للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أبو الكلام


وصف ثورة الهند السياسية السلبية
وانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية [*]
(٢)

نبذ القوانين الجائرة
قد غاظت هذه الهزيمة الحكومة، فعزمت على قتل الحركة بالقوة والشدة
ناسية أو جاهلة أنها لا تقتلها بها، بل إنما تقويها وتشد أزرها.
إن جمعية الخلافة وفروعها كانت نظمت المتطوعين الذين كانوا على
محافظتهم على نظام المجلس والمجامع العامة يقومون بخدمات كثيرة للأمة فكأنهم
كانوا جيشًا غير متسلح لها، فأعلنت الحكومة أن جماعتهم هذه غير قانونية فيجب
إلغاؤها، ثم منعت انعقاد المجالس فحرمت الأمة من حرية الاجتماع وحرية اللسان،
وهي من الحقوق الفطرية الطبيعية لكل إنسان، غير أن الحكومة لم تُبَال بسوء
عملها بل حَذَتْ حذو من تقدمها من الحكومات المستبدة المنقرضة؛ لأن التاريخ يعيد
نفسه.
وقد بدأت الحكومة بتنفيذ هذه القوانين الجائرة (بكلكتا) قبل غيرها من المدن؛
لأن قدوم البرنس إليها كان قريبًا؛ ولأنها من أعظم المدن الشرقية، وتكاد أن
تكون أوروبية لكثرة الأوروبيين فيها، فكانت مقاطعة البرنس فيها ثقيلة جدًّا على
الحكومة، فبادرت بإعلان هذه القوانين فيه، ولكن نشر صاحب هذا الخطاب في
الوقت نفسه إعلانًا ضد الحكومة، قال فيه: إنه يجب على الأمة نبذ هذه القوانين
نبذًا، والإقدام من أجلها على السجون أفواجًا، وقرر الأمور الآتية:
(١) أن الخضوع لمثل هذه الأحكام الجائرة، معناه النزول عن الحقوق
المدنية والإنسانية، وليس للحكومة أن تمنع المجامع السلمية، والأعمال الوطنية
الجائزة، فإننا إن نخضع لها خوفًا من الحبس والمهانة، نكون مجرمين أمام
ضمائرنا وأمام الإنسانية، فليس على محبي الحرية والحق إلا أن يعصوها،
ويوطنوا أنفسهم على جميع المصائب التي تصبها الحكومة على رءوسهم دون أن
يخضعوا لها طرفة عين.
(٢) يجب أن يوسع نطاق التطوع، وأن ينبعث المتطوعون في كل شارع
وزقاق معلنين للمقاطعة الملكية التي تريد الحكومة أن تجانبها، وإذا منعتهم السلطة
لا يطيعونها، بل يسلمون نفسهم للاعتقال بدون أدنى كره ولا مقاومة.
(٣) تعقد المجالس والمحافل في جميع المجتمعات العامة، وكل مَن يذهب
إليها يسلم نفسه للسلطة إذا أرادت القبض عليه.
(٤) كل مَن يقبض عليه، يقاطع المحاكم مقاطعة تامة في القول والعمل؛
لأن الحكومة التي تنوب عنها المحاكم جائرة ومقاطعتها واجبة، فلا معنى للاعتراف
بمحاكمها والسعي للدفاع فيها، فإنها لا تستطيع أن تخالفها وتنصف في حكمها.
(٥) تتوقف هزيمة الحكومة على العدد الذي يدخل منا السجن؛ فلنهرول
إلى السجون زرافات زرافات، حتى تتعب الحكومة من حبسنا ولا نتعب نحن من
الإقدام عليه.
وقد لبت الأمة الدعوة، فابتدأت الأعمال الجدية بكل قوة، وسارع الناس
أفواجًا إلى إدارات التطوع، وبدأت الاجتماعات العامة، وأخذ الخطباء يخطبون
ويقبِّحون الحكومة وظلمها وعسفها، فدهشت الحكومة وظلت في حيرتها أيامًا لا
تدري ما تعمل؛ لأنها كانت قد وقعت في نفس ذلك الشراك الذي بسطته يدها. فلا
هي تقدر على أسر جميع النابذين لأوامرها - لأن الناس كلهم نبذوها - ولا هي
تستطيع غض النظر عنهم؛ لأن هذا يُظْهِر عجزَها في تنفيذ قوانينها، غير أنها
عزمت أخيرًا على الاعتقال والتسجين ظانة أن الناس سيخافون من صولتها،
ويعودون إلى طاعتها؛ فأخذت تعتقل في (كلكتا) وحدها ألفًا من المتطوعين كل
يوم، وقد كان المنظر مؤثراً للغاية، فإن عصابات المتطوعين كانت تترى، فكلما
اعتقلت واحدة حلت محلها أخرى، وهكذا إلى الليل.
