إن ما قرره هذا الملك العربي الهمام من أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم هو الحق الواقع الذي لا يقبل المراء ولا المكابرة، وإن ما ذكره من نعم الله تعالى عليه بالإمارة والملك وحب قومه وطاعتهم له صحيح يعرفه له ولهم كل من له وقوف على تاريخه فيهم، وكذلك ما قاله من حبه للسلم والوفاق، ومن دلائله اتفاقه مع سيادة إمام اليمن حتى إذا ما وقع الخلاف على جبل عرو حكَّمَه الإمام يحيى فيه فحكم على نفسه، وترك ذلك الجبل الحصين له، وكان هذا الحكم موضع إعجاب الشعوب العربية والأعجمية، واستغراب الدول الغربية. وكذلك قوله: إنه مسلم سلفي يدعو إلى الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الخلفاء الراشدون، والأئمة المجتهدون، فهو حق تشهد له به خطبه وسيرته في أحكامه بقدر استعداده واستعداد علماء بلاده، على انتقاد يوجه إلى بعض رجال حكومته، منه ما خوطب به ومنه وما لا يحيط به علمًا، ومنه ما يقول: إنه ضرورات قضى بها ضعف الأمة وضعف استعدادها، وكثيرًا ما أشرنا إلى هذا في المنار، وفصَّلْنَاه لجلالته في المكتوبات الخاصة. وأما الشيء الجديد المهم في الخطبة فهو قوله: (أنا مبشر أدعو لدين الإسلام ولنشره بين الأقوام) فهذا نعده وعدًا منه لا يمكنه إيفاؤه إلا بتأسيس جماعة ومدرسة للدعوة والإرشاد كالذي سبق لنا في مصر، والذي قرر مثله المؤتمر الإسلامي الذي عقد في العام الماضي في بيت المقدس. وكذلك قوله: إنه يبذل كل مجهوداته لتوحيد الأمة العربية وجمع كلمتها، فهو وعد تطالبه به الشعوب العربية عالمة أنه أقوى دولها وحكوماتها، وأن مقامه في قلب جزيرتها من الحجاز ونجد يعطيه من قوة المركز ما يزيد قوة جيشه أضعافًا مضاعفة، وحسبنا من قوة جيشه وتأمين بلاده، وحفظ مركزه من التعدي الخارجي وتمكنه من العمل، وإنما يعوزه العلم والمال وهما مما يأتي به الرجال، إذا صحت النية ووضع النظام لكل عمل من الأعمال، ومتى وثق المسلمون بهذا فإن عربهم وعجمهم يبذلون له ما يستطيعون من المساعدة، وفقه الله تعالى ووفق سائر المسلمين لإحياء مجد الإسلام.