(مقالة أرسلها شيخ مشايخ الطرق إلى جريدة المؤيد ونقلناها عنها)
من أهم الأشياء التي كان العقلاء يطلبون المبادرة بإصلاحها في الطرق الصوفية الأمور التي لها مظاهر عمومية والتي لا تحصل بين طائفة من الصوفية أو بين الرجل منهم ونفسه بل يشترك في رؤيتها والتأثر منها الصوفي وغيره والوطني والأجنبي معًا، وهذه الأمور أهمها: ١- المواكب التي كان يراها الناس كل يوم في أزقة المدن، وطرقات القرى وبلدان الأرياف، وما يتخلل الكثير منها من المنكرات كالموكب الأحمدي وغيره، وكانت في الأصل موعدًا سنويًّا لاجتماع رجال الطريقة، أو الطرق ثم صارت إلى هذه الحالة السيئة. ٢- اجتراء البعض على تقليد احتفالات دينية في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد أن يتفرج عليه الحضور كما وقع كثيرًا أمام السياح وفي بعض منازل الإفرنج في مصر. ٣- الموالد التي تقام وما يصاحبها ويتخللها من الأمور التي تخالف الآداب الشرعية، وينعكس به الغرض الخيري الموضوع له المولد بالمرة. ٤- والثالث الأذكار التي يقيمها الصوفية في كل محل وناد وكثير منها مُباين بالمرة للذكر الشرعي المندوب إليه في الكتاب والسنة، وهو توجه المرء إلى الله تعالى سواء نطق باسمه الكريم أو لم ينطق، قائمًا كان أو قاعدًا، قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ} (الأعراف: ٢٠٥) ، وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (النساء: ١٠٣) . فعن الأمر الأول كتبت لعطوفة رئيس الداخلية، وقد تفضل حبًّا منه بالنافع من الأمر وعمل منشورًا هذا نصه: (نظارة الداخلية منشور نمرة ٨٠ بتاريخ ١١مايو سنة ١٩٠٥ بعدم عمل مواكب صوفية إلا بإذن من مشيخة الطرق) . طلب سماحة شيخ مشايخ الطرق الصوفية بمكتوبه لها رقم ٢٧ إبريل سنة ١٩٠٥ نمرة ٩٩ إنفاذ ما قرره المجلس الصوفي من منع عمل المواكب باسم الصوفية في القاهرة والأقاليم إلا بإذن من المشيخة؛ لأجل مراقبة ومنع ما يتخللها من الأمور المغايرة للآداب، وحيث إننا نرى موافقة ذلك فأكدوا بإجراء إيجابه بأنحاء جهتكم ومرسل بهذا عدد () من نسخ هذا المنشور لتوزيعها على الفروع التابعة إليكم. سماحتلو حضرة شيخ مشايخ الطرق الصوفية: هذه صورة ما كتب للمديريات والمحافظات بناء على طلب سماحتكم بشأن المواكب التي باسم الصوفية، ونأمل أن لا يعطى الإذن بعملها إلا لمن يتحقق أنه ممن يحافظون على الآداب تمام المحافظة، ولا يقدم على شيء يخل بها، أفندم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ناظر الداخلية ... ... ... ... ... ... ... ... ... مصطفى فهمي تحريرًا في ١١ مايو سنة ١٩٠٥ ومتى نفذ هذا تمامًا امتنعت كل هذه الموبقات المرذولة وأبطلت المواكب إلا ما كان لضرورة كالمواكب التي تحصل في المولد النبوي وغيره مع مراعاة الآداب التامة. وعن الأمر الثاني، عند تعديل قانون العقوبات المصري في سنة ١٩٠٤ تكلمت مع اللجنة المكلفة بدرسه في مجلس الشورى في وضع مادة لمنع ذلك، فوضعتها في ضمن المادة ١٣٩ وجعلت العقوبة