للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مسيح الهند

ملأ هذا الرجل المدعي المهدية والمسيحية الدنيا صراخًا ونشر الكتب
والرسائل الناطقة بدعواه في الهند ثم في سائر الأقطار الإسلامية، ولكن لا يتفهم
أحد حقيقة مراده، والأصول التي يدعو إليها في كتبه ورسائله كلها سجع كسجع
الكهان، بل هو أقل وأضعف، فإن صبر الإنسان على قراءته ليفهم مراده يرجع إلى
ذهنه بعد القراءة فلا يجد فيه إلا إطراء هذا المدعي أو الدعيّ نفسه والإغراق في
الثناء عليها وذم الذين لا يؤمنون به ولا يجيبون دعوته وربما يجد في الكتاب
الطويل كلمات في دينه الجديد لا يعقل أحد لها فائدة إلا تزلفه للإنكليز ليتركوه وشأنه
يتمتع بلقبه الذي زعم أن الله منحه إياه (المسيح) كنسخه حكم الجهاد وتحريمه
على المسلمين، وكمدحه الإنكليز والدعاء لهم؛ لأنهم يحمونه.
ليخبرنا هذا المسيح الدجال أين المسلمون المشتغلون بالجهاد فيجعل ركن
دعوته وأسّ إصلاحه إرجاعهم عنه، ألم ير أن معظم بلادهم ذهبت من أيديهم
لإهمالهم أمر المدافعة عنها؟ ألم ير أن الأجانب الذين يعيبونهم بأنهم أمة حربية قد
سبقوهم في الفنون الحربية حتى سادوا عليهم؟ فهل نزل عليه الوحي من أوربا بأن
الحرب عار على المسلمين، فضيلة للمسيحيين، فصدَّق الوحي الأوربي وقام يدعو
إليه قومه ليهديهم ويلم شعثهم ويرأب صدعهم!
يزعم أن الأخبار الواردة بنزول المسيح كلها تصدق عليه، الأخبار ناطقة
بنزول عيسى ابن مريم، فأين عيسى عليه السلام من غلام أحمد القادياني عليه
الملام! الأخبار ناطقة بأن المسيح ينزل من السماء بين ملكين فأين الهند من السماء؟
وأين الملائكة من أتباعه البلداء؟ الأخبار تصف المسيح بما لا ينطبق عليه مهما
تنطع في التأويل، وزخرف الأباطيل، يقول: (إن ظاهر القرآن يدل على أن
المسيح قد توفي وأنهم اكتشفوا قبره) . نقول: إذا سلمنا لك أنه مات لأنه هو
ظاهر القرآن، فهل يدل موته على أنك أنت المراد بالأخبار الواردة في نزوله؟ كلا
فإما أن تؤول الأحاديث تأويلاً مقبولاً، وإما أن تقول إنها غير صحيحة متنًا، وإن
صحت سندًا؛ لأن القرآن متواتر قطعي وهو كلام الله تعالى فكل قول خالفه فهو
باطل إذا كان لا يتفق معه بالتأويل.
يدعي هذا الدجال أنه جاء بخوارق العادات؛ لأنه ألف كتابًا عظيمًا في عينه
وحقيرًا في أعين الناس، لما فيه من الهذيان والوسواس فإذا كان التأليف السخيف
دليل المهدية والمسيحية، فهل يكون التأليف الذي يستحسنه جميع العقلاء دليلاً على
الألوهية؟ أيظن هذا الغافل أن القرآن كان معجزة للنبي صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم لأنه كتاب مؤلف؟ كلا إنه معجزة؛ لأنه اشتمل على أعلى العلوم الإلهية
والاجتماعية التي اهتدى بها الناس وصلحت عقائدهم وأخلاقهم، وقد ظهر مع ذلك
بلسان أمي لم يتعلم شيئًا؛ فهذا هو الوجه الأعلى في إعجازه، ومن وجوهها أنه
وصل من البلاغة إلى حد عجزت عن بلوغه البلغاء مع أنَّ الجائي به لم يكن معروفًا
بالبلاغة، ومن بلغ الأربعين ولم يعرف له امتياز بالشيء فلا يعقل أن ينتقل مرة
واحدة إلى درجة يفوق بها جميع الناس بذلك الشيء إلا بإمداد من بيده خرق العادات،
والمؤيد مَن شاء بالآيات البينات، وأما زعمه أن الفاتحة تدل على مسيحيته وأن
لفظ الرحمن الرحيم يدل على محمد خاتم الأنبياء وعلى مشيخة أحمد القادياني فهذا
أقبح تلاعب بالقرآن ويمكن أن يستدل صاحبه بكل كلام على كل شيء لأنه لا يتقيد
بلغة ولا عقل ولا فهم، فعسى أن يرجع هذا القادياني إلى رشده، ونرى الجزر قلل
من طغيانه ومده.
((يتبع بمقال تالٍ))