للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة الدينية وأجوبتها

(١) من الشيخ أحمد محمد الألفي في طوخ القراموص: هل الاجتهاد
المطلق فرض عين على كل مسلم ومسلمة؟ أم فرض كفاية؟ أم لا هذا ولا ذاك؟
وما هو الدليل النقلي الذي لا يحتمل التأويل؟
(ج) الاجتهاد المطلق الذي يستعد ذووه لمعرفة الأحكام الشرعية في كل
باب فرض كفاية؛ لأن المصلحة تقوم فيه بالبعض، ومن الحرج الشديد أن يُكَلَّف
به أحد، وقد اشترطوا في القاضي والمفتي الاجتهاد؛ لأن وظيفة الأول الحكم،
ووظيفة الثاني البيان لما يعرض من الأقضية والمسائل التي لا نص فيها، فلا بد
أن يكونا قادرين على استنباط الأحكام لئلا تتعطل المصالح، وهذا واضح لا غبار
عليه، وترون الكلام في الموضوع مفصلاً في محاورات المصلح والمقلد، فتتبعوها
إلى آخرها، وإن رأيتم فيما كُتب إلى الآن بعض إجمال أو شذوذ عما عرف عن
الفقهاء في بعض الجزئيات، هذا إن كنتم تريدون بالدليل الدليل في المسألة كما هو
الظاهر، وإن كنتم تريدون مطلق الدليل النقلي الذي يفيد القطع، فهو ما كان نصًّا
في معناه لا يحتمل غيره متواترًا في لفظه كالقرآن.
***
(٢) ومنه: من الذي قال من المجتهدين أو المقلدين بحرمة أو كراهة تعلم
العلوم الرياضية والطبيعية والفلكية وبالإجمال كافة العلوم المجردة من الإلحاد سواء
كانت عصرية أو غير عصرية؟ وهل إذا قصَّر بعض علماء المسلمين في عدم
تعلم وتعليم هذه العلوم ينسب ذلك التقصير إلى علم الفروع الفقهية؟ أم إلى نفس
ذلك المقصر؟ وما هو الدليل؟
(ج) لمَّا حدث في المسلمين علم الكلام والجدل في الدين مقته وذمه غير
واحد من الأئمة المجتهدين كما رأيتم في الجزء ٢٢ من منار السنة الماضية، ولمَّا
ظهرت الفلسفة اليونانية فيهم ومزجوها بمباحث العقائد كان بعض العلماء يقول
بوجوب تعلمها للمدافعة عن العقائد، وبعضهم يحرِّم ذلك ويقول: لا حاجة إليها في
إثبات العقائد، حتى كان في الفقهاء من حرَّم المنطق، ولا يمكن حصر هؤلاء
بأسمائهم ولا حاجة إليه، وحسبك ما قاله الإمام حجة الإسلام في العلوم التي ليست
بشرعية - أي: لم تؤخذ عن الأنبياء عليهم السلام - قال رحمه الله تعالى:
(فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود، وإلى ما هو مذموم،
وإلى ما هو مباح، فالمحمود ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب،
وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية، وإلى ما هو فضيلة وليس فريضة، أما فرض
الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا [١] كالطب؛ إذ هو ضروري
في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري
في المعاملات وقسمة الوصايا
والمواريث وغيرهما، وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل
البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين [٢] ، ولا يتعجب من قولنا:
إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض
الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحجامة والخياطة [٣] ؛ فإنه لو خلا البلد
من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك؛ فإن الذي أنزل
الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه، فلا يجوز التعرض
للهلاك بإهماله.
وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب وغير
ذلك مما يستغنى؛ ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه [٤] ، وأما المذموم منه
فعلم السحر والطلسمات، وعلم الشعبذة والتلبيسات [٥] ، وأما المباح منه فالعلم
بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار [٦] وما يجري مجراه) اهـ.
ومنه يعلم أن المقصِّر في العلوم النافعة تبعة تقصيره عليه.
***
(٣) ومنه: هل أحكام الفروع الفقهية في المذاهب الأربعة أو غيرها من
مذاهب المجتهدين أصلح في العمل لنظام المجتمع أم القوانين الوضعية؟ وما هو
الدليل؟ .
(ج) الأصلح لنظام المجتمع ما قام به العدل والمساواة بين الناس في
الحقوق، والأحكام الفقهية تفضل القوانين عندنا معشر المسلمين، وهي أصلح
لمجتمعنا من القوانين؛ لاعتقادنا بوجوب العمل بها، فهي مصحوبة بقوة تنفيذية في
قلب الإنسان، ووازع نفسي يحمله على مراعاتها سرًّا وجهرًا؛ ولكن اتباع مذهب
واحد فيه حرج وإخلال بالمصلحة في بعض المسائل، كما أن الخلاف وتعدد
الأقوال ينافي المصلحة، ولا تقوم مصلحة المسلمين بهذه الأحكام إلا إذا أُلِّف كتاب
منقح خالٍ من الحشو والتعقيد والخلاف يفي بحاجة الأمة، ويؤخذ من كتب جميع
الأئمة على ما بيناه في مقدمة تقرير فضيلة مفتي الديار المصرية في إصلاح
المحاكم الشرعية المنشورة في المجلد الثاني من المنار.
(٤) ومنه: هل تلقين العهود وسلوك طريق الآخرة والإرشاد إليها وزيارة
الصالحين الأحياء والميتين مشروع أم منكر؟
(ج) الظاهر أنكم تريدون بتلقين العهود ما عليه القوم الذين يُسَمَّون أهل
الطريق، وهو أمر لم تَرِدْ به سنة صحيحة، وأما ما كان مثل مبايعة النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم للمؤمنين والمؤمنات فلا وجه للسؤال عنه، وأما سلوك طريق
الآخرة فإن كان بالعمل بالكتاب والسنة والاهتداء بهدي الراشدين، فهو الدين القيم،
والإرشاد إليه واجب بما أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه،
وما زاد على ذلك فهو منكر وشرع لم يأذن به الله، وأما زيارة الصالحين الأحياء
فهي تدخل في عموم الأمر بالبر والصلة والحب في الله كما تدخل زيارة قبور
الميتين في عموم حديث (فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فزيارتها على هذا الوجه
مشروعة، وما يزيده الجهال من تقبيل الأعتاب والطواف والاستعانة على قضاء
الحاجات فهو من البدع المنكرة، كما فصلناه مرارًا في المنار.