نشرنا في الأجزاء الثاني والثالث والرابع فصولاً في المؤتمر الإسلامي العام وما سبقه وما جرى فيه وسيرتنا فيه مما لم ينشر في الصحف التي اطلعنا عليها كما وقع؛ ولكننا كتبنا كلمة وجيزة في شأن اللجنة التنفيذية ومكتبها لتنشر في السادس فضاق عنها وها هي هذه: أخطأ المؤتمر العام في الطريقة التي اختارها لانتخاب لجنته التنفيذية إذ انتخب ٢٥ عضوًا من أقطار بعيدة عن المركز (القدس) لا يمكن اجتماعهم فيه، منهم الهندي والجاوي في الشرق والمراكشي والأوربي في الغرب، وآخرون مما بينهما، وقد اجتمع هؤلاء الأعضاء كلهم مرة واحدة في مساء اليوم الذي انتخبوا فيه وانتخبوا من أنفسهم ومن غيرهم بضعة أعضاء لإدارة مكتب اللجنة من المقيمين في فلسطين وسورية ومصر تصوروا أنه يمكن اجتماعهم؛ ولكن مضى على ذلك بضعة أشهر - أو نصف سنة - ولم يجتمعوا؛ وإنما كان خير ما وفقت له اللجنة التنفيذية اختيارها للرجل الأحوذي الكبير السيد ضياء الدين الطباطبائي الشهير ناموسًا لها (السكرتير العام) ومقامه في أوربة لم يتيسر له العودة إلى القدس إلا بعد المدة التي ذكرناها، عاد فشمر عن ساعد الجد واكتفى في إدارة أعمال المكتب بمن يوجد في القدس من أعضائه، ونفذ كثيرًا من قرارات المؤتمر، واتخذ الوسائل لتنفيذ غيرها، وأولهما تأليف اللجان للمؤتمر في جميع الأقطار الإسلامية لنشر مقررات المكتب وجمع المال لأعماله وأهمها إنشاء المدرسة الجامعة الإسلامية، وكان أول ما بدأ به من طلب المال أن كتب إلى أعضاء المؤتمر أنفسهم بالتبرع للمكتب بما تجود به أنفسهم ولا أدري ما فعلت العسرة المالية بهذا الطلب، إلا أنني عجزت عن التبرع بأقل ما يسمى تبرعًا، وإن صديقي محمود بك سالم الذي كان تبرع في المؤتمر بمائة جنيه مصري يؤديها في يوم عرفة كان يسألني لمن يؤديها وألح في السؤال من أول ذي الحجة، ماذا يفعل بها ولجنة المؤتمر لم تعين أمينًا للمال؟ فأقول له اصبر، حتى إذا علم مني ومن غيري أن السكرتير العام نظم مكتب للمؤتمر وهو مجد في العمل أرسل المبلغ، وكذلك التاجر المحسن أحمد أفندي حلاوة أرسل مائة جنيه كان تبرع بها، وأخيرًا تبرع له صاحب الدولة مصطفى النحاس باشا بمائتي جنيه مصري وأرسلها، وماذا تغني المائة والمئات والعمل يتوقف على الألوف من الجنيهات، وأكثر الناس معسرون ولكن الأغنياء الواجدين كثيرون، وأكثرهم يبخلون بما يجب عليهم، فأنى يجودون بالتبرعات للمنافع والمصالح العامة وهم لا يعقلون لها معنى، ويعتذرون بالعسرة وإن كانوا لم يذوقوا لها طعمًا؟ والرأي عندي أن لا يشرع المكتب الآن في جمع المال لإنشاء المدرسة الجامعة، بل يجب أولاً أن يعنى بوضع النظام والرسم الهندسي لبنائها، وتقدير النفقات الدقيقة لها، ثم يضع النظام لجمع المال من جميع الأقطار الإسلامية التي يعلم أن لأهلها من الحرية ما يمكِّنهم من البذل لمصلحة الإسلام العامة؛ فإن الترك في الجمهورية اللادينية لا حرية لهم في مثل هذا، ومثلهم بعض المسلمين الذين سلبهم المستعمرون كل أنواع الحريات البشرية. والواجب أن يُراعى في هذا النظام المالي أن يثق كل من يطَّلع عليه أن ما يبذله من المال لهذا العمل يوضع في قرار مكين وحرز أمين فلا ينفق شيء منه إلا فيما وهب