للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود


بلاغ عام
قد نشر منذ عام
وأشارت إليه جريدة أم القرى ولم تنشره
وهو وثيقة رسمية وحجة قطعية

بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى كافة من يراه من إخواننا
المسلمين من أهل مكة وأهل نجد كبيرهم وصغيرهم سلمهم الله تعالى وهداهم،
ووفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه، وجعلنا وإياهم من صالحي عبيده وأوليائه، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته (وبعد) فلا يخفاكم ما منَّ الله به علينا
وعليكم من نعمة الإسلام. قال تعالى {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: ٣) وقال تعالى آمرًا عباده بما فيه صلاحهم
في دينهم ودنياهم {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (الحج: ٤١) وقال صلى الله
عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه
ولتأطرنه على الحق أطرًا أو ليوشكن أن يعمكم الله بعقابه) والآيات والأحاديث في
هذا الباب كثيرة لا تحصى. فإذا كان الناس هم المحتاجين إلى ربهم وهو صاحب
المنة والفضل بما أنعم به علينا من نعمة الإسلام وجعلنا من أهله فالواجب علينا
الاجتهاد فيما يرضي الله والقيام بأمره والاتباع لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد
أوجب علينا فرائض الإسلام الخمس وهي شهادة أن لا إله إلا الله وحقيقة ذلك النفي
والإثبات فـ (لا إله) نافية جميع ما يعبد من دون الله سواء كان المعبود نبيًّا
مرسلاً أو ملكًا مقربًا ودالة على التبرؤ من الشرك وأهله بالأفعال والأقوال و (إلا
الله) تثبت العبادة لله ومعنى ذلك أن تكون عبدًا مطيعًا لله تطيعه فيما أمرك به،
وتجتنب ما نهاك عنه. وشهادة أن محمدًا رسول الله حقيقتها ومعناها أن تقتدي به
وتتبع سنته بفعل ما أمرك به، واجتناب ما نهاك عنه، وأن يكون الله ورسوله
أحب إليك من نفسك وأهلك ومالك.
(الركن الثاني) إقامة الصلاة لأنها أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين، فمن
حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. والثالث والرابع
والخامس إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام.
فأرجو أن يوفقنا الله وإخواننا المسلمين لإقامة أركان الإسلام جميعها مع
الإخلاص بالعمل والنية الصالحة. ومن المعلوم أنه لا دين ولا إسلام إلا بالعمل
بأركان الإسلام وأدائها على الوجه المشروع. وإن من جماع الأمر النصح لله
ولرسوله ولدينه ولأئمة المسلمين وعامتهم بكل مكان وكل زمان وعلى الأخص في
هذا الحرم الشريف. والذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله والمسارعة إلى ذلك
والاجتهاد فيما يحبه ويرضاه، وأن تفكروا فيما خلقتم له وفي مآلكم بعد انقضاء
آجالكم، فإنه لا شيء بعد ذلك إلا جنة أو نار. والعاقل منا ومنكم مَن فكَّر وسعى فيما
يرضي ربه وينجيه من عذابه.
إن أول وصيتي لكم - إخواننا أهل مكة - أن على علمائكم الالتفات إلى أمر
الله ومعرفة حقيقة التوحيد والاجتهاد بما يزيل البدع والضلالات، وتبيين الحق لعباد
الله الفقراء إليه، فإن تعليم الناس وتبيين الحق من الباطل من أهم الأشياء التي يجب
على العلماء القيام بها فإذا فعلوا ما يجب عليهم فقد برئوا من عهدتهم. وإن من أهم
ما يجب عليهم بيانه للناس حقيقة التوحيد والعمل به وترك ما ينافيه من الشرك
والضلال والبدع. ثم حض الناس على إقامة شرائع الإسلام مثل الصلاة والمحافظة
عليها، ومعرفة أركانها وواجباتها ومفسداتها وكذلك غيرها من أركان الإسلام وأن
ينهوا الناس ويزجروهم عن الأعمال الخبيثة من قول وفعل واعتقاد وعن جميع
المنكرات التي تحرمها الشريعة وإني أطلب إلى العلماء أن لا يكتموا شيئًا مما في
نفوسهم فيما يتعلق بأمر العقيدة التي تفاوضنا وإياهم فيها وأقروها فما كان موافقًا
لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيجب علينا جميعًا العمل به؛ لأن
دين الله واحد ونحن جميعًا عبيد لله، وأكرم الخلق على الله من اتقاه قال تعالى
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: ١٣) وما كان مخالفًا للكتاب
والسنة فالساكت عنه على خطر.
