آراء حرة حكيمة في إمكان الجمع بين مصالح الإنكليز والعرب ترجمت بالعربية، ونشرت في جريدة العهد الجديد البيروتية خادمة القومية العربية منذ أشهر، فاخترنا نقلها إلى المنار مع توجيه أنظار الدولة السعودية العربية إليها، وهذا نصها: كان من أعظم أسباب سقوط الإمبراطوريات القديمة إسراف القوة الرئيسية تدريجًا بالتوسع المطرد في الممتلكات، ونرى في عصرنا هذا أن الإمبراطورية الفرنسوية في خطر الانحلال لهذا السبب نفسه، إن مستشاري الإمبراطوريتين ويلوح أنهم من طراز قديم (سابق لتاريخ البشر) ممن لهم خبرة بفنون الحرب يصرحون أن الضرروة تقتضي بصيانة الممتلكات الموجودة بضم ممتلكات أخرى. معلوم أن زيت البترول بات من أهم مطالب العالم في هذه الأيام، فأصبحت موارده من الضرورات الأولية لكيان الدول العالمية، فالبترول إذا كان من العوامل التي اجتذبت إنكلترا إلى العراق وفلسطين وإيران التي اضطرت بحكم أحوال خصوصية إلى الانسحاب منها، ومتى كانت إنكلترة موطدة في العراق وفلسطين، ففرنسا لا يمكنها أن تتخلى عن بقعة مجاورة ترتكز إليها وتتخذها قاعدة لحماية مصالحها، وهذا ما بعث على عقد اتفاق (سيكس - بيكو) وتنفيذ هذا الاتفاق كان مضرًّا بالاتفاق الذي عُقد بين الملك حسين والحكومة البريطانية مع أنه كان في تاريخ سابق لاتفاق (سيكس- بيكو) ومما يدل على أن إنكلترة قد سلَّمت أنها حنثت (في يمينها ونقضت عهدها) مع الملك حسين أنها أوجدت عرش العراق للملك فيصل بعدما طردته السلطات الفرنسية من سورية. وقد أثر ذلك تأثيرًا سيئًا في سمعة إنكلترا وهيبتها في الشرق الأدنى والشرق الأوسط؛ لأن العناصر العربية أدركت أنها بيعت لمشترٍ أقوى وأقدر، فقد كانت مقتضيات مواصلة الحرب أهم من كل شيء، وفوق كل شيء حتى أن الشرف البريطاني ترك جانبًا وعُد من سقط المتاع، وكانت هذه الاتفاقات الحربية المختلفة هي السبب الأكبر الذي جعل معاهدة فرساي وغيرها من المعاهدات شؤمًا وهولاً وأسبابًا للقلق الحالي. والغاية من مقالتي هذه أن أقترح علاجًا لمسألة بلدان الانتداب في الشرق الأدنى والشرق الأوسط التي عانت هول تلك المعاهدات، وفي أي علاج يتناول مصالح عدة أمم لا يمكن لأية أمة منها أن تكون راضية كل الرضاء، ولا بد من مراعاة مبدأ الأخذ والعطاء من كل جانب. وللبحث في هذه المسألة لا أرى من الضرورة الدخول في تفاصيل إدارة شؤون بلدان الانتداب خلال السنوات الثماني الأخيرة؛ لأن هذه الوجهة من المسألة كانت موضوع البحث في عدة جرائد ومؤلفات، فالغلطات التعسة والأخطاء المحزنة التي ارتكبتها فرنسة وإنكلترة قد اعتُرف بها، وليست المصاعب التي جابهها كلاهما مما يستحق العطف؛ لأنها من المصاعب التي أوجدتها إنكلترا وفرنسا، وقد أصلحت إنكلترة جانبًا عظيمًا من أخطائها ولا سيما علاقاتها مع العراق، وأخذت فرنسا بإرشاد المسيو بونسو تحاول إصلاح عواقب إداراتها الوضعية في سورية. إن الغلطة الرئيسية التي ارتكبها كل من إنكلترة وفرنسة هي عدم العمل بمقتضى البند الثامن والعشرين من عهد جمعية الأمم، وقالت المس هويت في كتابها عن الانتداب ما يلي: (أما إذا كانت هذه الرغائب قد نفذت، فأمر مبهم غامض، وأما إذا كان هنالك لأولئك الناس رغائب جلية فأمر أغمض وأكثر إبهامًا، وبالحقيقة وواقع