للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الخطب الأكبر بانتهاك حرمات الله في يوم الحج الأكبر
بعد تلك الخطب الجامعة في محفل الحاج الأكبر

في يوم العيد الأكبر الذي سماه الله يوم الحج الأكبر، في الشهر الحرام، في
البلد الحرام في البيت الحرام، بين الركن والمقام، عند طواف ركن الإسلام،
يظهر ثلاثة رجال بلباس الإحرام، من حجر إسماعيل عليه السلام، ويهجمون
بخناجرهم اليمانية ليغمدوها في صدر رجل الإسلام، مقيم شعائر الإسلام، حافظ
مشاعره العظام، كافل الأمن فيها لأهل الإيمان، من عدوان أمثالهم الخارجين عن
شرع الله، أي رجل أرادوا أن يغتالوا قاتلهم الله؟
الإمام عبد العزيز الذي أعزه الله، وأعز به الإسلام، ابن عبد الرحمن
الفيصل الذي رحم الله به جزيرة العرب وجعله فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة،
وبين السنة والبدعة، ابن السعود الذي أسعد الله به العرب وأعزهم، وأذل من
يحاول إذلالهم، تصدى لهذه الجناية هؤلاء الثلاثة من المنتهكين لحرمات الله،
المستحلين لأقدس ما حرمه الله، النابذين لكتاب الله، المستبيحين لأشرف ما حظره
الله، المؤثرين لطاعة شيطانهم من الإنس والجن على طاعة الله، في قوله: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الحَرَامَ وَلاَ الهَدْيَ وَلاَ القَلائِدَ وَلاَ
آمِّينَ البَيْتَ الحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} (المائدة: ٢) وناقضي
عهده وسنته فيقوله ممتنًّا على خلقه {وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا
مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: ١٢٥) لا مغتالاً ومقتلاً، وناكثي وعده،
واستجابة الدعاء لخليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم في سورته وسورة البقرة بأن
يجعل هذا البلد آمنًا، ومتعمدي عصيان رسوله خاتم النبيين؛ إذ قال في مثل هذا
اليوم في منى من حجة الوداع مبلغًا لأمته، خطيبًا على ناقته (أي يوم هذا؟) قال
الراوي: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: (أليس يوم النحر؟)
قلنا: بلى، قال: (أي شهر هذا؟) فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه،
فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى، قال (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم
حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد منكم الغائب؛
فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه) الحديث متفق عليه، رواه بهذا اللفظ
البخاري في كتاب العلم.
والأحاديث في حرمة مكة وأنه لا يجوز أن يقتل في أرض الحرم كله صيد،
ولا ينفر حتى من ظل يستظل به، ولا يقطع شجره كله مشهور عند المسلمين،
ومشهور أن المشركين كانوا في جاهليتهم يحترمون البيت الحرام والشهر الحرام،
وأن الرجل كان يرى قاتل والده في الحرم، فلا يعرض له بأذى ما دام فيه، على ما
تواتر عنهم من تقديس أخذ الثأر، والاستهانة بسفك الدماء.
كان أولئك الثلاثة شرًّا من عبدة الأصنام فيما حاولوا من اغتيال إمام المسلمين،
وحامي بيت ربهم، وسكانه والوافدين إليه من حجاجه وغيرهم، في أقدس مكان
منه، في أقدس زمان منه، عند أداء أقدس نسك فيه، وهو طواف الإفاضة، فأي
عدو لله ولرسوله ولدينه ولحرماته هم؟ هذا أمر إمر، وجرم نكر، هذه جناية لا
أفظع ولا أكبر منها في الإسلام؛ إذ لا يمكن وقوع مثلها في غير هذا الزمان وهذا
المكان وهذا العمل، وهذا الرجل، ألا وهو الإمام عبد العزيز ملك المملكة العربية
الذي فعل في تأمين الحرمين الشريفين ما عجزت عن مثله دول الإسلام من بعد
الخفاء الراشدين إلى عهده، حماه الله وأيده ونصره وخذل كل عدو لله وأذلهم.
