للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مناظرة في مساواة المرأة للرجل في الحقوق والواجبات

المحاكم الشرعية الأهلية وعلاقة كل منهما بالدين
- ١١ -
كان الحكم في البلاد الإسلامية كلها بالشريعة الغرَّاء؛ لأنها كاملة كافلة لجميع
مصالح البشر على أساس العدل والمساواة بين الناس، لا فرق فيهما بين مؤمن
وكافر، وبر وفاجر، ولا بين غني وفقير، أو ملك وسوقة، كما يرى الناس من
نصوصها إذ يدخلون المحاكم حتى الأهلية في الألواح المعلقة فوق رؤوس القضاة
من نص قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء:
٥٨) وهو معطوف على قوله قبله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: ٥٨) .
وفي القرآن الحكيم آيات أخرى في إيجاب العدل والمساواة، كقوله تعالى في
أهل الكتاب: {فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (المائدة: ٤٢) إلى
قوله: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (المائدة:
٤٢) وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ
عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِياًّ أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا
الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء:
١٣٥) فهذه الآية تأمر المؤمنين بالمبالغة في القيام بالقسط، أي العدل في الحكم
والشهادة التي يستند إليها الحكم بالمساواة كما تقدم، وفي معناها قوله جل شأنه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:
٨) تعبدنا الله بالعدل في الحكم والشهادة حتى بيننا وبين الأعداء والمبغضين بقوله:
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا} (المائدة: ٨) أي ولا يحملنكم عداوة
قوم وبغضهم على عدم العدل فيهم، فإن العدل حق الله أوجبه لجميع الناس فصار
حقًّا لهم بحكمه وإحقاقه تعالى.
ولما كان بعض القضايا يتعلق بأحكام الأديان في الحلال والحرام التعبديين بلغ
من حرية الإسلام ومراعاته للوجدان أن سمح للداخلين في حكمه من غير أهله أن
يتحاكموا إلى علماء دينهم في ذلك، وكل من هذا السماح وذلك العدل بالسواء مما
امتاز به الإسلام على جميع الشرائع والأديان، ولما كان المسلمون ينفذونه كما أمر
الله تعالى دخل أهل الملل التي فتحوا بلادها في دين الله أفواجًا باختيارهم واقتناعهم،
ومن بقي منهم مطمئنًا بدينه كانوا يفضلون أحكام المسلمين على أحكام أهل دينهم
في الغالب.
ولما صار الملك والحكم في المسلمين إلى الجاهلين بهذه الشريعة العادلة وغير
المتربين على التدين باتباع الحق والعدل كالأولين، ولما صار الوقوف على أحكام
الشريعة عسرًا وعر المسلك بسوء تأليف الكتب كتعقيد عباراتها وكثرة الخلاف في
أحكامها، ولما جمد فقهاؤها على الأقوال التي اختارها للحكم بعض من قبلهم من
علماء الترجيح والتصحيح، وحرموا الاستقلال في الفهم والاستنباط في الأقضية
التي تتجدد بأطوار الأزمنة والأمكنة، واختلاف العرف والمصالح المرسلة - لما
كان ما ذكر كله كما ذكر صار بعض حكام المسلمين يضعون لبلادهم قوانين عرفية
للأمور المدنية والسياسة التي لا تمس الوجدان الديني فيما أحل الله وما حرَّمه من
أحكام الزوجية والإرث والوقف، بل تركوا ذلك كله للشريعة وقضاتها وخصوا به
المحاكم الشرعية دون غيرها.
ثم بلغ من ضعف المسلمين وسيطرة الإفرنج على بعض حكوماتهم، ونفوذهم
السياسي والأدبي في بلادهم، وتوليهم أمر التعليم والتربية في مدارسهم، وما كان
وراء ذلك من زلزلة العقائد، وزعزعة قواعد العبادات والفضائل، أن طمع
الطامعون من الأجانب وأعوانهم في إلغاء المحاكم الشرعية، وهدم هذه البقية الماثلة
من التشريع الإسلامي، وحدث من الشكوى من اختلال هذه المحاكم ما حمل وزارة
الحقانية بمصر على اقتراح وسيلة للإصلاح استنكرتها العقول لغرابتها، وهي أن
يُعيَّن مستشاران من محكمة الاستئناف الأهلية عضوين في المحكمة الشرعية العليا،
فهاج المسلمون لهذا الحدث هيجة عامة، وحملوا على الحكومة في الجرائد حملة
منكرة، واجتمع علماء الأزهر لأول مرة في هذا العصر للإنكار على الحكومة
فاضطرت إلى الإحجام عن تنفيذه.
