للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية
(عثمان باشا الغازي)
نعت إلينا أخبار الأستانة العلية هذا القائد العظيم فكان لنعيه وقع أليم في قلوب
الأمة العثمانية، مليكها الأعظم فمن دونه. وطيره البرق إلى جميع الأقطار كما هو
الشأن في عظماء الرجال , وسنأتي على ترجمته في الجزء الآتي رحمه الله تعالى
فوق حسناته.
* * *
نبأ غريب (سرقة الآثار النبوية الشريفة)
علمنا من أخبار الأستانة العلية الخصوصية أنه شاع عند الطبقة العالية فيها
أن بعض الآثار الشريفة سرق من قصر (طوب قبو) المحفوظة فيه , وقد
اضطرب لهذا النبأ الغريب عظماء الدولة , وكل من طرق سمعه , فمنهم المصدق
له , ومنهم من يرى أن الإشاعة يقصد بها التمهيد لنقل الآثار المكرمة من سراي
طوب قبو حيث هي الآن إلى قصر يلدز الأعلى ليتولى مولانا الخليفة المعظم
حفظها بما يحفظ به نفسه الكريمة؛ لأن الخليفة أولى بحفظ آثار من هو خليفة له ,
وليستغني مولانا - أيده الله وأعزه - عن الخروج في كل سنة لزيارتها في اليوم
الموعود (١٥ رمضان) حسب التقاليد العثمانية , ومما يستدلون به على ذلك تعلق
الإرادة السَّنية بتأليف لجنة للبحث في ثبوت هذه الآثار وعدمه , وقد نمى إلينا أن
اللجنة قررت أن الآثار الموجودة في مصر أثبت من الآثار الموجودة في دار الخلافة.
وزعموا أنه كان القصد من تأليفها التشكيك في صحة نسبة هذه الآثار للنبي
صلى الله عليه وسلم؛ ليكون ذلك عذرًا لمولانا الخليفة الحالي في ترك سنة سلفه
بزيارتها في الاحتفال المشهور , أما سبب رغبة مولانا السلطان في الاستغناء عن هذه
الزيارة فيعرفه أهل الأستانة جميعًا وكل من يعرف الأستانة أو يعرف ما يجري فيها،
وحسبك منه أن ألوفًا من الجند الباسل لا شغل لهم في ليلهم ونهارهم إلا حفظ الطريق
من يلدز إلى (طوب قبو) حتى إنه قد مات منهم في العام الماضي عدة أشخاص من
شدة البرد في جانب الجسر (الكوبري) ونبشت الأرض مرة في ذلك الطريق إلى
أعماق الثرى لزعم بعض الجواسيس أن فيها ديناميت، فلا عجب إذن في اقتضاء
العاطفة الحميدية إراحة هؤلاء الجنود المخلصين من هذا العناء من حيث تكون الراحة
لمولانا نفسه , ويتبع ذلك توفير مبلغ غير قليل من النفقات الاحتياطية يمكن أن
يصرف في وجه آخر.
وأما الأتراك فإنه ليكبر على خاصتهم وعامتهم ترك شيء من تقاليد ملوكهم
وخلفائهم السالفين , وللمتنطعين منهم والمتطرفين في الانتقاد على المابين الهمايوني
أفكار وظنون في مثل هذه المسألة يمنعنا الأدب والاحترام لمولانا أمير المؤمنين
أعزه الله تعالى من ذكرها.
* * *
(القران الميمون)
تم في أوائل هذا الشهر اقتران دولة الأميرة الفاضلة نازلي هانم أفندي بحضرة
المفضال السيد خليل بو حاجب، فيا له من قران وصل بيوت العلماء ببيوت الأمراء
وكان سببه ميل الفضل للفضل وتلاقي النبل بالنبل خلافًا لما عليه الدهماء من
جعل الاقتران منوطًا بالأهواء.
* * *
(جمعية شمس الإسلام)
زرت في الأسبوع الماضي بعض جمعيات الوجه القبلي , وحمدت الله تعالى
على ما رأيت من النجاح , وقد تأسست في هذه الأيام جمعيتان فرعيتان إحداهما في
معصرة سمالوط رئيسها حضرة الفاضل إبراهيم أفندي خطر والثانية في بلدة (مير)
التابعة لديروط رئيسها حضرة الفاضل الشيخ نمر إبراهيم، وسنعود إلى الوجه
القبلي في آخر هذا الأسبوع إن شاء الله تعالى , وقد تمهدت السبل لإنشاء عدة فروع
في بلاد أخرى نذكرها في الجزء الآتي أو الذي بعده. وقد شكا إلي الأستاذ الفاضل
السيد الشيخ محمد خطيب رئيس جمعية الفيوم ونقيب السادة الأشراف فيها من قلة
إقبال الناس على الدخول في الجمعية , فقلت له: إنما أشكو أنا من كثرتهم
وأطلب منك أن تتربص , فلا تبادر بقبول كل طالب حتى تعلم أنه مستوفي الشروط ,
وكيف لا أشكو من كثرة الدخول في ذلك الفرع , وقد دخل فيه ليلة التأسيس
الرسمي زيادة عن ستين رجلاً.
ولقد كان أمر الجمعية مبهمًا عند بعض الناس هناك , فخطبت فيهم خطبة
مطولة في اجتماع عام أوضحت فيها كل مبهم , وجلوت كل غامض , ولا أصف ما
لقيت من الإقبال والحفاوة , وما رأيت من التأثر بخطبة الجامع وخطبة الجمعية كما
يفعل محبو الفخفخة وإنما أقول: إنني رأيت ما رجوت به أن تكون جمعية الفيوم
من أحسن الجمعيات وأنجحها , وقد كتب إلي كاتب سر الجمعية يستقدمني إليها مرة
أخرى وسألبي الطلب إن شاء اله تعالى عن قريب.