هذا شأن الجناية في نظر الدين، وحكم كتاب الله وسنة رسوله وإجماع
المسلمين، وأما شأنها في نظر السياسة العامة: إسلامية ودولية؛ فقد كان فيها من
الخطر لو ظفر هؤلاء الأشرار الفجار الذين هموا بما لم ينالوا كما فعل أئمتهم من
المنافقين في غزوة تبوك من الهم بتشريد راحلة النبي صلى الله عليه وسلم به لقتله
صلوات الله وسلامه عليه، مما لا يسهل على أحد أن يحيط به، وأقربه من الفكر
- كما قال وكتب كثير من الحجاج - أن يختل الأمن العام في ذلك اليوم العظيم، ويقع
من المذابح في الحجاج ما تسفك فيها دماء الألوف منهم، وقد يقضي ذلك إلى اختلال
الأمن في الحجاز، وتدخل دول أوربة فيه لحفظ رعاياهم.
تبًّا لمغري هؤلاء الأغرار الفجار ومشتريهم لإحداث هذه الفتنة التي هي أعظم
خطر على الإسلام والمسلمين في حرم الله ومشاعره وإقامة ركنه، فلعلهم لو نالوا ما
أقدموا عليه لكان وراء ذلك من الخطر على استقلال الحجاز ووضعه تحت مراقبة
دول الاستعمار ما لا يعقله هؤلاء الأشرار، ولا يبالي به فيما يظهر شيطانهم الجهول
الختَّار، إذ لا يعقل أن يقدم هؤلاء العوام الأغمار على تعريض أنفسهم للهلاك في
الدنيا والآخرة من تلقاء أنفسهم، وهاك ما صدر من بلاغ رسمي عنهم.
* * *
البلاغات الرسمية
(رقم ٢٤)
نبدأ بحمد الله الذي أخزى أعداءه في كل موقف، وأفسد كل تدبير لهم، وآخر
ذلك أنه عندما كان جلالة الملك المعظم يطوف طواف الإفاضة الساعة الواحدة
عربية من صباح يوم الجمعة العاشر لشهر ذي الحجة، وبينما هو في الشوط الرابع
عند الحجر الأسعد تقدم منه شخص معه خنجر، وهَمَّ بطعن جلالته، وكذلك كان
اثنان آخران من الخلف يحملان الخناجر، فالتقط سمو الأمير سعود الرجل الأمامي
ليرمي به بعيدًا، فعجل أحد رجال حرس جلالته الرجل برميه بالبندقية فقتلته، وهم
أحد النفرين اللذين كانا في الوراء بطعن سمو الأمير سعود؛ ولكنه أصيب برصاصة
من الحرس فقتلته، كذلك قُتِلَ الشخص الثالث، وثبت أن هوية الفاعلين من زيود
اليمن، والتحقيق جارٍ لمعرفة أسباب الحادث، والدافعين له، ونحمد الله على أن
جعل كيد أهل الكيد في نحورهم، وجلالة الملك وسمو ولي عهده أتما الطواف
كأن الحادث لم يقع وهما - من فضل الله - بكل خير وعافية، ويستقبلان وفود
المهنئين بالعيد السعيد كجاري العادة.
... ... ... ... ... ... ... ١٠ ذي الحجة سنة ١٣٥٣
* * *
(رقم ٢٥)
في الساعة الواحدة عربية من صباح يوم الجمعة الواقع في العاشر من ذي
الحجة شرع حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وحضرة صاحب السمو الملكي
ولي العهد، ورجال حاشيتهما وحرسهما الخاص، وثلة من الشرطة بقيادة مفوض
شرطة الحرم في طواف الإفاضة، وكان الحرس والشرطة تواكب جلالة الملك
وسمو ولي العهد من الأمام واليمين والخلف، وكان البيت على اليسار، ولا يفصل
بينه وبين جلالته وسموه أحد من الحاشية والحرس، وبعد انتهاء الشوط الرابع التزم
جلالة الملك الحجر الأسود، وتقدم في سيره إلى أن حاذى باب الكعبة، وإذا برجل
يخرج من فجوة حجر إسماعيل الشامية منتضيًا خنجره، وهو يصيح بصوت مرتفع،
وبكلام غير مفهوم تمامًا، فقابل لدى خروجه أفراد الشرطة الذين يسيرون في
مقدمة الموكب الملكي، فمسك به أحدهم قاصدًا رده؛ ولكن المجرم عاجله بطعنة من
خنجره، فوقع الشرطي الشجاع أحمد بن موسى العسيري على الأرض ودمه يقطر،
فأمسك بالمجرم شرطي آخر مجدوع بن شبياب؛ ولكنه أصيب بطعنة من خنجر