يومئذ سألت الأستاذ الإمام رحمه الله عن واضع هذا المشروع وعن سببه،
وكنت دُهشت لصدوره عن وزارة الحقانية في عهد ذلك الوزير الفقيه المسلم
(إبراهيم باشا المناسترلي) ! فقال الأستاذ: إن الواضع له غير مسلم (وهو بطرس
باشا) وإن الغرض منه التمهيد لإلغاء المحاكم الشرعية، وجعل الحكم في الأمور
الشخصية من خصائص المحاكم الأهلية؛ لأن طلبة الحقوق يتعلمون الفقه الإسلامي،
فهو يريد أن يتعود المسلمون بالتدريج حكم لابسي الطرابيش في القضايا الشرعية
حتى لا يبقى لهم في الحكومة المصرية شيء من المشخصات الملية، هذا ما قاله
الأستاذ الإمام يومئذ، وعلمت أنه قاوم المشروع سرًّا بالوسائل المؤثرة.
ولا يزال خصوم الشرع الإسلامي والكارهون للصبغة الإسلامية في هذه البلاد
التي يدين سوادها الأعظم بالإسلام يجددون الحملات الظاهرة والدسائس الباطنة
لمحو كل ما هو إسلامي فيها، ولعل غرضهم من هذه المناظرات والمحاضرات
الآن التمهيد لمطالبة البرلمان بإلغاء المحاكم الشرعية باسم (توحيد القضاء) فبدا
لهم من الشعب الإسلامي عامة وشبانه العصريين خاصة ما رأوا أثره في الحكومة
وفي البرلمان أيضًا، وأما نحن علماء الإسلام فنجيبهم عما سألونا عنه وتحدونا به
في هذا الموضوع، وظنوا أنهم أقاموا به علينا الحجة - وقد تقدم نصهم فيه - في
المقالة التي قبل هذه فنقول:
الفروق بين الأحكام الشخصية والمدنية:
(أولاً) إن بين حكم المحاكم الأهلية في الدماء والأموال، وبين الأحكام
الشخصية في المسائل الزوجية من ثبوت عقد نكاح وطلاق وفسخ وعدة ونفقة وفي
المواريث - فرقًا، بل فروقًا يكفي واحد منها لبطلان قياس أحدهما على الآخر
(أهمها) أن أكثر أحكام العقوبات والأموال في الإسلام اجتهادية لا نصوص قطعية
ثابتة في كتاب الله أو سنة رسوله القطعية الرواية والدلالة التي يجب أن يلتزمها كل
مسلم علم بها في نفسه وفي حكمه إن كان حاكمًا كما تقدم شرحه بخلاف حكم الميراث
فإنه قطعي بالنص كما تقدم أيضًا، فلا يقاس أحدهما على الآخر.
(ثانيًا) إن الحدود القطعية المنصوصة قال بعض الفقهاء: إنها منوطة بالإمام
الأعظم (الخليفة) أو نائبه، والحكمة في شدتها الإرهاب المانع من الجرأة على
إزهاق الأرواح وانتهاك الأعراض بالفاحشة الكبرى، وابتزاز الأموال والإخلال
بالأمن العام وهي تُدرأ بالشبهات، ولو كانت الحكومة المصرية تقيم هذه الحدود كما
أمر الله تعالى ورسوله لما نشأ في هذه البلاد ما يشكو منه جميع الناس من اختلال
الأمن وكثرة القتل وفشو الفحش وأمراضه، كما هو الشأن في نجد وفي بلاد الحجاز
الآن، وكذا غيرهما من بلاد العرب، وإن لم يبلغ شأوهما في عموم الأمن،
ولصارت السنون تمر ولا يثبت على أحد إقامة حد.
حُكي لنا أن والي عدن الإنكليزي سأل مرة سلطان لحج: هل تقطعون يد
السارق حقيقة كما يقال؟ قال: نعم، قال الوالي: أليست هذه قسوة فظيعة؟ قال
السلطان: إنها قسوة عادلة ترهب الجناة، فتمر السنون ولا يسرق أحد في بلادنا
شيئًا، وأما أنتم فإن سجونكم مكتظة باللصوص والمجرمين.