إنه لا عذر بعد اليوم لأحد بالسكوت، وأكرر عليكم مرة ثانية إنه من رأى
منكم منكرًا يخالف الكتاب والسنة من قول أو عمل فليراجع فيه العلماء الموجودين
في مكة وهم الشيخ عبد الرحمن بن داود والشيخ محمد الشاوي ومن لم يستطع
مراجعتهما فليبين لي الأمر ولكم عليّ أمان الله وعهده أن أنفذ ما يقتضيه الحق وما
أثبتته الشريعة من نفي وإثبات على نفسي وأسرتي وعلى العلماء والعوام.
وأما أنتم - يا أهل نجد علماءكم وعامتكم والمسؤول في هذا هم الذين ذكروا
أعلاه الشيخ عبد الرحمن والشيخ محمد.
فالواجب عليكم أن تتناصحوا فيما بينكم وتناصحوا إخوانكم جيران البيت
الحرام وتشفقوا عليهم كشفقتكم على أنفسكم وأولادكم، وأن تسألوا الله لمهتديهم الثبات
ولجاهلهم الهداية. وأن يكون نصحكم لهم كنصحكم لأنفسكم وأحبابكم بالرفق واللين
والشفقة وأن تستروا عليهم كما تسترون على أنفسكم وأحبابكم، وأن لا تجسسوا عليهم
وأن لا تظنوا بهم ظن سوء فمن خدعكم بالله فانخدعوا له، فإن كان صادقاً فالحمد
لله، وإن كان غير ذلك فليس لنا إلا الظاهر وحسابه على الله.
فعليكم أيها العلماء القيام بالوظيفة التي ألزمنا الله وإياكم بها، وأنتم أيها العامة
عليكم أن ترتدعوا عما نهاكم الله عنه، ثم عمَّا نهيناكم عنه.
أيها العلماء: إن الأمر قد جعلناه في ذمتكم فعليكم أن تقوموا بالواجب على
الوجه المشروع، وأن تواسوا إخوانكم أهل بيت الله الحرام وجيرانه بأنفسكم من
النصيحة بالقول والفعل وأن تأخذوا على يد السفيه من كافة أهل نجد وتمنعوهم من
الاعتداء بالقول والفعل إذ ليس لأحد منهم رخصة في ذلك، وإنما على الموظفين أن
يقوموا بوظائفهم حسبما يطلب منهم كما سنبينه.
إن الذي آمركم به أيها العلماء هو أن تجتمعوا مع إخوانكم من أهل البلد
الحرام وترتبوا أناسًا ترتضونهم في أمر دينهم ودنياهم توزعونهم في الأحياء
والأسواق حتى إذا رأوا من أحد كلامًا أو عملاً يخالف المشروع من شرك أو بدعة
أو فسوق أقبلوا عليه ونصحوه بلين ورأفة، فإن قبل منهم المخطئ واستغفر وتاب،
فالحمد لله وهو المطلوب وإن تردد في ذلك وتعنت يأخذونه باللين والهون إليكم
حيث تقيمون عليه بعد ذلك ما يجب سواء بنصيحة أو بأدب وهذا هو الأمر الأول
الذي يجب على الموظفين القيام به.
ثانيًا: عليهم أن يحضوا الناس على صلاة الجماعة وأن لا يتأخر أحد عن
أدائها في المساجد، فمن تأخر لأول مرة نصحوه فإن تكرر منه ذلك رفعوا الأمر إليكم
حيث تنفذون فيه الأمر المشروع.
ثالثًا: أن يراقبوا كافة أهل نجد ويمنعوهم من الاعتداء بالألفاظ كقول جاهل:
يا مشرك أو يا كافر أو يا فاسق، وكذلك يمنعونهم من الاعتداء باليد وغيرها فمن
اعتدى يؤدبونه فإن عاند حملوه إليكم لتنفذوا فيه من العقوبة ما يستحقه عمله أما
عامة أهل مكة:
(أولاً) ترك ما يخالف الشرع من كلام شرك ودعوة غير الله واستغاثة بغير
الله وتوسلات مبتدعة وزيارات القبور أو غيرها بقصد التبرك بها أو طلب شيء
منها؛ لأنه لا يجوز الطلب من غير الله أما الزيارة المشروعة فلا بأس بها ولكن
المحال التي كانت عليها القباب من قبل فدفعًا لشبهة وردًا لحجة جاهل لا نرى
زيارتها، ولو أننا نبرأ إلى الله من تحريم زيارة القبور على الوجه المشروع ولكن
مراعاة قاعدة من قواعد الشرع المشهورة وهي (أن درء المفاسد مقدم على جلب
المصالح) .