المجرم فمال إلى جانب رفيقه، وفي هذه اللحظة شوهد رفيق للمجرم الأول يتقدم
من خلف الموكب والظاهر أنه خرج من الفجوة الأخرى لحجر إسماعيل، وجاء من
جهة الركن اليماني إلى قرب الحجر الأسود، فاستعد رجال الحرس الملكي ببنادقهم
إلا أن جلالة الملك أصدر أمره المطاع في تلك الساعة الرهيبة الحرجة بأن لا
يستعمل الحرس البنادق والرصاص إلا حين الضرورة القصوى، فلما ثبت أن
المجرم قد طعن شرطيين باسلين، وأن المجرم الثاني على وشك أن يصل إلى سمو
ولي العهد تقدم عبد الله البرقاوي أحد الحارسين الشخصيين لجلالة الملك من المجرم
الأول، وأطلق عليه بندقيته قبل أن يتمكن من ارتكاب جنايات أخرى، فخر صريعًا
عند مدخل حجر إسماعيل، وأما المجرم الثاني؛ فإنه تقدم مشهرًا خنجره أيضًا،
وكاد أن يطعن سمو ولي العهد طعنة نجلاء إلا أن خير الله الحارس الشخصي لسموه
عاجله برمية من بندقيته فأردته قتيلاً في الوقت الذي لامس خنجره أسفل الكتف
اليسرى لسمو الأمير سعود، فلم تحدث الطعنة سوى خدش بسيط ولله الحمد والمنة،
وحينما رأى المجرم الثالث ما حل برفيقيه، وكان قد خرج على ما يظهر من
حجر إسماعيل مع المجرم الثاني، واتجه من جهة الركن اليماني إلى جهة الحجر
الأسود أطلق رجليه للريح قاصدًا النجاة بنفسه، فصرعه رصاص بنادق الشرطة
والحرس الملكي، فسقط على الأرض وهو ينازع وظل على قيد الحياة ما يقرب من
ساعة تمكن المحققون في أثنائها من معرفة اسمه وهو علي.
ولم يمكن أن يعرف عن الجناة ساعة الحادثة شيء يدل على هويتهم، إلا أن
ملابسهم وخناجرهم تدل على أنهم من الزيود اليمانيين، وتتراوح أعمارهم بين
الخامسة والثلاثين والأربعين.
وفي هذه الأثناء أخطر مدير الشرطة العام مهدي بك بالأمر في منى، فحضر
على رأس قوة كافية من الشرطة، وشرع في إجراء التحريات والتحقيقات لمعرفة
شخصية الجناة والتحقيق عن الأسباب الدافعة لهم على ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء
وسط بيت الله الحرام، وبقرب الكعبة الشريفة وفي ذلك اليوم المبارك.
وقد حصل هياج شديد بين حجاج بيت الله الحرام، واشتدت نقمة الجند
والشعب حينما عرف أن الجناة من أهل اليمن، وكاد أن يحصل ما لا تحمد عقباه
لولا أن تدارك جلالة الملك الأمر بحكمته، وأصدر أمره الكريم المشدد إلى قواد
جنده الموجودين في مكة، وإلى مدير الشرطة العام بالاهتمام بصيانة أرواح الحجاج
اليمانيين من الاعتداء، واتخاذ كافة التدابير التي تقضي على كل من تحدثه نفسه
بتخديش حرمة الحرم، وإقلاق حجاج بيته الحرام، وكان لهذه التدابير العاجلة
أحسن الأثر في منع وقوع أي حادث من حوادث الاعتداء، فقضى الناس مناسكهم
وأتموا حجهم بكل راحة وطمأنينة، ولله الحمد والمنة.
وقد بث مدير الشرطة العام عيونه وأرصاده بين حجاج اليمن الذين ثبت أن
الجناة منهم، فتوصل قبل كل شيء إلى معرفة أن ثلاثة من الزيود كانوا يقيمون
بخلاف سائر رفاقهم الزيود مع الشوافع من الحجاج اليمانيين عند امرأة في جبل أبي
قبيس، فلفت ذلك الأمر نظره، فحقق عنهم فوجد أنهم متغيبون عن منزلهم، ولم
يعودوا إليه منذ يوم الوقفة، وأرسل على الفور قوة إلى المكان، وفتش الغرفة التي
كانوا فيها، فعثر على ملابسهم وفيها جوازات باسم ثلاثة أشخاص هم:
(١) النقيب علي بن خزام الحاضري مستخدم في الجيش اليماني المتوكلي،
ونمرة جوازه (٩٨) تاريخ ١ شوال ١٣٥٣، وهو صادر من مأمور الجوازات
بصنعاء ومصدق عليه من عامل صنعاء.