الأمر أن أهل بلدان الانتداب لم يُستشاروا) والأسلوب الذي اتبع في هذه البلدان في تقسيمها إلى دويلات أوجد على سطح الكرة الأرضية بلقانًا آخر، وهو أسلوب سقيم من الوجهة الاقتصادية نظرًا للتعريفات الجمركية بين تلك الدويلات وعرقلتها لحركة التجارة. وبلدان الانتداب المعروفة بحرف (أ) هي كما يلي: ١- العراق: وضع انتدابه في شهر إبريل سنة ١٩٢٠، ووافقت عليه جمعية الأمم في سبتمبر سنة ١٩٢٤، ويبلغ عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة. ٢- سوريا: وضع انتدابها في شهر إبريل سنة ١٩٢٠ ووافقت عليه جمعية الأمم في يوليو سنة ١٩٢٢، ويبلغ عدد سكانها ٠٠٠,٢٥٠,٢ من المسلمين، و٠٠٠,٤٠ من الدروز، و ٠٠٠,٤٠٠ من المسيحيين منهم ٠٠٠,١٥٠ ماروني. ٣- فلسطين: وضع انتدابها في شهر إبريل سنة ١٩٢٠، ووافقت عليه جمعية الأمم في شهر يوليو سنة ٢٢، ويبلغ عدد سكانها ٠٠٠,٧٥ نفس ٨٧ في المئة منهم عرب. ٤- شرقي الأردن: ويبلغ عدد سكانه ٠٠٠,٢٠٠ نفس. وفي شبه جزيرة العرب بلدان تحت الحماية البريطانية وهي عدن وعمان والكويت، وبلدان مستقلة وهي نجد والحجاز والعسير واليمن وحضرموت، ومجموع عدد سكان هذه البلدان كلها يتراوح بين خمسة عشر مليون نسمة (هي لا تقل عن ٢٥ مليونًا) . أما إذا كان إصلاح الانتداب قد وُضع على قاعدة المثل الأعلى أو ابتُكر كمرادف للضم والتملك فليس من موضوع البحث في مقالتي هذه؛ ولكن الأرجح أن جانبًا عظيمًا من عدد السكان المبين آنفًا متحد في مطالبه ورغبته في التخلص من الوصاية الأجنبية وإن كان مختلف الأجزاء غير متفق على شكل الحكومة التي يجب أن تحل محل حكومة الانتداب أو دولة الحماية. فهل مقتضيات الإمبراطورية البريطانية تتطلب أن تكون إنكلترة في فلسطين والعراق وشرقي الأردن؟ وهل من الضروري أن تكون فرنسة في سوريا؟ إن جواب البلدين [١] هو (نعم) فإذا كانت إحدى الدولتين في سورية لابد أن تكون الأخرى في فلسطين والعكس بالعكس، وتقول إنكلترة: نعم لأدافع عن قناة السويس ضد مهاجميها من الشرق، ولأدافع عن مصالح بريطانيا في بترول الموصل والمحمرة، وتقول فرنسا: نعم لأدافع عن خط أنابيب البترول وسكة الحديد المزمع مدها إلى الموصل وبغداد ومن كل منهما إلى حيفا وهذه الفكرة الثانية لتنمية التجارة ومصالح الصناعات، ويتبعها ويترتب عليها الحماية العسكرية، وهكذا تظل الدول الأوربية الإدارية تثير كتلة متجمعة من الرأي العدائي في تلك البلاد التي قد تصبح بقوة الاتحاد قوة خطرة خطيرة، فالأفضل والحالة هذه الاعتماد على عقل سكان البلاد، وعلى عهد صداقة يقوم على قاعدة التعاون التجاري والكسب المتبادل. السبب الأول يمكن درؤه باتفاق متبادل يعقد بين إنكلترة وفرنسا للانسحاب في وقت واحد من سورية وفلسطين وشرقي الأردن، ولكن فرنسا تقول: محال عليَّ أن لا أحمي الأقلية المسيحية، ونحن نرى اليوم أن هذه الأقلية المسيحية هي أيضًا تطلب جلاء فرنسة عن البلاد. وتقول إنكلترة: إن ذلك مستحيل، لا يمكننا أن ننسحب وندع الإسرائيليين تحت رحمة العرب، والحال أن اليهود والعرب كانوا في عهد تركية عائشين معًا في وفاق تام، وأن تصريح بلفور هو سبب الاضطراب الحالي بين العرب واليهود وتأسيس هذا الوطن القومي لليهود لم يلق تعضيدًا حقيقيًّا من زعماء اليهود، فقد