرس على روح الإسلام. ٦- كيف طرأ الفساد على الإسلام، ومن أحدث ذلك. ٧- الفوضى الدينية والاجتماعية والسياسية وحزب القرامطة. ٨- عصابة الدراويش الفوضويين الحشاشين. ٩- عبدة الإمام علي. ١٠- مذهب الإسماعيلية. ١١- الدروز والنصيرية. ١٢- الباطنية: الروافض والصوفية والبكتاشية. ١٣- أخوة المسلمين تحتاج لرفع النفور المذهبي. ١٤- الأحاديث الموضوعة. ١٥- كتب المواعظ. ١٦- عبادة الأموات. ١٧- الاعتقادات الباطلة. ١٨- ضرورة رجوع المسلمين إلى الطريق الأول. ١٩- أساس الإسلام الأول النظر التعقلي. ٢٠- لا يكفر المسلم بسهولة. ٢١- لا يوجد تحكم ديني في الإسلامية. ٢٢- النتيجة. هذه هي فصول الكتاب، وسنبذل الجهد لأن يكون كاشفًا لحقيقة المرض ومحتويًا على العلاج النافع والله المستعان. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... نابلس ... ... ... ... ... ... ... ... ... حسني عبد الهادي ((يتبع بمقال تالٍ))