للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الدخول في الماسونية

(س٧) من السيد أحمد بن يوسف الزواوي في (مسقط) .
غب إهداء مراسم السلام، والتجلة والاحترام، لحضرة الماجد الهمام،
والأستاذ الإمام، السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار المنير، نهرع إلى بابه،
ونلتمس من سماحة جنابه، كشف ما يحوك في صدورنا عن هذه الجمعية، المدعوة
بالماسونية، فقد تضاربت فيها الأقوال، واستحكمت حلقات الجدال وفشى الخلف
في شأنها بين العلماء والأعلام، فمن مادح وذامّ، ومبيح الانتظام، ومفتٍ بأنه حرام،
إلا أننا نرى القائلين بالحظر يكيلون جزافًا، ويقتضبون اقتضابًا، على حين
استناد المبيحين إلى أصل الحل، ولما كان الناس لا يقتنعون إلا بجوابكم المؤيد
بالحجة المتكئ على البراهين، تيممناكم، ولنا وطيد الأمل وأكبر الرجاء بأن تثلجوا
غلتنا بالجواب الضافي الذيول، الكاشف عن موضوع تلك الجمعية وبُروغْرَامها
نِقاب الخفاء، حتى نقدم رافعين الرءوس على الانتظام في سلكها، أو نرفضها
رفض السقب غرسه ونحمل النفوس على فركها، ولا شك أن يكون كلامكم فصل
الخطاب وحاسم النزاع.
(ج) قد بينا من قبل أن هذه الجمعية سياسية أنشئت في أوروبة لإزالة
استبداد الملوك وسلطة البابوات، وفصل السياسة عن الدين بأن يكون التشريع من
حقوق الأمة غير مقيدة فيه بدين، وقد فعلت في أوروبة فعلها وأدت وظيفتها.
والذين ينشرونها في الشرق لهم أهواء مختلفة، ومنافع متعددة، والرياسة العامة
التي يرجعون إليها أوروبية، وإذ قد عرفتم حقيقتها وغرضها، فقد عرفتم حكم
الدخول فيها، وما سبب اختلاف الأقوال في حكم الانتظام في سلكها إلا اختلاف
العلم بحقيقتها، ولا يتسنى لأهل بلادكم أن يعرفوا هذه الحقيقة؛ لأن الذين يدعونهم
إليها لا يبينونها لهم، وإنما يرغِّبونهم فيها ترغيبًا إجماليًّا ويعدونهم بكشف الستار
عن الأسرار، بعد الترقي في الدرجات، ولم يقرءوا ما كتب فيها دعاتها وناشروها
من المدائح، وما يلطخها به خصماؤها - ولا سيما رجال الدين - من الفضائح،
ورُب مدح يمدحها به قوم يراه آخرون ذمًّا، وقد نشرها الإفرنج وأعوانهم
المتفرنجون في مصر والمدن العثمانية منذ عشرات من السنين فلم يكن لها من ثمرة
إلا إعداد النفوس لفصل السياسة والحكومة من الدين، والاستغناء عن الشرع
بالقوانين، والمؤاخاة بين المسلمين وغيرهم، وموالاتهم لهم، ولعله تبين لكم بهذا
الشرح كنه ما يمنونكم به من النفع، كما عرفتم ما يحكم به الشرع، وعسى أن
يزيل ما بينكم من الخلاف، الذي هو أول ثمراتها في تلك البلاد.