وإني لأعجب من تقليد الناس بعضهم لبعض في استهجان قطع السارق
المجرم واختصاصهم إياه بالرحمة والرأفة والرقة واللطافة (والنزاكة والجنتلمانية
أيضًا) دون القاتل، مع أن قطع اليد من الكوع إلى الكرسوع أهون عند المجرمين
من قطع الرقبة، ومن عساه يخشى الفضيحة الدائمة برؤية يده مقطوعة لبقية من
شعور الشرف في نفسه - يكفيه هذا وازعًا يزجره عن الإقدام على السرقة، على أن
كثيرًا من هؤلاء المجرمين يقطعون أيدي النساء وأرجلهن لسلب أسورتهن
وخلاخيلهن إذا تعذر أو تعسر عليهم نزعها بدون قطع، فما معنى هذه الرأفة والرقة
المدنية في مجازاة هؤلاء القساة الوحشيين بوضعهم في سجون هي خير لهم من
بيوتهم؟ وقد اشتهر عن بعض المجرمين في مصر أنهم يرتكبون الجرائم أحيانًا
لأجل أن يُسجنوا فيتمتعوا بمعيشة السجن، وإن سرق ذو مروءة مرة واستحق الحد
فلا يعجزه أن يجد شبهة تدرأه عنه، وللقاضي العادل الرحيم أن يتساهل في قبولها
منه، وقد قال بعض الفقهاء: إن السارق إذا ادعى أن المسروق ملك له وقد استرده
بالسرقة كانت هذه الدعوى شبهة دارئة لحد القطع، فإن لم يثبت دعواه حكم عليه
بالتعزير الذي يراه القاضي لا بقطع اليد.
(ثالثًا) إن ما تحكم به المحاكم الأهلية من قتل أو مال مخالفًا لنصوص
الشرع القطعية، أو لما يعتقده القاضي من أحكامه الظنية - فإنما إثمه عليه دون أفراد
الأمة الذين لا يملكون منعه من هذا الحكم، وليس هذا كأحكام النكاح والطلاق
والميراث متعلقًا بوجدان الدين للأفراد الذين يحكم لهم أو عليهم، فإذا أعطت
الحكومة للمرأة حق الطلاق تستقل به وطلقت زوجها؛ فإن طلاقها هذا يكون باطلاً
في عقيدته وعقيدتها إن كانا مسلمين كما هو المفروض، وعصمة الزوجية بينهما
باقية، فلا يباح لها أن تتزوج بغيره، فإن تزوجت كانت زانية، وإن استباحت ذلك
كانت مرتدة عن الإسلام، ويقال مثل هذا فيما تعطيها الحكومة من الميراث مخالفًا
لحكم الله تعالى، لا يحل لها أخذه والتصرف فيه. لهذا قلنا: إن دعوة المسلمين إلى
هذا النوع من المساواة دعوة لهم إلى ترك دينهم؛ لأن من يستجيز ذلك يكون كافرًا
مرتدًّا عن الإسلام.
(رابعًا) إن الذين يدعون المسلمين إلى هذا يبنون دعوتهم على أنه هو
العدل والحق والصواب، وأن حكم الله باطل وظلم وخطأ، ومن اعتقد هذا كان
مرتدًّا عن الإسلام أيضًا وإن لم يعمل به {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:
٦٥) قال هذا في المنافقين الذين يرغبون عما أنزل الله إلى حكم الطاغوت (راجع
تفسير الآيات ٥٩ - ٦٥ من سورة النساء) .
(خامسًا) إن الحكومة المصرية لما قررت العمل بقوانين فرنسة المقتبس
أكثرها من الشريعة الإسلامية ولا سيما مذهب المالكية - لم يكن للأمة المصرية التي
يدين سوادها الأعظم بالإسلام قول ولا رأي في شؤون الحكومة، وكان من أسبابه
تقصير علماء الأزهر في القيام بما يجب عليهم من إغنائها بأحكام الشريعة الغراء
عن سواها، ومن المشهور أن إسماعيل باشا طلب منهم ذلك فلم يستجيبوا له.
حدثني علي باشا رفاعة قال: حدثني والدي أن إسماعيل باشا الخديو استحضره
وقال له: يا رفاعة بك إنك أزهري تعلمت وتربيت في الأزهر، فأنت أعلم الناس
بعلماء الأزهر، وأقدرهم على إقناعهم بما ندبتك له: إن الإفرنج قد صار لهم حقوق
ومعاملات كثيرة في هذه البلاد، وتحدُث قضايا بينهم وبين الأهالي، وهم يشكون
إليَّ أنهم لا يعلمون بماذا يُحكم لهم أو عليهم في هذه القضايا ليراعوه ويدافعوا به عن
أنفسهم؛ لأن كتب الفقه التي يحكم بها علماؤنا معقدة وكثيرة الخلاف، فاطلب من
علماء الأزهر أن يضعوا كتابًا في الأحكام المدنية الشرعية مثل كتب القوانين في
تفصيل موادها وعدم وجود خلاف فيها يترتب عليه اختلاف القضاة في أحكامهم،
فإن لم يفعلوا فإنني أضطر إلى العمل بقانون نابليون الفرنسي - أو ما هذا مؤاده.
