للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(مبادئ التعليم في الدين القويم)
كتب الشيخ مصطفى بكري الأسيوطي مدرس اللغة العربية بمدرسة مغاغة
الخيرية رسالة وجيزة في أركان الإسلام الخمسة؛ لأجل تعليم المبتدئين جعلها أسئلة
وأجوبة، وهي منتزعة من الكتب المتداولة مع التساهل والتوسع في بعض المسائل،
فالرسالة سهلة من أحسن ما كُتب للمبتدئين، وكنا نود من معلمي المدارس الخروج.
عن تقليد عبارات بعض المتأخرين إلى ما هو أسهل منها وأقرب إلى الأذهان فإنه
ليحزنني أن يلقن الولدان أن الواجب اعتقاده في الله تعالى عشرون صفة واجبة
وعشرون صفة مستحيلة وصفة واحدة جائزة؛ فإن هذا الإصلاح الذي جرى عليه
السنوسي في عقيدته دقيق لا يمكن أن يفهمه المبتدئ، وحفظ الألفاظ ليس من الاعتقاد
في شيء. ما هي الصفة التي تشمل الوجودي والعدمي، والواسطة بينهما على القول
بالواسطة وما فيه من الفلسفة الغريبة؟ كيف كان الوجود الذي هو الجنس العالي
لجميع الموجودات على التحقيق صفة؟ وكيف كانت القدرة صفة وكونه قادرًا صفة
أخرى؟ وكيف جعل فعل الشيء أو تركه صفة من الصفات؟ هل وردت هذه
الاصطلاحات في الكتاب والسنة فنلتزم فهم العقيدة منها؟ هل كلفنا الله تعالى اعتقاد
كون الملائكة أجسامًا نورانية قادرة على التشكل بالصور الجميلة مسكنهم السموات
دون الأرض، وأن نعرف أربعة منهم فقط؟ هل يذكر في العقائد الوجيزة ما ورد أو
استنبط من أحاديث الآحاد عن عالم الغيب؟
لعل مؤلف هذه الرسالة وأمثاله ممن يكتبون للتعليم يسلكون مسلكًا آخر يفهمه
تلاميذهم كأن يقولوا في تنزيه الله - تعالى -: إن خالق هذه الكائنات لا يشبهها ولا
تشبهه (فليس كمثله شيء) مما نعرفه بحواسنا، وتتصوره عقولنا؛ فهو قديم ليس
قبله شيء، وهي حادثة؛ لأنه هو الخالق وهي المخلوقة، وهو باق أبدي لا يفنى
ولا يتغير، وهي تتغير وتفنى. ويقولوا في الصفات الثبوتية: إن الله تعالى عالم لا
يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض؛ لأنه خالق كل شيء
والصانع الضعيف من الآدميين يعرف دقائق صنعته أفلا يعلم الخالق من خلق؟
ويقولون في عالم الغيب: إن الله تعالى خلق خلائق كثيرة منها ما أعطانا حواسًّا
ومشاعر لإدراكه، ومنها ما هو مغيب عنا. وعالم الغيب عظيم لا يحيط به إلا الله
تعالى، وقد جاءنا الوحي بذكر بعض ما فيه كالملائكة وحقيقتهم مجهولة عندنا، لكن
الله تعالى وصفهم بأوصاف العقلاء، وأسند إليهم العبادة، وتلقين الوحي للأنبياء
وغير ذلك، فنؤمن بما جاء به الوحي من ذلك لا نزيد عليه ولا ننقص منه ولا نقيس
عليه، ولا نشبهه بما نعلم من عالم الشهادة. ولا غرابة في هذا فإننا إلى الآن لم
نعرف حقائق ما نشاهده، ومازال يظهر لنا في هذا العالم أشياء كانت مغيبة لا نرى
لها نظيرًا فيما كنا نعرف من قبلها كالكهرباء مثلاً. مثل هذا يقال ويكتب للمبتدئين.
***
(جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع)
كتاب جديد ألفه الشيخ أحمد الهاشمي وجعل له خاتمة في القوافي وفنون الشعر
وهو يمتاز على الكتب القديمة التي استمد منها بشيء يرغب القارئ في القراءة
وينبه نشاطه ويحفز ذهنه وهو أنه جعل الكتاب على الطريقة العصرية في الوضع
والطبع أي جعل فيه بياضًا كثيرًا وعناوين كثيرة وجعل كل مبحث تمرينًا، أما
البياض فهو ما يترك غفلاً في صحائف الكتاب بين أبوابه وفصوله ومباحثه، وكذا في
أعجاز السطور إذا تمت المسألة في أثناء السطر، وقد أكثر صاحب جواهر البلاغة
من هذا البياض حتى أنه ليذكر الأقسام للشىء المقسم على هذا النحو.