لأجله، لا يخشى أن يضيع منه شيء من أيدي الجباة له ولا من أيدي غيرهم، وبعد إتمام النظام وطبعه وتأليف اللجان في الأقطار كلها تستشار هذه اللجان في كل قطر في الوقت المناسب للبدء في العمل. وأرى أنه يجب على مكتب المؤتمر أن يستعين برأي بعض كبار الماليين والإداريين في وضع هذا النظام ولا يستقل هو به؛ وإنما له أن يستقل بما يطلبه من التبرع للأعمال الإدارية العامة كالذي طلبه أولاً. هذا وإنني رأيت لجنة الجامعة التي ألَّفها المكتب قد وافقت السكرتير العام على البدء بثلاثة فروع من كلياتها: وهي الشرعية والصناعية والطبية، وأهملت الدعوة والإرشاد التي هي أهمها، وجل مباحث المؤتمر كانت تدور حولها؛ ولكن المكتب كلفني تأليف لجنة لها، ولم يبين لي صفة هذه اللجنة ولا عملها الآن، فأما نظام الإدارة ومناهج التعليم فقد سبق لنا وضعها وتنفيذها، ولا تحتاج إلا إلى تنقيح قليل، وأما جمع المال فهو الآن متعذر على أنه لا بد أن يسبقه ما اقترحنا من النظام العام له، وانتهاز الفرص في كل قطر بحسبه. هذا وإن ما عرض لنا في هذا الشهر وما قبله من كتابة الرسالة المقترحة في حقوق النساء في الإسلام وطبعها قد اضطرتنا إلى تأخير نشر خطبتنا الجامعة في المؤتمر العام إلى جزء آخر. وقد أرسل إلينا مكتب المؤتمر عدة بلاغات ونداءات للنشر أهمها النداء الآتي الذي صدر في هذا الشهر وهو: نداء إلى مهندسي المسلمين بشأن جامعة المسجد الأقصى بما أن المكتب الدائم للمؤتمر الإسلامي العام الذي تألف بعد انفضاض المؤتمر لتنفيذ مقرراته والنهوض بالواجبات الجليلة التي رسمها في اجتماعاته قد أتم بعون الله وتوفيقه تأليف لجنة من الفضلاء وأهل الراي للشروع في إنشاء جامعة المسجد الأقصى الإسلامية، التي كانت بلا مراء من أعظم وأجل المشروعات التي أقرها المؤتمر، والتي سيكون لها في تجديد نهضة المسلمين المقبلة أبلغ الأثر. ولما كانت جامعة المسجد الأقصى ستتألف في إبان إنشائها من ثلاث شعب: ١- شعبة العلوم الشرعية الإلهية. ٢- شعبة الفنون والصناعات. ٣- شعبة الطب والصيدلة. ولما كان الركن الأساسي في نجاح هذا المشروع الخطير قائمًا على تعاون المسلمين وتسابقهم في مضمار الخير؛ فإن المكتب الدائمي للمؤتمر الإسلامي العام يدعو كل مهندس مسلم يأنس من نفسه استعدادًا لخدمة هذا المشروع الجليل ابتغاء مرضاة الله أن يتفضل بإخبار المكتب باستعداده للشخوص إلى القدس الشريف لوضع الخرائط والتصميمات وفق القواعد التي يبينها المكتب لمن يعتمده من حضرات المهندسين. ويتعهد مكتب المؤتمر بأن يقدم لكل من حضراتهم نفقات الذهاب والإياب والإقامة بالقدس مدة العمل، أما المشاق التي يتكبدها مثل هؤلاء المجاهدين الفنيين فأجرها عند الله عظيم، وتقديرها عند العالم الإسلامي جليل، وأن كل مهندس تنال خرائطه وتصميماته الرجحان سينقش اسمه الكريم على باب هذا المعهد الإسلامي كشرف مخلد ومأثرة تبقى على ممر الدهور. {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (البقرة: ٢٧٢) ، {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} (المزمل: ٢٠) . ... أمين المال ... ... ... ... أمين السر العام محمد علي علوبة باشا ... ... ... ضياء الدين الطباطبائي