(ثانيًا) عليكم بالمحافظة على الصلاة والمبادرة لأدائها مع الجماعة وترك
الأعمال إلى انقضاء الصلاة.
(ثالثًا) عليكم ترك التكلم بالكلام الخبيث الذي ينهى عنه الإسلام.
(رابعًا) عليكم بالامتناع عن جميع الشبهات التي تحرمها الشريعة الإسلامية
من قول وعمل مثل المسكرات أو جنسها والابتعاد عن مواقف الفساد والبعد عن
البغي والمحرمات وترك الربا في جميع مظاهره. وعلى الإجمال أن تجتنبوا جميع ما
حرمته الشريعة الإسلامية فمن اجتنب ذلك فهو أخونا ونحن إخوانه، ومن ترك شيئًا
مِن المأمور به أو فعل شيئًا من المنهي عنه فلا يأمنن العتب ولا يلومن إلا نفسه
ونبرأ إلى الله أن نفعل به فعلاً من تلقاء أنفسنا بل نرد أمره إلى الشريعة المطهرة وننفذ
ما أمرت به فيه.
أما أنتم يا عامة أهل نجد فليشتغل كل بعمله ولا يتعرض لما لا يعنيه وأنهاكم
ثم أنهاكم عن الكلام الفاحش كأن يلعن أحدكم أحدًا أو يتكلم بقول: يا مشرك يا كافر
يا فاسق يا خبيث أو يرفع يده على أحد بضرب أو غيره، فالفاعل لذلك هو مني في
حرج أولاً، ثانياً (إذا) ثبت عندي أنه تكلم بهذا الكلام أو ضرب بيده ولو كان
منكرًا لمنكر فإني مجبر على تأديبه وإصابته بما يضره فإن ادعى المنكر أنه أنكر
عملاً بحديث (من رأى منكم منكراً فليغيره) فهذا صحيح ونقره على ذلك ولكن
يشترط أن يكون الإنكار على وجه المشروع إذ يشترط فيه أولاً أن يكون المنكر متحققًا
من أن الشيء الذي ينكره منكر بالنص، ثانيًا أن يكون عليمًا بما يأمر به عليمًا بما
ينهى عنه، حليمًا فيما ينهي عنه رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهي عنه، فإذا كملت
هذه الخصال الأربع فلينه برفق، ونصيحة، وستر فإن أطاعه المأمور
فالحمد لله وإن أبى أو عاند فلا يتكلم معه بكلام فحش ولا يتجاوز عليه برفع يده أو
غيرها بل يخبر بذلك الموظفين بالأسواق وهم ينظرون في شأن المخالف يرجعونه
إلى العلماء. فمن تجاوز فقد عصى الأمر وجنى على نفسه واستحق التأديب.
وعلى ذلك فقد برئت الذمة بما كلفنا به العلماء وأمرنا به الرعية، فمن رأى ذلك
صوابًا موافقًا للكتاب والسنة فليجتهد في ذلك ونسأل الله لنا وله الهداية والثبات على
ذلك، ومن أنكر شيئًا في هذا أو رأى فيه شيئًا يخالف الكتاب والسنة وما
كان عليه السلف الصالح فليراجعنا فيه، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد أمرت الأمير خالدًا أن ينفذ ما يقرره العلماء وأن يكون خادمًا للشريعة
ويقيم الأمر على المخالف سواء كان من أهل مكة أو أهل نجد. وبهذا برئت ذمتي
وتعلق الأمر في رقاب العلماء أي علماء مكة وعلماء نجد وأكون معذورًا أمام من
جنى على نفسه وخالف الأمر من أهل مكة المكرمة أو من أهل نجد، والرجاء بالله
أن يجعلنا وإخواننا المسلمين من القائمين على النهج القويم والسائرين على الصراط
المستقيم، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وصلى الله وسلم على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
... ... ... ... ... ... ... ١٠ شوال سنة ١٣٤٣هـ
... ... ... ... ... عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود