للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تعازٍ ووفيات

السيدة أم عاصم
أعزي عمي التقي الفاضل، والعالم العامل السيد الشيخ محمد كامل عن وفاة
قرينته العاقلة التقية المهذبة السيدة زلفى أم عاصم، كانت رحمها الله قارئة كاتبة
مربية مقتصدة قرة عين لعمي ولأسرته فرحمها الله تعالى، وأطال حياة أنجالها في
حجر والدهم الكامل آمين.
توفيق بك الحموي
وأعزي الرصيف الكبير صاحب السعادة سليم باشا الحموي صاحب جريدة
الفلاح الغراء، عن وفاة ولده البار النجيب توفيق بك، اختطفته المنية في ريعان
الشباب من مهد المدارس ومعهد العلوم والمعارف، وكان في هذا العام من السابقين
في أخذ شهادة الدراسة الثانوية، ووجه همته بعد ذلك لتعلم علم الحقوق، قَضَى في
١٩ من الشهر الإفرنجي الحاضر عن عشرين ربيعًا لم يعرف فيها غير الدفاتر
والمحابر، فنسأل الله تعالى أن لا يفجع هذا الشيخ الكبير بمثل هذا المصاب،
ويحفظ له أهله وولده ويحسن عزاءه على من فقد، آمين.
خريستفورس جباره
وأعزي الثبات والصبر والهمة والاستقامة عن وفاة خريستوفورس جبارة
الشهير الذي قام في نفسه منذ سنين أن سعادة العالم الإنساني لا تتم إلا باتفاق أهل
الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام، كان هذا خاطرًا وفكرًا، ثم
صار وجدانًا ملك عليه أمره، وحمله على الدعوة إليه بالقول والكتابة، أنشأ أولاً
جريدة نشرة سماها شهادة الحق، وبث دعوته في أمريكا في معرض شيكاغو وغيره
وكان يكتب الرسائل الطويلة فيه إلى علماء الدين المشهورين في بلاد الشرق وهو
في أمريكا أقصى الغرب، ثم جاء إلى مصر وألف فيها كتبًا ورسائل كثيرة يوفق
فيها بين التوراة والإنجيل والقرآن، فحرمته الكنيسة الأرثوذكسية، وكان قد وصل
من رتبها الكهنوتية إلى رتبة الأرشمندريت، وكذلك قابله المسلمون بالهزء
والسخرية فاحتمل من الإيذاء ما هو معهود في كل من يدعو الناس إلى خلاف ما هم
عليه.
كان الفقيد موحدًا يقيم الحجة على أنه ليس في الإنجيل ولا في رسائل الرسل ما
يدل على التثليث، ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمن بالقرآن
وبرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومما كان يخالف فيه المسلمين مسألة
صلب المسيح وكان يؤول قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} (النساء: ١٥٧) وبالجملة إن ما كان يدعو إليه هو من مقاصد الإسلام؛ ولكن لم يكن
عنده من العلم بالإسلام وبعلوم الاجتماع والأخلاق ما يقدر معه على إقامة الحجة على
كل مناظر له، وكان استفتى مفتي الديار المصرية عن عقيدته بكلام مجمل صريح
بالإيمان بنبوة محمد وصدقه في كل ما جاء به، فأجابه المفتي جوابًا قيَّد فيه اعتبار
إسلامه بعدم إنكار شيء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فجاءني وقال لي
إنني لم أفهم معنى هذه الكلمة.... .
أصاب الفقيد مرض ونقه منه، ثم انتكس وعند إحساسه بشدة وطأة المرض
جاءني وقال لي: إنني منذ سكنت مصر لم أعرف فيها رجلاً رحيمًا يفعل الخير لغير
علة إلا فضيلة المفتي، وقد اشتدت حاجتي إلى مبلغ كذا لأجل دخول المستشفى،
أو السفر ونفسي عليَّ عزيزة، فأرجو أن تأخذ لي من فضيلة الأستاذ المبلغ المذكور
فأجبته سمعًا وطاعة، ثم واساه الأستاذ حفظه الله تعالى بضِعْف ما طلب، ودخل
أولاً مستشفى قصر العيني بمساعدة أحد الوجهاء، ثم المستشفى النمساوي بمساعدة
وجيه آخر، وتوفي فيه بمرض القلب، ولما كان الرجل غير معدود في النصارى؛
لأنه محروم من بطريقهم الأكبر، ولا في المسلمين؛ لأنه لم يُعْرَف عندهم بموافقتهم
في عقائدهم، كان أمر دفنه مشكلاً، فحلَّ هذا الإشكال بعض أذكياء النصارى،
فشهد عند غبطة البطريق أن الفقيد اعترف قبل موته بالكنيسة الأرثوذكسية، ورجع
إليها فدُفن أرثوذكسيًّا، وأخذوا كتبه وفيها رد عليهم متين، أما حقيقة أمره وما
يصير إليه في الآخرة فذلك مفوض إلى العليم الرحيم.