(فصاحة المركب سلامته بعد فصاحة مفرداته من ستة أشياء)
١- تنافر الكلمات مجتمعة
٢- ضعف التأليف.
٣- التعقيد اللفظي
٤- التعقيد المعنوي
٥- كثرة التكرار
٦- تتابع الإضافات
ومثل هذا كثير، وجعل للكلام في الفصاحة عنوانًا بحروف كبيرة ولفصاحة
المفرد عنوانًا مثله ولفصاحة المركب عنوانًا آخر وعلى ذلك فقس، وقد بلغت
كراريس الكتاب (ملازمه) ٢١ ولو طبع على الطريقة القديمة لما زادت على ١٥
إلا قليلاً وإن هذا الوضع الذي يزينه حسن الطبع هو سبب من الرغبة في القراءة
كما قلنا، والرغبة في القراءة هي السبب الأول في الرواج ومن ثم ترى هذه الكتب
التي توضع وتطبع على الطريقة العصرية أكثر رواجًا ولا يغتر بهذا الذين لا يزالون
يلتزمون الطريقة العتيقة في جعل الكتاب كله كتلة واحدة سوداء يرمي إليها
الناظر بطرفه فلا يكاد يميز مبحثًا من آخر ويرون هذا الصنيع اقتصادًا في الورق
ولا يدرون أنهم لو لم يقتصدوا هذا الاقتصاد لكان خيرًا لهم وللناس، على أن
السابقين ما وضعوا الفصول في الكتب إلا ليكون بين المبحث وما يليه بياض يهدي
الطرف إلى بداية هذا وغاية ما قبله، ولكن المتأخرين جعلوا لفظ (فصل) كالمتعبد
به فصاروا يضعونه في أثناء السطر يتصل به ما قبله وما بعده، فيكون وصلاً
لا فصلاً.
وضع في آخر الكتاب تقاريظ منها تقريظ عزي إلى الأستاذ الإمام - رحمه الله
تعالى - نبهنا إليه من رأى الكتاب من الأدباء فرابهم عزوه لأن عبارته دون ما عهد
من عبارات إمام البلاغة وقد رابنا ما رابهم ووددنا لو يطلعنا المؤلف على الأصل
الذي عنده بخط الأستاذ الإمام، وهذه عبارة التقريظ (اطلعت على كتاب جواهر
البلاغة في علوم المعاني والبديع والعروض والقوافي، وفنون الشعر
والسرقات، والمحاضرات الشعرية؛ فوجدته كتابًا عظيمًا، وأسلوبًا حكيمًا، يشهد
لحضرة مؤلفه بملاك الذوق السليم، والعقل الحكيم، هداه الله إلى {الصِّرَاطَ
المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} (الفاتحة: ٦-٧) آمين اهـ.
ولا شك أن كل ذي ذوق سليم يعرف كلام الأستاذ الإمام يرتاب في كون هذا
التقريظ له؛ وإذا ظهر أنه له وأنه لا غلط فيه ولا تحريف التمسنا له عذرًا وأزلنا
ارتياب المرتابين.