ثم أعلنت هذه القوانين القاسية في طول البلاد وعرضها، فحذت الأمة في كل
مكان حذو (كلكتا) في مقاومتها. فأخذ الوطنيون يظهرون في كل محل ويعصون
القوانين، وأخذت السلطة تقبض عليهم وتسجنهم، فأصبح السجن ألعوبة والرجال
أطفالاً يلعبون بها، وإن القلم ليعجز عن وصف تلك الحمية والغيرة والحماسة التي
كانت تشاهد في كل زقاق وشارع وبلد من القطر الهندي العظيم، فكان الناس
يتنافسون في التصدي للاعتقال والسجن والذين كانوا لا يعتقلون لسبب ما كانوا
يتحسرون على أنفسهم حتى الصبيان كانوا يبكون شوقًا إليه ويلحون على الشرطة
أن تعتقلهم! فكم من مئات منهم دخلوا السجون بإلحاح شديد وودعتهم أمهاتهم بدموع
الفرح ولم يكن المتطوعون وحدهم يقدمون أنفسهم للاعتقال بل كان الألوف من
المارة والسوقة إذا رأوهم على هذه الحالة يتحمسون فيتزاحمون ويقولون للشرطة:
نحن أيضًا منهم فاقبضوا علينا، فكان يقبض عليهم ويرسلون إلى السجون.
ولم يمض على هذه الحالة أسبوع إلا بدت علائم الملل والفتور والهزيمة على
وجه الحكومة؛ لأن السجون على كثرتها وسعتها كانت قد امتلأت؛ وكذلك جميع
تلك الأبنية التي استخدمت لهذا الغرض، واختل النظام والضبط في السجون
وعجزت الحكومة على تهيئة الطعام والشراب للمسجونين الوطنيين، فاضطرت
إلى أن تخلي سبيل ألوف منهم، فباب السجن كان يفتح وينادي المنادي فيهم (من
كان منكم يريد الذهاب فليذهب) ولكنهم كانوا يأبون الذهاب، فيحملون على
الأكتاف ويلقون وراء الباب، فيذهبون إلى الأسواق فيعصون الأوامر فيؤسرون
فيرجعون إلى السجن حيث كانوا قبل ساعات. فلما رأت الحكومة ذلك امتنعت من
إرسالهم إلى السجون فكانت تعتقلهم نهارًا وتطلقهم ليلاً من مراكز الشرطة غير أنهم
بمجرد خروجهم يعودون إلى عملهم القديم.
ضجرت الحكومة من هذه الحالة ضجرًا شديدًا، وأيقنت أن النار لا تخمد ما
دام الزعماء على حريتهم، فمدت يدها إليهم، وهم قد كانوا مستعدين لإجابة دعاتها
من أول يوم، معتقدين أنه لا بد لتقوية الحركة وتكميل العمل من سجنهم أنفسهم،
فألقي القبض على صاحب الخطاب في ١٠ ديسمبر سنة ١٩٢١ فذهب إلى السجن
بوجه ضاحك، وثغر باسم.
وقد كان - حفظه الله - أعلن قبل أسره بساعات في بلاغ إلى الأمة أنه
سيقبض عليه، ففي تلك الساعة يبتلي عزمها وثباتها، وقد جاءت تلك الساعة
ورأت الحكومة أن تلك الحركة أصبحت أقوى وأشد من قبل، حتى بلغ عدد
المسجونين خمسين ألفًا.