أيدوا الفكرة عن غير طيبة خاطر ماليًّا وأدبيًّا، ولم يوافقوا قط على فكرة مغادرة مَواطن إقامتهم للإقامة بذلك الوطن القومي. وكان معظم المهاجرين من اليهود القاطنين في شرقي أوربا الذين ذاقوا الذل والهوان، وعانوا الشيء الكثير من الاضطهاد والظلم، وقد برهنت الأيام على أن الصهيونية صناعة خائبة عقيمة وجناية سياسية، فالصهيونيون المقيمون الآن بفلسطين قد وُجدوا هناك بمساعي إنكلترة وجهودها، ولا بد من الاعتراف بهم وحمايتهم ومساعدتهم. يعتقد معظم الناس أن العرب يعجزون عن إظهار مقدرتهم بتقديم خطة إنشائية، وأما أنا فأعتقد أنهم قادرون، ليس بناء على تاريخ عنصرهم الماضي فقط، بل لما يحرزه أبناء العرب المهاجرون من النجاح الباهر في المراكز الصناعية والتجارية العصرية في بونيس أيرس ونيويورك وغيرها من أنحاء العالم المتمدن، وليس من الضروري الرجوع بالقارئ إلى الحكومات العربية السديدة الخطوات في العهود الغابرة، وحسبي أن أقول: إنه في القرن الثامن بعد الميلاد في عهد الخلفاء الراشدين [٢] ببغداد كان في وسع التاجر المتجول أن يسافر من البصرة إلى دمشق مثقلاً بالسلع والنضار بغير أن يعتدي عليه أحد، وفي عام ٩٨٠ ميلادية كان المسافر يقطع الشقة بين المهدية [٣] والقاهرة بلا خوف ولا وجل من قطاع الطرق، فإذا كان العرب قد استطاعوا في تلك الأيام تأمين الطرق بهذه الكيفية فمن الأكيد المحقق أنهم قادرون على ذلك في هذه الأيام [٤] ولا بد لنا من تسليم أنهم يحرزون هذه المقدرة بالإرث، ولكن هل يحرزون الإرادة والعزيمة على إظهار هذه المقدرة؟؟ إن على العرب أن يبرهنوا على ذلك الآن، ولا يكفي أنهم شديدو الرغبة في طرد المعلم من بلادهم فهذا لا يعدو سياسة الهدم؛ ولكن يجب عليهم أن يظهروا مقدرتهم على التعمير والإنشاء. أما فيما يتعلق بالمخاوف التي قد تتطرق إلى قلوب الإنكليز بأن الأقليات المسيحية واليهودية لا تطيق الأغلبية الإسلامية، فلا بد من قول شيء في ذلك: إن الأقليات المسيحية واليهودية كانت تُعامَل على الدوام خير معاملة في البلدان الإسلامية إلى أن تأتي دولة أوربية وتستخدم تلك الأقليات لقلب الحالة كما حدث في مسألة الأرمن والأتراك [٥] ، نعم إنه في الأنحاء البعيدة المنعزلة من العالم الإسلامي قد لا يخلو الأمر من تعصب ضد المذاهب الأخرى؛ ولكن هذا كان كذلك بين مختلف الطوائف المسيحية، على أن زعماء العرب في هذا العصر وفي العصور السابقة كانوا دائمًا يعملون على تلافي هذا التنافر وإصلاح ذات البين، فإذا كان التعصب الديني قد أخذ مجراه في زمن من الأزمنة فقد كان المسلمون من غير مذهب الحاكم ينالهم من الاضطهاد ما ينال المسيحيين، ومن الواجب أن تتخذ مبادئ نجران كالمثل الأعلى للزعيم المسلم، وكلمة الإمام علي: (إن دم الذمي كدم المسلم) هي أيضًا خير مثال. واليوم نرى الموارنة في لبنان والمسيحيين العرب في فلسطين ومسلمي الشام وفلسطين والعراق قد أخذوا يُعرضون عن الفوارق في المذاهب والعقائد، ويجنحون إلى المثل الأعلى والمذهب العميم، وهو أننا جميعًا إخوان في الإنسانية، وأول خطوة في هذا السبيل هي السعي إلى توحيد بلاد العرب، وقد أخذ أبناء العرب المثقفون المتنورون في هذه الأيام يتطلعون إلى هذه الغاية، ويبثون الدعوة إليها في عدة