(س٦) من محمد جمال أفندي سبط الفواردي بدمشق الشام سؤال موجه إلى العالم العامل والمحقق الكامل منار الفضل والعرفان الشيخ رشيد أفندي رضا حرسه الله وحفظه آمين. ما قولكم - ساد مجدكم - في مس حقوق الشركات الأجنبية وأرباب الامتيازات المعطاة لهم من الخليفة الأعظم هل هم معاهدون مستأمنون مصونو الحقوق أم حربيون؟ وهل يجوِّز الشرع لأحد هضم حقوقهم بدعوى أنهم دخلوا بلادنا وأخذوا الامتيازات من حكومتنا قهرًا، وإن كان بالصورة الظاهرة بأمان ورضى، أفيدونا الجواب، ولكم الشكر والثواب. (ج) إن احترام الأجانب المعاهدين أو المستأمنين واحترام أموالهم وحرمة التعدي عليهم أو عليها من المسائل المجمع عليها بين المسلمين المعلومة من الدين بالضرورة فليست مما يُسأل عنه أو يستفتى فيه، لولا تأويل المضلين. وقد كتب إلينا هذا السائل الفاضل كتابًا خاصًّا يعتذر فيه عن سؤاله هذا ويبين سببه وهو أن شيخًا من شيوخ الدجل معروفًا بمخادعة العامة واستمالتهم إليه بذم النصارى والتنفير منهم، وتلفيق كتب الأوراد والصلوات والكرامات قد أفتى من يظنون أنه من أهل العلم والتقوى بأن أموال الأجانب الذين في بلادنا مباحة للمسلمين فيجوز لمن قدر على أكل مال شركة الترام أو سكة الحديد أو غيرهما من الشركات الأجنبية أو الأفراد أن يأكل ما استطاع أكله سواء كان مستخدماً فيها أو غير مستخدم , ويتأول الحكم الشرعي المجمع عليه بأن هؤلاء الأجانب معاهدون أو مستأمنون في الظاهر ولكنهم حربيون في الواقع؛ لأنهم أخذوا الامتيازات بهذه الشركات من حكومتنا بالجبر والإكراه، لا بالرضى والاختيار. وهذا هو باطل التأويل، ومحض الكذب وقول الزور، فالامتيازات أخذت باختيار الدولة والسلطان الذي كان يقدسه مفتي الإباحة ويضلل مطالبيه بالإصلاح أو يكفرهم، والمعاهدات بين دولتنا ودول أصحاب هذه الشركات لا شك فيها، وإلا كانوا محاربين، ولا حرب بيننا وبين أحد منهم (إلا الإيطاليين الآن) والمصلحة في هذه المعاهدات لنا ظاهرة، وإذا نقض بعضهم شيئًا من شروط العهد فليس لأحد من أفراد الرعية أن يعده محاربًا ويستحل ماله ودمه، وإنما ذلك حق السلطان وأولي الأمر، ولولا ذلك لم يستقم نظام ولم تثبت مصلحة، ولو كان شرعنا العادل يبيح مثل هذا لما وثقت دولة من دول الأرض بعهودنا وأماننا، ولكانت معذورة في الاتحاد على استئصالنا، سبحان الله! جعل الشارع ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ولعن من أخفر ذمتهم، كما ورد في حديث علي كرم الله وجهه في الصحيحين والمسند وكتب السنن الثلاثة وغيرها ومن حديث غيره أيضاً. ومعنى (يسعى بها أدناهم) أن العبد أو الأجير من المسلمين إذا أمن بعض الحربيين وجب على كل مسلم أن يحترم أمانه ويحرم عليه أن يتعدى على من أمَّنه، أو يؤذيه في نفسه أو ماله. وقال الحافظ ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئًا ذكره عبد الملك بن الماجشون صاحب مالك قال: إن أمر الأمان إلى الإمام (الخليفة) ورد قوله بالحديث، واشترط أبو حنيفة في العبد أن يكون مقاتلاً ليصح تأمينه. وأما تأمين آحاد الصناع والزراع فلا خلاف فيه، ولكن دجال سورية ومفتي الإباحة فيها لا يعتد بتأمين السلطان نفسه ولا بعهده وعهد دولته بل يبيح السرقة والخيانة في الإسلام، وهما لا يباحان في حال من الأحوال.