إن هذا الرجل لم يحذق شيئًا من أمور سياسة العالم إلا الدعاية لنفسه بالخداع وقول الزور والوعود التي تكذّبها الأعمال والأيام , وقد نشر منشورًا سمّاه منشور العودة، وعد فيه بتأليف (مجلس شورى للخلافة) , ولن يكون إلا آلة لدعايته وأهوائه كمجلس وكلائه , وقد استشهد فيه بحديثين يدلان على جهله بأشهر ما يدور على ألسنة العوام من الأحاديث النبوية , فكيف يكون نائبًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أجهل من أكثر العوام بسنته؟! (الحديث الأول) : ما أورده بهذا للفظ: (لا يتم إيمان أحدكم حتى يتمنى لأخيه ما يتمنى لنفسه) , ولفظ الحديث في الصحيحين وغيرهما عن أنس مرفوعًا: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ,والحب فوق التمني، فقد يتمنى الإنسان الخير لمن لا يحبه ولا يبغضه. (الثاني) : (لا يزال العبد مع مولاه ما زال في خدمة أخيه المسلم) وهذا مما يدور على ألسنة العوام بلفظ (كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) , ولم أسمعه من أحد بلفظ منتحل الخلافة , وهو لا يوجد في الصحاح ولا السنن ولا المسانيد , بل ورد ما في معناه في بعض الكتب التي تعنى بجمع الروايات الشاذة والواهية , وكذا الموضوع في الترغيب والترهيب، فقد روى ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، والخرائطي في مكارم الأخلاق عن أنس: (من أعان مسلمًا كان الله في عون أخيه , ومن فك عن أخيه حلقة، فك الله عنه حلقة يوم القيامة) , والمراد بالحلقة: الرق. وحسين بن علي يسترق الأحرار والحرائر , ويأذن ببيعهم وبيعهن في حرم الله تعالى , وقد غضب على بعض التكرور؛ لرغبتهم في التطوع للحرب مع الدولة حين أمرته هو بالدعوة إلى ذلك عند إعلان الحرب الأخيرة. فجازاهم على ذلك من حيث يظنون أنهم أطاعوه؛ بأن أمر بخطف أولادهم وبيعهم , فنفذ أمره أحد الشرفاء الأشقياء مثله , ولو شئنا لذكرنا اسمه وكنيته. ((يتبع بمقال تالٍ))