للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عود إلى سرد الأحاديث الموضوعة
مناقب الصديق
(١) حديث إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قال: (يا أبا بكر ألا
أبشرك؟ قال: بلى فداك أبي وأمي، قال: إن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم
القيامة عامة ويتجلى لك خاصة) رواه الخطيب عن أنس مرفوعًا، وقال: لا أصل له
وضعه محمد بن عبد بن عامر، وله طرق منها أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال
لأبي بكر: (أعطاك الله الرضوان الأكبر) فقال بعض القوم: يا رسول الله وما
الرضوان الأكبر؟ قال: (يتجلى الله في الآخرة لعباده المؤمنين عامة ويتجلى لأبي
بكر خاصة) رواه أبو نُعيم عن جابر مرفوعًا، وفي إسناده محمد بن خالد الختلي وهو
كذاب، ولا يَغُرنك ذِكْر الحاكم له في مستدركه فكم في المستدرك في الأحاديث
الموضوعة والواهية.
(٢) حديث إن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني كنت معك في
الصف الأول فكبرت وكبرت فاستفتحت بالحمد فقرأتها فوسوس إليَّ شيء من
الطهور، فخرجت إلى باب المسجد فإذا أنا بهاتف يهتف بي وهو يقول: وراءك،
فالتفت فإذا أنا بقدس من ذهب مملوء ماء، أبيض من الثلج وأعذب من الشهد
وألين من الزبد عليه منديل أخضر مكتوب عليه: لا إله إلا الله. الصديق أبو بكر،
فأخذت المنديل فوضعته على منكبي وتوضأت للصلاة وأسبغت الوضوء ورددت
المنديل على القدس، ولحقتك وأنت في ربع الركعة الأولى فتممت صلاتي معك
يا رسول الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبشر يا أبا بكر الذي وضأك
للصلاة جبريل، والذي مندلك ميكائيل، والذي مسك ركبتي حتى لحقت للصلاة
إسرافيل. هو موضوع ومحمد بن زياد المذكور في إسناده كذاب، وقد روى نحو هذا
لعلي بن أبي طالب، وفيه ذكر المنطل والمنديل، والكل كذب موضوع.
ونقول: يا ليت عزرائيل انتقم من واضع هذا الحديث؛ لأنه لم يجعل له حظًّا
في هذه الخدمة فأخذ روحه الخبيثة قبل أن تصل أكاذيبه إلى الناس. وإن الممارس
للسنة الفقيه في الدين ليعرف فيه الكذب وإن لم يطلع على نقلنا عن المحدثين في
وضعه وكذب مخترعه، ولكن جهلة العامة يُفتنون بمثله وينظمونه في سلك الكرامات
والخوارق.
(٣) حديث إن الله لما خلق الأرواح اختار روح أبي بكر الصديق من بين
الأرواح، فجعل ترابها من الجنة، وماءها من الحيوان، وجعل له قصرًا في الجنة
من درة بيضاء ... إلخ رواه الخطيب عن عائشة مرفوعًا، وقال: لا يثبت وقد اتهم
به هارون بن أحمد العلاف المعروف بالقطان. وقد جزم الذهبي في ترجمته
من الميزان بأن هذا باطل، وفي معناه أحاديث نترك ذكرها، فلتقس عليه.
(٤) حديث أن يهوديًّا قال لأبي بكر: والذي بعث موسى وكلمه تكليمًا إني
أحبك، فلم يرفع أبو بكر له رأسًا تهاونًا به فهبط جبريل وقال: (يا محمد إن العلي
الأعلى يقرئك السلام ويقول لك: قل لليهودي الذي قال لأبي بكر: إني أحبك - إن
الله قد أحاد عنه في النار خلتين: لا توضع الأنكال في عنقه ولا الأغلال في عنقه
لحبه أبا بكر ... ) ... إلخ رواه ابن عدي عن أنس مرفوعًا وهو موضوع في
إسناده وضَّاعان.
(٥) حديث: (إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا
له تفلحوا وأطيعوه ترشدوا) رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا، وهو موضوع
للاحتجاج به على الشيعة، بل كل هذه الأحاديث قد وضعت لمثل هذا الغرض فقد
كانت سوق الرواية رائجة في أيام الفتن والخلاف، فوضع الكذابون من كل قوم
من الأحاديث ما شاءوا، ينصرون بها مذهبهم فما كان أشأم تلك المذاهب على
الإسلام! ! !
(٦) حديث: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع جبريل إذ مرَّ أبو بكر
فقال: (هذا أبو بكر) قال: (أتعرفه يا جبريل؟) قال: (نعم، إنه لفي السماء
أشهر منه في الأرض وإن الملائكة لتسميه حليم قريش، وإنه وزيرك في حياتك
وخليفتك بعد موتك) رواه ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعًا، وفي إسناده إسماعيل
ابن محمد بن يوسف كذاب. وذكر له صاحب (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث
الموضوعة) طريقًا أخرى فيها وضاع. وقال الذهبي: إسناده مظلم، وتعقبه ابن
حجر في لسان الميزان بأن رجاله معروفون بالثقة، وليس فيهم من ينظر في حاله إلا
المعلَّى بن الوليد، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. قال في الفوائد المجموعة مستدركًا
على ابن حجر: بل في إسناده إسماعيل بن محمد وهو كذاب، وقد قال الحاكم: إنه
يروي الموضوعات. فلينظر القارئ كيف يشتبه في مثل هذا الحديث الحافظ ابن
حجر، وينسى إسماعيل الذي حكم عليه بالوضع الحاكم على تساهله ووقوعه في
رواية الموضوعات بحسن ظنه.