أنحاء، وزعماء العرب أدرى مني بالمنهج الذي يجب أن ينهجوه للحصول على الوحدة العربية والتخلص من وصاية الأجنبي والتقدم الحثيث في التعاون مع خير الطبقات الأوربية، وإني أقترح ما يلي على سبيل التجربة: أولاً - المبادرة إلى عقد مؤتمر في القاهرة يُدعى إليه مندوبون من جميع البلدان العربية. ثانيًا - ينتخب هذا المؤتمر مجلسًا دائمًا يكون مقره في القاهرة أو جدة أو الشام (ولما كانت القاهرة مركزًا حسنًا تتوفر فيها أسباب المواصلات مع جميع بقاع الأرض العربية قد تكون لائقة لأن تصبح بمثابة جنيف للغرب) . ثالثًا - على هذا المجلس الدائم أن يظل على اتصال وثيق بالبلدان العربية، وأن يعمل على عقد مؤتمر كل سنة أو سنتين. رابعًا - على هذا المؤتمر السنوي أن يتخذ الإجراءات اللازمة لإيجاد اتحاد عربي، وأن ينتخب زعماءه ويتفق على زعيمه الأكبر. خامسًا - تكون مهمته توحيد الأمة العربية ببث دعوة مبنية على الفطنة والحصافة. سادسًا - يجب وضع خطة للتعليم تمكِّن كل دولة في خلال الخمس عشرة سنة المقبلة من الحصول على سبيل مطرد من الشبان المتدربين على فن الإدارة الحكومية والعلوم والفنون والشؤون الصحية وما إلى ذلك. فإذا استطاع العرب أن يصلوا إلى هذا التوحيد فيحتمل أن تتمكن إنكلترة من رفع حمايتها عن جميع البلدان العربية عدا عدن، وأن تعقد معاهدة ومحالفة بين سلطات الاتحاد العربي والإمبراطورية البريطانية، وإني أعتقد أن حلاًّ كهذا يكون أفضل ضمان لسلامة المواصلات الإمبراطورية، وتوطيد أركان القوة في هذه البلدان من الشرق الأوسط وتوحيدها بتخليص الإمبراطورية البريطانية من إنفاق عدة ملايين من الجنيهات كل عام. ويغلب على ظني أن العرب يجب ألا يتصوروا - وهم يتصورون - أنه يتسنى لهم الوصول إلى هذه الغاية بغير مساعدة من الغرب، ويجب ألا يغرب عن بال إنكلترة وفرنسة أن أمة تحت التدرب والتعليم لا يمكن أن تحرز المسئولية اللازمة إلا بالممارسة والاختبار، وبهما دون سواهما تتعلم هذه الأمة اجتناب الأخطاء والوصول إلى مستوى مرضٍ من الحكم الذاتي. وزعامة الدعوة إلى الوحدة العربية يجب أن تخرج من دمشق، وربما قبل مضي وقت طويل يعود العالم العربي إلى ازدهاره ويناعته، ويدهش العالم بثقافته وعلمه كما كان في سالف الأحقاب. وما هو تأثير هذا كله في إنكلترة فيما يتعلق بالإمبراطورية البريطانية، الجواب عن ذلك من الوجهة السلبية أنه يوجد القوة العسكرية في مركز واحد، ويقلل من تبعة التورط، ويؤدي إلى اقتصاد المال، ومن الوجهة الإيجابية الابتكارية يضم جميع العنصر العربي إلى دائرة الصداقة الخالصة، ويوجد زبائن أقوياء أغنياء بالتقادم في المعيشة المصرية وبالتعاون التجاري الوثيق مع الغرب، وحيث كان زبون واحد في الماضي يقوم اثنا عشر زبونًا جديدًا محله. إن مشروعًا هكذا يتطلب وقتًا للنضوج؛ ولكن الوقت لا يجدي ولا يغني فتيلاً إذا كان زعماء العرب في هذا العصر لا يعدون التربة ويتعهدونها بسماد العقل والفطنة وينثرون فيها بذور الاتحاد والوئام. لإنعاش هذا المشروع وإبلاغه طور الإزهار والإيناع يجب أيضًا أن تنقى أرضه من الأعشاب البرية، وأن يروى ويسقى ليس بمساعي زعماء العرب الشجعان فحسب، بل بمساعي الأوربيين أيضًا، ولا سيما رجال الإنكليز ذوي البصيرة