قال علي باشا رفاعة: فأجابه والدي بقوله: يا أفندينا إنني سافرت إلى أوربة
وتعلمت فيها، وخدمت الحكومة وترجمت كثيرًا من الكتب الفرنسية باللغة العربية،
وقد شخت ووصلت إلى هذه السن ولم يطعن أحد في ديني، فإذا أنا اقترحت الآن
هذا الاقتراح على علماء الأزهر بأمر أفندينا فإنني أخشى أن يقولوا إن الشيخ رفاعة
قد ارتد عن الإسلام في آخر عمره برضاه بتغيير كتب الشريعة وجعلها كالقوانين
الوضعية، فأرجو أن يعفيني أفندينا من تعريض نفسي لهذا قبل موتي لئلا يقال إنه
مات كافرًا اهـ. فلما يئس الخديو منهم أمر بالعمل بالقوانين الفرنسية وتأسيس
المحاكم الأهلية، ولم يبال بالعلماء ولا بغيرهم.
أما وقد صارت الحكومة المصرية دستورية نيابية، وقد دخل كثير من علماء
الأزهر والمعاهد الدينية في طور جديد من استقلال الفكر ومعرفة حال العصر، وقد
قرب زوال السيطرة الأجنبية التي كانت السبب الأول في ترك التشريع الإسلامي
في الأحكام المدنية والعقوبات - فقد تمهدت الأسباب الأصلية لإعادته سيرته الأولى،
وإظهار عدالته العليا، وما على العلماء المجددين إلا أن يقوموا بما اقترحناه مرارًا
من تصنيف كتب شرعية في الأحكام المدنية والتأديبية موافقة للمصالح العامة في
هذا العصر، وكافلة للعدل والمساواة بين جميع الناس، وانتظار الفرص لتقرير
البرلمان المصري لها، بما يظهر له من وجوه تفضيلها على غيرها.
وليس في القوانين الحاضرة ما يخالف المجمع عليه بين علماء المسلمين من
الأحكام الثابتة بالنصوص القطعية، إلا أحكام قليلة كإباحة الفاحشة والخمر والربا
الذي قال الإمام أحمد وغيره أنه لا شك فيه، لا كل ما يسميه الفقهاء ربا بالقياس
غير الجلي (وهو ما حققناه من قبل في تفسير آيات الربا من الجزء الثالث والرابع
ونعيد تحقيقه في هذه الأيام) .
ولو وُجدت حكومة إسلامية تقيم الشريعة السمحة الرحيمة العادلة كما أنزلها
الله تعالى، حتى منع الربا المخرِّب للبيوت الذي يجعل المال الكثير دولة بين
الأغنياء الذي كان سببًا لحدوث هذه المذاهب البلشفية التي تدفع الفاسد بالفاسد، لو
وجدت حكومة إسلامية بهذا المعنى لكانت قدوة للعالم المدني الذي يئن ويتوجع من
مفاسد المدنية المادية (الرأسمالية) من جهة، ومن إسراف البلشفية في معارضتها
من جهة أخرى.
دع مفاسد الإسراف في الشهوات البدنية، وخروج النساء من حظيرة الزوجية
والأمومة إلى الإباحة المطلقة أو ما يقرب منها، وفي الشريعة الإسلامية علاج
لجميع هذه المفاسد إذا وُجدت حكومة غنية قوية تقيمها بالقسطاس المستقيم الذي
شرعه الله تعالى.
نعم إن هذا يتعذر الآن على مصر - وهي على ما نعلم - ولهذا يتحدانا
الدكتور فخري وملاحدته بأن نطلب العمل بجميع أحكام الشريعة، وإننا نطلبه غير
هيابين ونقول إنه ممكن، فإن تعذر على مصر اليوم فلا يتعذر على حكومة إسلامية
أخرى تسبقها إليه، ومتى وُجدت القدوة وظهر أثرها المنتظر في العالم المدني تيسر
لحكومة مصر أن تخطو خطواتها الواسعة اللائقة بمكانتها العلمية وما ذلك على الله
بعزيز.
(للمقالات بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))