(٢) صالح بن علي الحاضري شقيق الأول جوازه رقم (٣٤) بتاريخ
شوال ١٣٥٣، وحرفة المذكور مزارع، الجواز صادر من مأمور الجوازات،
ومصدق عليه من عامل صنعاء.
(٣) مسعد بن علي سعد من حجر برقم ٦٣ تاريخ ٥ ذي القعدة ١٣٥٣،
والجواز صادر من أمير الحج اليماني السيد محمد غمضان، وصاحبه عسكري في
الجيش اليماني المتوكلي، ولذا عرضت جثث القتلى على المرأة التي كانوا في
دارها عرفت أحدهم صالحًا، وميزت ملابس الاثنين الآخرين نظرًا لتغير منظر
الوجه في الاثنين المذكورين، وذكرت أن أخت مطوف الشوافع أسكنتهم عندها،
ولدى التحقيق مع هذه صادقت على أقوال الأولى، وقد أجرى مدير الشرطة العام
التحقيق من جهة أخرى مع شيخ اليمانيين بجدة، فاعترف بأنه أعطى ورقة
التصريح للسفر من جدة باسم مبخوت وذلك بواسطة أخيه علي بن مبخوت الفران
بجدة، وقد استجلب هذا وحقق معه وعرضت عليه جثث القتلى وصورهم
الفوتوغرافية، فعرفهم واحدًا واحدًا، وذكر أن أحدهم مبخوت بن مبخوت
الحاضري هو شقيقه، بينما الاثنان الآخران هما صالح بن علي وعلي بن الحاضري
وكلاهما شقيقان، وشهد هذا الفران بأنه اجتمع مع أخيه بجدة، وبات أخوه عنده،
ثم حضر معه إلى مكة، وبات مع أخيه والاثنين الآخرين من الجناة في جبل أبي
قبيس، وهو ذهب إلى عرفات، أما الثلاثة فإنهم تأخروا في مكة، ولم يحجوا ولم
يجتمع بهم إلا في يوم العيد في الطواف، وبعد الطواف ذهب هو إلى مقام إبراهيم
بينما الثلاثة ذهبوا ومكثوا في داخل حجر إسماعيل.
ولم يعثر للآن على مسعد العسكري المستخدم في الجيش المتوكلي، كما أنه لم
يعلم للآن السبب الذي حدا به إلى ترك جوازه مع المجرمين، وقد دفنت جثث
المجرمين أمس بعد أن عرفت شخصياتهم، وما يزال الفران في السجن.
... ... ... ... ... ... ... ١٤ ذي الحجة سنة ١٣٥٣
* * *
(تأثير الحادثة في العالم)
اضطربت أمصار الشرق والغرب، وتجاوبت برقياتها من الملوك والرؤساء
والعظماء والجماعات مهنئين لملك العرب وزعيم المسلمين، ومن جلالته شاكرًا لهم،
ومن شركات الأخبار البرقية والجرائد السياسية في العالم مذيعة للنبأ العظيم
مستفظعة للجناية شارحة لتأثيرها كأنها حدثت لتعظم شأن الرجل، وتعلي قدره،
وترفع ذكره، وقد أكبر حاضروها ومستمعو خبرها ما كان من رباطة جأشه، وقوة
عزيمته إذ أتم طوافه، وكان أول شيء فعله العناية بحجاج اليمن والمبالغة في
تأمينهم على أنفسهم، والظهور لمقابلة المهنئين بإقباله وبشاشته المعتادة، وكان أَسَرُّ
ما سَرَّ جميع المخلصين للأمة العربية البرقيات المتبادلة بين جلالته وجلالة الإمام
يحيى الذي استنكر الجناية أشد الاستنكار، وكرر التهنئة بأبلغ عبارات الإخلاص.