ولم يمض على أسره أسبوعان إلا وقد وجدت الحكومة نفسها عاجزة ومنهزمة
أمام هذه الحركة، فاضطرت إلى أن تجنح للسلم، فأعلن الوالي العام في (كلكته)
لوفد من حزب الاعتدال أن الحكومة ترغب في الصلح، وترحب بهدنة تعقد له،
فهي تمسك يدها عن القبض والأسر وتطلق سراح جميع المسجونين، ويمسك
الزعماء عن أعمالهم، بدون أن يعترف أحد من الفريقين بالغلبة والانكسار،
فيجتمعان في مؤتمر، وفي هذا الوقت نفسه أعلن أن الحكومة الهندية لا تألو جهدًا
في تقديم مطالب الهند في مسألة الخلافة إلى الحكومة المركزية. وهي مستعدة أيضًا
لكل عمل مُسْتَطَاع في المستقبل (وقد أرسلت الحكومة بعد هذا الإعلان بلاغها
الشهير بإمضاء الوالي العام وجميع ولاة المقاطعات إلى إنجلترا وهو الذي وقع
الخلاف في نشره بين اللورد كرزن والمستر ماتنغو القائم بأعمال الوزارة الهندية إذ
ذاك، فاضطر الثاني إلى أن يستعفي من خدمته) .
فلما دعيت جمعية الخلافة والجمعية الوطنية الكبرى إلى هذه الدعوة قبلتها
وأعلنت الهدنة، وقدمت الشروط الأساسية للمؤتمر المقترح، وكان الشرط الأول
منها أن تقبل حكومة لندرة المركزية كل ما يقرره المؤتمر غير أن الحكومة لم تقبل
هذا الشرط فعاد الحال كما كان.
(صاحب الخطاب)
أما صاحب الخطاب العالم العلامة الشيخ أبو الكلام أحمد فمن المؤسسين
للنهضة الجديدة الإسلامية في الهند - أقول من المؤسسين؛ لأنه لا يرضيه أن يقال
هو المؤسس لها- فإنه إلى سنة ١٩١٢ لم تكن في مسلمي الهند أي حركة عامة نافذة
قوية للإصلاح الديني ولا السياسي، فكانوا في الدين على جمود وتقليد ومحدثات،
وأما السياسة فلم يكن لهم فيها شأن فكانوا يجتنبونها ويخافون منها كأنها حية تنهشهم،
معتقدين أن الاستقلال يضر بهم، ويُمَكِّنُ الهندوس منهم، فبينما هم في الظلمات
إذ قام فيهم تلك السنة صاحب الخطاب فصاح بأعلى صوته {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ
الرَّشَادِ} (غافر: ٣٨) فأما الدين فقد دعا فيه إلى التوحيد الخالص والتمسك
بالكتاب والسنة ونبذ التقليد والبدع والخرافات، وتطهير الأعمال والعقائد من
المحدثات. قال: إن الدين ما كان عليه الرسول وأصحابه والسلف الصالح من أمته
لا ما قاله فلان وفلان، وإن القرآن مهيمن على الكتب السماوية والعلوم البشرية فلا
تشوهوا وجهه باليونانيات ولا بتخريفات المتفرنجين. ففتح باب الاجتهاد وفسر
القرآن بأسلوب بديع ونزهه عن كل التُّرَّهات. واستنبط منه ومن سنة الرسول كل
ما يحتاجه المسلمون في دينهم ودنياهم.
وأما السياسة فقد دعا فيها إلى الحرية التامة واستقلال البلاد والاتحاد مع أبناء
الوطن ومقاومة الأجانب المسيطرين بغير حق. فقامت عليه القيامة من كل جهة
وصوَّب المعارضون إليه نبالهم وبسطت الحكومة له شَرَكَها، ولكن لم توقفه
العراقيل في طريقه، ولا صدَّتْه الموانع عن عمله، فما زال يلقي الخطب الرنانة
ويحبر المقالات الحماسية ويقرع أسماعهم ببلاغته الشهيرة، ويوقظ قلوبهم بمواعظه
البالغة وينفخ في أجسادهم الميتة روح الدين والحرية حتى انتبهوا من رقدتهم وهبوا
من نومهم، وهرعوا إلى الداعي ملبين ومجيبين نداءه، وكل هذا في خلال بضع
سنوات المدة التي لا تكاد أن تصدق، وكانت لسان دعوته مجلة (الهلال)
الأسبوعية خالدة الذكر.
