للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المنار في سوريا
يشكو قراء المنار في الديار السورية من حجب الكثير من أعداده عنهم، وعدم
وصولها إليهم، وأخبرنا الوكلاء أن المشتركين توقَّفوا عن دفع بدلات الاشتراك، بل
وقفت الرغبة بالناس عن الاشتراك، يتوهمون عند احتجاب كل عدد أن المنار مُنع
من دخول بلادهم بأمر من الدولة العلية.
وكيف يمنع من دخول بلاد الدولة وهو الصادق في الخدمة لأمير المؤمنين
ودولته، والمخلص في نصيحة العثمانيين جميعًا، والساعي في تأليف القلوب وجمع
الكلمة، والحاثّ على التعاون على الأعمال المفيدة نجاح الأوطان، ولقد كان نمى
إلينا أن منع تلك الأعداد كان بأمر من جانب صاحب العطوفة، ملجأ ولاية بيروت
المعظم، فسألنا من بعض ثقات بيروت الوجهاء عن حقيقة ذلك وسببه لنجتنبه إذا
كان معقولاً، فكتب لنا ذلك الثقة أن حضرة الوالي يقول: إن مراقبة الجرائد مكلف
بها غيره، فالمنع إنما يأتي من قبل المراقب لا من قبل عطوفة الوالي، وكتب لنا
الثقة أن المراقب له أعوان، ويؤكد أن منع الجريدة إنما يكون من قبل أحد أولئك
الأعوان.
بقي لنا لمحة نظر إلى العلة الباعثة لأولئك الأعوان على منع ما منعوه
والمرجح الذي رجحوه به. امتازت جريدتنا على الجرائد العربية بدوام الحث على
التربية والتعليم، والنهي عن المنكرات، والترغيب في الفضائل، فلا يكاد يخلو
عدد من أعدادها من ذكر هذه الأشياء كلها أو بعضها؛ لأن الجريدة منشأة لهذا، وأما
الشؤون السياسية فإنما نلم بها في بعض الأحايين إلمامًا، وأكثر ما نورده من ذلك
نمزجه بمزيج الأدب، ونفرغه في أكواب التهذيب.
كنا نظن أن سبب عدم وصول بعض أعداد الجريدة إلى أصحابها إهمال
البوسطة العثمانية في بيروت، ونعجب كيف أن جريدتنا تصل إلى كثير من بلاد
الهند، بل وجزيرة سومطرا في أقصَى المعمور، ولا تصل إلى مشتركي بيروت
المجاورة لمصر، حتى تبين لنا أن لا تبعة عليها في ذلك، لكننا نرجو من مدير
عموم البوسطة أن يرد لنا الأعداد التي منعت وتمنع؛ لأنها ملكنا ولا يجوز
اغتصابها منا وأخذها بغير حق، ونحن ننتفع بها هنا ببيعها، فإذا علم أن هذه أعداد
منعت في بيروت وأرجعت إلى إدارة الجريدة، تتوجه رغبات المصريين للاطلاع
عليها، ويتهافتون على ابتياعها بزيادة عن ثمن المثل، وتلك عادتهم. ردوها علينا
ليزداد المصريون علمًا بقيمة العلم والنصيحة في بيروت، ويسبروا غور صدق
الموظفين وأمانتهم، وليقارنوا بين هذه المعاملة المبنية على أن الجريدة مضرة وبين
قول شيخ الإسلام ومفتي الديار المصرية: (يا ليت كل الجرائد كالمنار) ، ووافقه
على ذلك قولاً كل من كان لديه من أكابر علماء الأزهر في مجلس إدارته، حيث
قال الكلمة، وقول العلامة الأستاذ الشيخ حسن الطويل أحد أكابر علماء الأزهر:
(إن ما يُكتب في المنار هو خير ما يُكتب في الجرائد) ، وأمثال ذلك مما يلهج به
فضلاء المصريين وعقلاؤهم.
وإننا نختم هذه الكلمات بقولنا الذي نعلنه على رءوس الأشهاد: إننا نخدم بهذه
الجريدة أمتنا وسلطاننا بقدر فهمنا واجتهادنا، فمن كان يزعم من مراقب أو حاكم أو
غيرهما أن في الجريدة ما يضر بمصالح الأمة أو الإمام فلينبهنا عليه ونحن ننشره له
في الجريدة إن شاء، ونعمل بموجبه إن ظهر لنا أنه الصواب، وإلا فإننا نراجعه
القول حتى تتضح الحقيقة فنتبعها إن شاء الله تعالى، والله على ما نقول وكيل، ومن
منع الجريدة أو سعى بمنعها من غير تنبيهنا على ما يراه مضرًّا فيها لنجتنبه فهو
مستبد خائن لأمته وسلطانه وعليه إثمه {وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} (يوسف: ٥٢) .