المجعولة عليها هي الحبس مدة لا تزيد عن سنة، أو غرامة لا تتجاوز الخمسين جنيهًا مصريًّا. والسبب في وضع ذلك في قانون العقوبات أن من يفعل ذلك قد لا يكون من رجال الصوفية فلا يمكن إجراء العقوبات الصوفية عليه. فإذا أنفذ رجال البوليس هذه المادة والمنشور السابق ذكره حق تنفيذهما امتنع حصول هذه المنكرات من الآن تمامًا. وعن الأمر الثالث، وجد أنه لو قيد عدم عمل أي مولد إلا برخصة من المشيخة العمومية كان في ذلك تضييق وصعوبة على الناس. ولكن وضعت مادة خصوصية لذلك في لائحة الصوفية الداخلية وهي المادة السادسة من الباب الخامس قيل فيها (ويشترط أن لا يجاور مكان المولد شيء مما ينافي الآداب الشرعية كالألعاب والسخريات ونحوها) وكان المولد النبوي في مصر في هذا العام والعام الماضي مثالاً لذلك. وتنفيذ هذا الأمر منوط بوكلاء المشيخة في الجهات وبالرأي العام، فحيثما وجد شيء مغايرًا لذلك فله أن يحيط المشيخة العمومية علمًا به، وهي تجري ما يلزم حِياله. وعن الأمر الرابع، اشترط في المادة الثانية من الباب الخامس من اللائحة الداخلية الصوفية أن يبعد عن الطرق كل من أقام الذكر بهيئة مخلة للآداب الشرعية كالتمايل المشبه للرقص والتخبط ونحوه، وتنفيذ ذلك يكون بمثل تنفيذ الأمر المتقدم تماماً. اهـ (المنار) يعلم القراء أننا أنشأنا نطالب بإصلاح أهل الطرق منذ أنشأنا المنار، وقبل إنشائه كنا نطالب شيخ مشايخ الطرق في مصر بذلك، وقد ذكرنا في المنار منذ سنين أنه وعدنا بذلك مرارًا، وهذا الإصلاح الذي كتب عنه الآن لا يغني فتيلاً، فأما جعل الاحتفالات بإذن شيخ المشايخ في القاهرة ووكلائه في سائر بلاد القطر فليس بالأمر المهم، بل خاض الناس وبعض الجرائد في ذلك، وقالوا: إن الإذن لا يعطى إلا لمن يدفع مبلغًا من المال، وأما وضع القانون العقوبة على الأمر الثاني فهو يجعله كسائر ما يعاقب عليه لا يأتيه إلا من أمن العقوبة، وما هو من جوهر الطريق، وإنما هو من إهانته، والأمر المهم ما قال شيخ المشايخ أنه منعه في اللائحة التي وضعها لمشيخة الطرق، ويظهر من عبارته أنه في ريب من تنفيذها، بل هو معتقد أنها لا تنفذ؛ لأنه ناطها برأي وكلائه والجماهير، على أن الجماهير كوكلائه جاهلون يرغبون في هذه البدع. نعم، إن سُرادق الرقص وأكواخ الزنا قد منعت من المولد النبوي، كما منعت قبله من مولد الدمرداش، ولكن لا يزال الذكر في المَولِد على ما ينكر شيخ المشايخ، وهو بين يديه وخلفه وعن يمينه وشماله وفي داره أيضًا، وقد كان الفحش والزنا وغيرهما من المنكرات في مولد السيد البدوي أعم وأكثر في هذا العام منها في الأعوام السابقة، وكتب في ذلك كثير من الجرائد فلم تبال مشيخة الطرق بذلك، ولم تعمد إلى منعه ولا إلى النهي عنه، فلعلنا نجد من شيخ المشايخ همة عملية في إزالة هذه البدع من بعد تكون بدايتها إبطال الأغاني الغرامية والرقص والتمايل بالذكر من داره في رمضان، ويا ليته بيّن لنا وجه الضرورة في المواكب التي تعرض أمامه في المولد النبوي لنعذره على إبقائها.