ويمكن تلخيص بعض مهمات دعوة الهلال الاجتماعية والسياسية في المواد
الآتية:
(١) أن العبودية سواء كانت للأجانب أو الغاصبين من الأمة نفسها لا
تجتمع مع الإسلام، وأن السعي للحرية والاستقلال وتحمُّل الشدائد والمصائب
والاغتباط بالموت في سبيله- كل ذلك واجب على المسلمين ووراثة ملية ورثوها
عن أجدادهم العظام فهم إما أن يعيشوا أحرارًا أو يموتوا كرامًا، وليس بين هذا
وذاك من سبيل في الإسلام؛ لأن شريعته ما دامت لا تبيح استبداد الولاة من
المسلمين أنفسهم فكيف تبيح لهم أن يعيشوا خاضعين لظلم الأجانب واستبدادهم؟
والمسلم الذي يقنع ويرضى بهذه المعيشة لا ريب في حرمانه من روح الحياة
الإسلامية.
(٢) على مسلمي الهند واجبان: إسلامي، ووطني. فالواجب الإسلامي
يطالبهم أن لا يحصروا نظرهم في حدود أرضهم؛ فإن جنسية الإسلام مطلقة من قيود
الوطن والنسل وشاملة لجميع المصطبغين بالصبغة الإسلامية حيثما وجدوا، ومن
أي أمة كانوا فيجب عليهم أن يعينوا إخوانهم المسلمين خارج الهند وينصروهم
ويخففوا مصائبهم عنهم، وأما الواجب الوطني فهو أن يتحدوا مع أبناء وطنهم
ويرخصوا نفوسهم في جهاد الحرية والاستقلال لبلادهم.
(٣) أن الدول الغربية لا تهدد الإسلام والمسلمين فقط بل الشرق بأسره
فيجب على الأمم الشرقية أن تتحد وتتفق لصون حريتها وحياتها من الغرب.
(٤) أن الدولة العثمانية هي البقية الباقية من الدول الإسلامية فيجب على
مسلمي العالم كلهم أن يساعدوها وينصروها ويرجحوا حقها وصيانتها على مقاصدهم
الوطنية؛ لأنها المركز المالي والسياسي لهم، ولا حياة للفروع بدون أصل.
(٥) اللغة العربية هي اللغة الملية للمسلمين كافة والوسيلة الوحيدة للتعارف
والاتحاد بينهم، وإن من العلل الجوهرية للانحطاط الاجتماعي والديني: انقراض
الخلافة العربية وهجران اللغة العربية وشيوع العجمية والفلسفة اليونانية بينهم
فيجب عليهم إحياء اللغة العربية الصحيحة وتعلمها حتى تصبح عامة بينهم.
(وإني أريد أن أقول هاهنا كلمة في (المسألة العربية) فإن كثيرًا من
إخواننا العرب يعتقدون أن مسلمي الهند يرجحون الترك عليهم ويكرهون استقلالهم
مع أن الأمر ليس كذلك، فهذا زعيم مسلمي الهند وقائدهم الأكبر ما زال يلح على
الدولة أن تمنح الولايات العربية الحكم الإداري، فقد صرح به في جميع مذكراته التي
بعثها إلى المرحوم طلعت بك وزير الداخلية إذ ذاك، والتي ناولها أحمد رضا بك
الشهير، ثم الدكتور عدنان بك مندوب حكومة أنقرة في الآستانة الآن عند قدومهما
إلى الهند، نعم إن مسلمي الهند ما كانوا يحبون أن يفترق الترك والعرب خوفًا من
انحلال الدولة الإسلامية وسقوط العرب في يد المستعمرين من الأجانب وقد وقع ما
كانوا يخشونه فثار الشريف و ... فإلى الله المشتكى!) .