النيرة والنية الحسنة. ولكي ينتج هذا المشروع خير النتائج من الضروري الحصول على تعضيد إنكلترة ومعاونتها، فللعرب أن يقتبسوا العلوم عن الألمان والفنون عن الفرنسويين؛ ولكن العلوم السياسية، وفن معاملة المذاهب المختلفة، وتحمل الفوارق الدينية وواجبات الشرف والنزاهة يجب أن يتعلموها من إنكلترة ومن الرجال الإنكليز. وقد يطول العمر على ثقافة إنكلترة وتبقى مكرمة محترمة مرغوبًا فيها خلال أجيال كثيرة مقبلة، ويكون مثلها في هذا العصر مثل ثقافة الرومان والعرب من قبل. وأختم مقالي هذا بكلمات أوناموتو: إني أقصد الحث وإذكاء وطيس الحماسة والاقتراح لا الإرشاد والتعليم. نعم يجب الوصول إلى اتفاق متبادل بين فرنسا وإنكلترة تتفقان فيه على سحب كل شيء فيه شبهة للعسكرية من سورية وفلسطين وشرق الأردن، وأن تقدما للبلاد خبراء لتنمية فن الإدارة الحكومية والفنون والصناعات عندما يطلب منهم العرب ذلك بأنفسهم. والحامية البريطانية التي تُسحب من مصر وفلسطين يمكن أن تعسكر لمدة ١٥ سنة في جوار بورت فؤاد بعد استئذان الحكومة المصرية، فتكون منها قوة مركزية متأهبة في أية لحظة للدفاع عن مصالح بريطانيا العظمى في شرقي البحر الأبيض المتوسط وللتعاون مع الحكومة المصرية على حماية القناة ودرء الاعتداء على حرية الشعب المصري. ولكن قبلما يتسنى نقل هذا الاقتراح إلى حيز الفعل يجب على العرب أن يمدوا أيديهم للعمل، ويقدموا برهانًا حاسمًا على استطاعتهم إيجاد مشروع ابتكاري يتسنى به ملافاة حدوث الفوضى عندما تنسحب القوات البريطانية والفرنسوية من البلاد، فعلى نواب العرب أن يقدموا مشروعًا يبينون به ما يلي: ١- أنهم أهل لإدارة شؤون بلادهم بأنفسهم، وأن الانتداب غير لازم. ٢- أن جميع المشروعات التجارية مثل سكك حديد بغداد - حيفا، ومنابع البترول في الموصل والمحمرة تقدم لها التسهيلات اللازمة لترقيتها وإنمائها وأن يسمح للمشروعات الأوربية بالاشتراك مع المشروعات العربية أن ترقي مؤهلات البلاد التجارية والصناعية تحت شروط عادلة مرضية للجميع. ٣- أن تستطيع الحكومات العربية تقديم الضمان الوافي لتأمين معاملة الأقليات المسيحية في سورية، والأقلية اليهودية في فلسطين، وتنفيذه. وأن تمنح الوطن القومي اليهودي قسطًا معينًا من الحكم الذاتي، وهذا الوطن القومي يجب أن يكون مثالاً مصغرًا لمركز روحي تثقيفي فقط. ٤- أن يستطيع زعماء نواب العرب أن يقدموا برهانًا حاسمًا على موافقتهم على إنشاء اتحاد دول عربية تحت سيطرة ابن سعود إذا كان ذلك ممكنًا. (المنار) هذا كلام كله حسن لو أيَّده العمل من جانب إنكلترة وفرنسا! وأما زعماء العرب فإنه يسهل عليهم كل ما اقترحه الكاتب المنصف عليهم، ولعلهم عندما قرأوه تبادر إلى أذهان أكثرهم المثل (اقرأ تفرح جرب تحزن) وإن كانوا يعلمون أنه خير لهم وللدولتين معًا؛ لأن الوحدة العربية المشار إليها لابد أن تكون لأن جميع أهل الرأي والمكانة في الأقطار السورية والعراقية والحجازية والنجدية متفقون على بذل الأنفس والنفائس في سبيلها، فإن لم يوجد في عقلاء الدولتين أحدهما أو كلتيهما من يواتيهم على ذلك بالسلم والمودة، فسيكون سببًا لسفك دماء غزيرة وإضاعة ملايين كثيرة {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء: ٢٢٧) .