بقلم سماحة السيد عبد الحميد كرامي زعيم طرابلس الشام
بسم الله الرحمن الرحيم إذا كانت الأعمال مرآة تنعكس فيها صورة أصحابها. وإذا كانت الآثار تنطق بقيمة أربابها. وإذا كانت الصفات الحميدة والمبادئ السامية والعقيدة الثابتة والإيمان الصحيح تدلك على الرجل الموهوب صاحب الشخصية البارزة والعظمة الحقيقية - فإن فقيد الأمة العربية المرحوم الشيخ رشيد هو ذلك الرجل العظيم والموهوب الحكيم، وإني أستشهد من الوقائع بأمرين: أما الأول: فتلك الأبيات التي تركت دويًّا في جميع الأوساط، وقد نفثها صدر المجدد الكبير والفيلسوف الشهير الشيخ محمد عبده - رحمه الله - ومنها هذا البيت: فبارك على الإسلام وامنحه مرشدًا ... (رشيدًا) يضيء النهج والليل قائم فقالت جماعات إن الإمام يعني بالرشيد فقيد اليوم، وقالت جماعات إن الرشيد تعود الاشتقاق العقلي فهي فعل بمعنى الفاعل، وكيف ما كان الحال فإن الفقيد لو لم يكن ذلك الرجل لما تبادر إلى أذهان الجماعات أنه الرشيد المرجو! وأما الأمر الثاني: فهو آثار الفقيد وتآليفه وإظهاره التعاليم الإسلامية الحقة بمظهرها الصحيح ووقوفه المواقف المشرفة في سبيل العروبة والإسلام، فإذا ما كتب ففي عقيدة، وإذا جادل فليقنع أو ليقنع، فهو إذن رجل اجتمعت فيه مزايا الرجل وحلاَّها بغزارة العلم ونبالة الخلق وسمو المبدأ وشدة الإخلاص وأصالة الرأي حتى كاد يتهمه البعض بالشدة، وما ذلك إلا لعدم محاباته لأحد في ما يعتقد أنه حق. وقد امتاز الإمام الرشيد في ثقافته وعلمه، وتفوق بالوفاء والإخلاص، وكلكم يعرف أكثر مني كيف كان وفيًّا بارًّا أمينًا لأستاذه الشيخ الإمام محمد عبده على الأخص، فعنده يتلاقى العقل بالأدب ويجتمع المنطق وسداد الرأي، ويتفق العلم مع الدين، ويكفيه فخرًا أنه وضع حدًّا لما علق من الريب في أذهان الناشئين، ولكل ما كان يلفقه الفرنجة خاصة من أعداء الدين، وأن السيد - رحمه الله - قد عرف وهو غريب الدار في مصر أن يجعل الأمة المصرية الكريمة تجمع على حبه واحترامه وتقديره، وها هي حفلتكم اليوم ناطقة بذلك الاحترام، معلنة هذا التقدير الذي أذكره بالخير والفخر لمصر قلب العروبة النابض، ومصر المضيافة الآخذة بمن يهبط بها من رجال الأدب ورجال السياسة إلى الذروة العليا فتغذيهم وتقويهم وتلهمهم بما هو كامن فيها من سحر وقوة وجمال. وإذا كان أبناء العروبة والإسلام مدينين للفقيد العظيم بما ألف وكتب ونشر، فإن السيد - رحمه الله - مدين بعظمته لمصر الخالدة العاملة على تشجيع ذوي الرغبة في خدمة أمتهم وبلادهم بما قدمت له وبما نفحته به، ومدين أيضًا للعالم الإسلامي بما أحاطه به من رعاية وتقدير وبحسن استفادته من علمه وفضله. إن العروبة والإسلام المفجوعين بفيقدهما الخالد وبولدهم الأمين الأبر؛ ولكن تعزيتنا أيها السادة هي في بقاء رجالات مصر وكواكبها المنثورة في سماء العبقرية، فذلك يخفف عنا أعباء المصيبة بفقيدنا الذي نسأل الله له الرحمة الواسعة، والجنة اليانعة، كما نرجو للبلاد العربية جمعاء وحدتها الشاملة ولمصر استقلالها الكامل لتعيد مجدها الغابر وعزها الدابر، وفي ذلك أكبر عزاء وأفضل رجاء. والسلام عليكم ورحمة الله. ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الحميد كرامي ... ... ... ... ... ... ... ... ... طرابلس الشام