ولما ابتدأت الحرب الكبرى أصبحت الهند في حالة تشبه حالة الأحكام العرفية
وأخذت الحكومة تسجن وتعتقل كل من ارتابت فيه، غير أن صاحبنا ظل على حريته
وثباته يقول ما كان يقوله ويقبِّح الظلم والاستبداد كعادته لم يُخِفْه عفريت الحرب ولم
ترعبه السلطة العسكرية، ثم لما بدأ الخلاف بين الدولة العليا والخلفاء وحجزت
بريطانيا البارجتين العثمانية (رشادية وعثمان أول) وخشي نشوب الحرب بينهما
قام في ذلك الوقت العصيب أيضًا بكل جرأة وشجاعة يُظهر أفكاره وآراءه في
مقالاته وخطبه، وقد نبَّه رجال الحكومة شفهيًّا أن الحرب مع الدولة العثمانية (يؤلب
المسلمين على بريطانيا) ويقع مسلمو الهند في موقف حرج فلا يكون أمامهم إلا أن
يكونوا مع الإسلام أو مع بريطانيا فيجب عليها أن تسلم بمطالب تركيا ولا تذرها
تنضم إلى ألمانيا فإذا فعلت ذلك يبذل مسلمو الهند جهدهم في منع الدولة من أن
تكون مع ألمانيا، فإما أن تبقى على الحياد وإما أن تكون بجانب الحلفاء، غير أن
الحكومة لم تُصْغِ إلى نصحه ونشبت الحرب بين الدولة والاتحاديين فنشرت
الحكومة البريطانية في أول أكتوبر سنة ١٩١٤ إعلانًا في الهند قالت فيه: إن
الدولة البريطانية وحلفاءها قد اضطروا إلى دفع الهجوم العثماني، ولكن ليثق
مسلمو الهند أننا لا نهاجم تركيا ولا نقوم بعمل عدائي ضد البلاد الإسلامية المقدسة.
وقد نشر حفظه الله مقالة شهيرة بعنوان (القارعة) فصَّل فيها ما كان يراه
مسلمو الهند أحسن تفصيل ثم تحادث مع اللورد كار ماركل والي بنغالة الأسبق في
نفس هذا الموضوع، وكانت خلاصة حديثه معه وما كتبه في مقالته كما يلي:
(١) أن من المصائب علينا أن تقع الحرب بين الدولتين البريطانية
والعثمانية التي يعدها جميع مسلمي العالم صاحبة الخلافة الإسلامية وآخر دولهم،
وأن مسلمي الهند يجب عليهم شرعًا أن يكونوا مع الخلافة ويطيعوا أوامرها ويبذلوا
وسعهم لنصرها وحمايتها، فيجب على الحكومة أن تعلم هذه الحقيقة ولا تنخدع
بأقوال المنافقين الذين يخدعونها ويتملقون لها.
(٢) أن أكثر ما يستطيع مسلمو الهند أن يفعلوه لبريطانيا هو أن يبقوا على
الحياد ولا يتخذوا خطة عدائية لها، ولكن هذا إنما يكون إذا:
(أ) تركتهم بريطانيا على هذه الحالة فلم تطالبهم بمساعدة مادية ولا معنوية.
(ب) لا يُكره جندي مسلم على أن يذهب إلى ميادين القتال.
(ج) لا يهاجم الحلفاء البلاد الإسلامية بل يعلنون إعلانًا مؤكدًا بأن الحرب
لا تغير الحدود الحالية للدولة الإسلامية ويضمنون استقلال الدولة العثمانية.
(٣) وإن لم تقبل الحكومة البريطانية هذا فمسلمو الهند يضطرون إلى
فرضهم الديني فيفعلون كل ما في وسعهم لحفظ الخلافة والبلاد الإسلامية؛ لأن
هجوم الأجانب عليها يوجد حالة النفير العام فيجب على جميع مسلمي العالم شرقًا
وغربًا أن يهبوا للدفاع عنها.
فلما رأت الحكومة أن حضرته متصلب في أفكاره ومُصِرٌّ على أعماله وأنها لا
تستطيع استمالته إليها بالترغيبات ولا تخويفه بالتهديدات كما فعلت بالآخرين أقفلت
أولاً جريدته ثم نفته من مقاطعة كلكتا مستقره ثم بعد ستة أشهر سجنته في معتقله
ولم تخل سبيله إلا بعد الهدنة في يناير سنة ١٩٢٠.
ولكنه بمجرد خروجه من معتقله انهمك في إنهاض هذه الحركة الجديدة للخلافة
والدعوة إليها ولم يسترح يومًا واحدًا - وها نحن أولاء نراه بعد سنتين قد سلم نفسه
إلى السجن ثانية فهو الآن بين جدرانه المربعة ثاويًا، وفي حجرة ضيقة منه قانعًا،
فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
((يتبع بمقال تالٍ))