* * *
(تشرف الكشافة العراقية بلقاء جلالته وخطابه لهم)
في الساعة الثالثة والدقيقة ١٥ من يوم السبت زارت الكشافة العراقية يتقدمها
كامل بك الكيلاني القائم بأعمال المفوضية العراقية بجدة القصر العالي، حيث
تشرفوا بمقابلة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وقد شملهم جلالته بعطفه
وعنايته ومكثوا لدى جلالته ما يقرب من ثلاثة أرباع الساعة، ألقى خلالها رئيسهم
خطبة ضافية، فشكر لحكومة جلالته العطف الذي شمل إخوانه منذ أن دخلوا في
بلاد جلالته، ثم أنشدت الكشافة (نشيد العيد) و (نشيد الوطن) وحيوا جلالة
الملك ثلاثًا، ثم تكلم جلالته فألقى عليهم من درره ما كان له أكبر الأثر في نفوسهم،
فقال أيده الله:
(خطاب جلالته على كشافة العراق
وعهده العام للإسلام والعرب والعراق
مسرور من هذه النهضة العلمية المباركة التي ظهرت في العراق، والتي
سيكون لها أكبر الأثر في تقدم العرب، وأنا مسرور أيضًا بمشاهدتكم في بلادي
لتزداد بالتعارف الصلة التي تربط بلادنا ببلادكم، وشعبنا بشعبكم، ويتضاعف
سروري بلقياكم؛ لأنكم أول بعثة تأتينا من العراق، فذكرى هذه البعثة ستبقى في
نفوسنا.
(ترد إلينا في كل يوم من النهضة في العراق ما يسر الخاطر، ويشرح
الصدر، ونحن إذا فرحنا لذلك؛ فإنما نفرح لأنفسنا؛ لأننا نحن والعراق واحد،
تربطنا به روابط كثيرة، وأهمها أننا والعراقيون عرب، وخصائصنا واحدة فكل ما
يسر العراق يسرنا، وكل مصيبة تصيب العراق هي مصيبة لنا، نألم لألم العراق
ونفرح لفرحه، وكذلك مصالحنا مشتركة، فالعراق هو في الحقيقة سد لنا يحول
دون توغل أحد في بلادنا، فلا عجب إذا نحن عنينا بأمره عنايتنا بأمورنا.
(لذلك أنا أقول لكم في هذا المحفل الحاشد: إنني أعاهد الله على ثلاثة أمور
١- نحن دعاة ندعو المسلمين لأن تكون كلمة الله هي العليا، أعاهد الله ثم
أعاهد المسلمين على أن لا أحيد عن ذلك قط.
٢- أعاهد الله على أن أكون أنا وعيالي وجندي مجاهدين في سبيل العرب،
وفي نصرة العرب.
٣- أعاهد الله على أن سأبقى ما زلت حيًا محافظًا على الود مع العراق بنفسي
وشيمتي، هذا كلام من مسلم عربي يعاهد الله عليه في بيت الله الحرام أمام هذه
البعثة)
ثم ودعت البعثة جلالته، وغادروا القصر إلى الصيوان الخاص بسمو ولي
العهد حيث هنأت سموه بالنجاة، وألقى الأديب عبد الهادي أفندي الشمَّاع أبياتًا
عامرة نالت استحسان الجميع، ثم تكلم سمو ولي العهد فقال:
كلمة ولي العهد الأمير سعود
(إن هذه الحادثة لا تهمنا، لا يهمنا إلا إعلاء الشريعة الإسلامية وكلمة
التوحيد أولاً، وتأمين الأمن في بيت الله الحرام ليتمكن الوافدون من أداء مناسكهم
بطمأنينة ثانيًا، فمن واجب العرب أن يكونوا يدًا واحدة لنصرة هذا الدين الحنيف،
ولا حياة للعرب إلا بنصرة الدين، وبالاتحاد المتين، وبغير هذا لا يتم شيء قط.
(ونحن نرحب بإخواننا أبناء العراق، ونتمنى للعراق كل خير وهناء) اهـ،
ثم أنشدت الفرقة نشيد (بلاد العرب) وودعوا سموه قاصدين صيوان سمو الأمير
فيصل، فقدموا لسموه واجبات التهاني والولاء، وألقى الأستاذ نعمان العالي أفندي
خطبة فياضة كان لها الوقع العظيم، ثم تكلم سمو الأمير فقال:
كلمة نائب الملك على الحجاز الأمير فيصل
(لقد عبر الأخ الخطيب عن شعور الجميع، وردد صدى ما تكنه النفوس من
العواطف المتبادلة بين الشعوب العربية، والحقيقة أن العرب جسم واحد وبلادهم
واحدة، فإذا نزل أحدهم في بلدة من البلدان العربية فلا يشعر أنه غريب عن بلده،
وأنتم يا إخواني أحييكم وأحيي فيكم هذه النهضة القويمة، وأرجو أن لا تعتبروا
أنفسكم إلا في بيوتكم الخاصة، فهذه البلاد هي بلادكم والشعب إخوانكم) .