***
(الألزم من لزوم ما لا يلزم)
(لزوم ما لا يلزم) أو اللزوميات: هو مجموع ما يؤثر عن الفيلسوف العربي
أبي العلاء المعري من الشعر في الفلسفة الإلهية والاجتماعية والكونية، وانتقاد
سيئات الإنسان في الكون وغير ذلك من ضروب التخيل والحقيقة. وهو ديوان
طويل شهير يدخل في سفرين كبيرين، وقد عمد أحمد أفندي نسيم الشاعر المصري،
وعبد الله أفندي المغيرة الأديب النجدي إلى الكتاب فاختاروا منه أَرَقَّه وأعذبه في
مذاقهما وطبعاه في ديوان لطيف سمياه (الألزم) ... إلخ، وكتبا في أوله ترجمة
وجيزة للناظم ذكرا في آخرها ما كنا أوردناه في ص ٢٧٣ من المجلد السابع دليلاً
على صحة عقيدته، وقوة دينه. وقد نقلنا هناك الأبيات التي كان أنشدها في خلوته
كما كتبت في ترجمته وهكذا أورد صاحبا الألزم والبيت الأول منها محرف
وهو:
كم غودرت غادة كعاب ... وعمرت أمها العجوز
فإن السياق يدل على أنه يريد كم ماتت فتاة ناعمة الشباب كاعبة الثديين،
وعمرت بعدها أمها العجوز، ولفظ (غودرت) لا يدل على الموت؛ لأن معناه
تُركت، وكنا بعد نشر الجزء الذي كتبنا فيه الأبيات اهتدينا إلى أن غودرت محرفة
عن (غوضرت) ، ولم يتح لنا التنبيه إلى ذلك؛ إذ كنا لا نذكره عند كتابة المنار
حتى تذكرناه الآن. وإذا صح هذا ولا نخاله إلا صحيحًا فهو قد استعمل (غوضرت)
بمعنى ماتت في غضارتها ونضرة شبابها، ولكن الصيغة التي جاءت من هذه
المادة بهذا المعنى (اغتضر) ففي كتب اللغة التي في أيدينا اغتُضر فلان بالبناء
للمفعول مات شابًّا صحيحًا أي في غضارة شبابه وريعانه ومثله اختضر وهو مأخوذ
من (اختضر الكلأ) إذا أخذه أو رعاه طريًّا غضًّا في ريعان خضرته، ويقال:
اختضر الفاكهة إذا أكلها قبل إدراكها؛ إذ تكون خضراء ولا يبعد أن يكون المعري
قد روى غوضر بمعنى اغتضر أو يكون ممن يستجيز مثل هذا البناء ويراه قياسًا.
وتذكرت أيضًا- والشيء بالشيء يذكر- ما كنت كتبته في ترجمة محمود
سامي البارودي (ص ٨٢٦ م ٧) من نفي المعرفة بكون صيغة (تفزع) عربية
مسموعة؛ لأنها لم تذكر في مادة (ف ز ع) من القاموس وشرحه ولسان العرب
وغيرها من الكتب ثم رأيتها في القاموس نفسه في آخر مادة روع قال (وتروع: تفزع) وعزمت على ذكرها في المنار وكنت أنساها عند الكتاب مع أن جريدة الصاعقة انتقدتها علي منذ أشهر فذكرتني بها ولكن في غير وقت كتابة المنار ولكل شيء أجل.
هذا وقد طال الكلام في الاستطراد وشعر المعري غني عن التقريظ وقد طبع
المختار من اللزوميات طبعًا جميلاً وهو يطلب من طابعيه.
***
(أبو مسلم الخراساني)
قصة تاريخية غرامية هي الحلقة التاسعة من سلسلة القصص التي يؤلفها جرجي
أفندي زيدان ويطبعها في مجلته (الهلال) واسم هذه القصة يدل على أن ما فيها من
تاريخ المسلمين هو قيام أبي مسلم بالدعوة إلى الخلافة العباسية حتى سقطت بسعيه
الدولة الأموية.
وقد صارت طريقة صاحب الهلال في تأليف القصص معروفة للجماهير
فقصصه غنية بهذه الشهرة عن التفريظ والتنويه ببيان فائدتها التاريخية وفكاهتها
الأدبية، فحسب المقرظ أن يعلم الناس بأن القصة طبعت على حدتها وأنها تطلب من
مكتبة الهلال بالفجالة.
***
(السلاح الخفي - اليد الأثيمة)
قصتان إفرنجيتان ترجمهما صالح أفندي جودت ونظمتا في سلك قصص
(مسامرات الشعب) والمراد بالسلاح الخفي السم، وباليد الأثيمة يد امرأة شريرة
فاجرة كانت تنتقم بالسم من أعدائها، وفي القصتين غرائب تلذ للقارئ، ولكني
أنصح لصاحب هذه المسامرات أن يختار القصص التي تمثل الفضيلة وتشرح
محاسن آثارها على القصص التي تمثل الرذيلة وإن ساءت عاقبة أنصارها، إلا أن
تذكر الرذيلة من غير شرح لكيفيتها، وتطويل بذكرها ويكون الإسهاب في بيان سوء
مغبتها وشقاء أربابها.
***
(ألف نادرة ونادرة)
كتاب لمحمد أفندي مسعود أحد كتاب جريدة المؤيد (محرريها) جمعه من الكتب
الإفرنجية وطبعة في مطبعته المعروفة بمطبعة الجمهور وصفحاته ٢٥٥ وفي هذه
النوادر ما هو فُكاهة وحكمة، وما هو فُكاهة فقط أو حكمة فقط، ومنها ما ليس بشيء،
وجملة القول فيها: إنها من المسليات التي يرغب فيها عند السآمة من العمل والكتاب
يطلب من صاحبه في (المؤيد) بمصر.