يوم الجمعة ٢٥ شعبان ١٤ مايو سنة ١٩٢٠ قابلت ضحوة هذا اليوم الملك فيصلاً بداره، فأخبرني أن والده وافق على ما اقترحناه من تنفيذ مشروع (الوحدة العربية) والاتفاق مع ابن سعود مع المحافظة على شرفه وفوضه بذلك (قال) فيمكننا الآن إرسال وفد علني إلى ابن سعود، وقد عقد والدي اتفاقًا مع إمام اليمن. ثم قال: إنه جاءه من مصر أن الإدريسي (أي السيد محمدًا الكبير) أرسل إليّ كتابًا مع رجل اسمه السيد محمد السقاف، وسيصل إلى هنا حاملاً له في هذين اليومين (قال) وإنه يمكن عقد اجتماع في هذا العام في طابة. وأخبرته بمسألة استقدام ضيفنا وصاحبه (ضيفنا لقب أطلقناه بمصر على صاحب حجازي لنا يشتغل بالسياسة، وكنت استأذنت الملك بطلبه إلى الشام فأذن) . ثم تكلمنا في مسألة العشائر، وهي تكاد تتم إن شاء الله تعالى اهـ. هذا ما كتبته في مذكرتي في ذلك اليوم بعد فراق الملك فيصل، وأعني بكلمتي الأخيرة أنني لم أترك مسألة السعي لتنظيم عشائر سورية وقبائلها بعد سقوط وزارة الركابي باشا؛ لأنني رأيت الملك فيصلاً لا يزال يُظْهِر لي عنايته بها، ووعد يومئذ بتنفيذها. وأقول الآن: إن كل ما ذكرت هنا من الأخبار لم يصح منه شيء، وأما الآراء فكان الملك فيصل ثابتًا على وجوب سعينا إلى (الوحدة العربية) والتوسل بما يعتقد من اتصال المودة بيني وبين ابن السعود على إدخاله فيها، وأنها لا تتم بدونه، وكان موافقًا لي على أن والده هو العقبة الأولى في هذه السبيل، فإذا ذُلِّلَت واقتحمت كان عقبة ابن سعود أهون منها. *** مكاتبة أمراء العرب في مؤتمر الوحدة العربية يوم الأحد ٥ رمضان ٢٣ مايو أرسلت قبل نصف الليلة البارحة إلى الملك فيصل الكتاب الذي طلبه مني لإرساله إلى ابن سعود، وقابلته ضحوة اليوم بداره الخاصة، وتكلمنا في المسألة العربية، وإمكان جمع مؤتمر من زعماء العرب في المدينة المنورة أو أي مكان يختارونه، وقال: إن والده يوافق على ذلك. وتكلمنا في مسألة سورية أيضًا، ومسألة سفره إلى أوربة، وعدم ارتياح الناس إلى هذا السفر وسببه، ومما قلته له (وهو فصل الخطاب) : إن المسألة يمكن اختصارها بكلمة واحدة، وهي هل يكون حكم البلاد لنا ونحن نستخدم من الأوربيين من نرى المصلحة في استخدامه؟ أم يكون لهم ويستخدمون منا آلات لإدارته؟ اهـ. وأقول الآن: قد بينت فيما تقدم أن الرجل لم يتغير رأيه بعد إعلان الاستقلال عما كان قبله من وجوب اتفاقه مع فرنسة على طريقة الحكم في سورية، وأن الوسيلة لذلك أن تفوض إليه البلاد عقد هذا الاتفاق، وقد كان يطلب هذا التفويض من الزعماء، وكان من أركانهم الأستاذ الشيخ محمد كامل قصَّاب رئيس الجمعية الوطنية، وهو معارض شديد، وكان الدكتور شهبندر من أقوى أنصاره، ثم اطمأن الملك لموافقته له بعد أن صار وزيرًا، وقد صار في البلاد مؤتمر عام له شأن، وكان يذاكرني في هذه المسألة منذ اجتمعنا في بيروت عند عودته من أوربة كما تقدم بعدِّه إياي من أصحاب الرأي (الناضج كما كان يقول) ومن أصحاب المكانة في حزب الاستقلال العربي، وقد صار لي صفة أخرى وهي رياسة المؤتمر الرسمي، ولم يتغير رأيي في المسألة، كما أنه لم يتغير رأيه، والواقع الآن في سورية يؤكد رأيي، وسأعود إلى هذه المسألة. يوم الجمعة ١٠ رمضان ٢٨ مايو قابلت الملك فيصلاً بداره صباح اليوم، وكنت أرسلت إليه البارحة صورة كتابي الأول إلى ابن سعود ليرسله مع الثاني الذي أعطيته إياه في ٥ رمضان (كذا في الأصل الذي في المذكرة) فأخبرني أنه أمر إحسان بك أن يكلفني صورة كتاب له (أي لابن سعود من قِبَلِه هو) وكتاب آخر يُرسل إلى سائر أمراء العرب في الكويت والمحمرة وغيرهما، وأنه كان يكتب كلمات مختصرة في ذلك وتعب فلم يتمها، والمراد منها بيان فكرته الأساسية التي أبني عليها. ثم لقيت إحسان بك وأخذت منه الورقة (التي كتبها الملك) ، وكتبت الصورتين ليلاً، وأعطيته إياهما، وحفظت ورقة الملك عندي وهي في لفظها ومعناها.... يوم الأحد ١٢ رمضان ٣٠ مايو أفطرت اليوم والوزراء وأعضاء المؤتمر مع الملك فيصل، فأُجلست في المائدة عن يمينه، والشريف جميل عن يساره، ورئيس الوزراء أمامه، وسائر الوزراء عن اليمين واليسار في صدر المكان، وجُعل لأعضاء المؤتمر مائدتان طويلتان على الجانبين، وقد أسرّ إليّ الملك في أثناء الطعام بأن الوفد سافر بالكتب، وهو مؤلف من العصيمي وآخرين أحدهما سلميان الدخيل. اهـ. ثم كتبت بعد ما تقدم في يوم آخر قريب (ثم تبين لي أن هذا غير صحيح) . *** قضية وطنية لها علاقة بترجمة الملك يوم الأحد ٢٦ رمضان ١٣ يونيو ظهر الخلاف في النصف الثاني من هذا الشهر بين أعضاء حزب الاستقلال وجمعيته، وقد اجتمع في دار الدكتور أحمد قدري زهاء أربعين عضوًا من أعضاء الجمعية، ودارت المذاكرة تحت رياستي في إصلاحها، فاتفق الجميع على وجوب إلغاء امتياز الأعضاء المؤسسين، وعلى طلب جميع من في العاصمة منهم ومن غيرهم لتقرير هذا في انتخاب مجلس إدارة (أو تأسيس) من الهيئة العامة عدده ثلاثون أو أكثر، وهو يُنتخب من أفراد لجنة مركزية أو تنفيذية من سبعة أعضاء، وسيكون هذا الاجتماع في الليلة القابلة. *** الخلاف في حزب الاستقلال العربي وجمعيته يوم الإثنين ٢٧ رمضان ١٤ يونيو اجتمع البارحة الإخوان في دار الدكتور قدري اجتماعهم الثاني تحت رياستي، وبعد طول المذاكرة استقر الرأي على كتابة بلاغ يمضيه جميع من حضر وغيرهم ممن على رأيهم، يقدم إلى اللجنة المركزية، يطالبونها فيه بدعوة جميع الأعضاء في ٧ شوال للمذاكرة في الإصلاح المطلوب الذي اقترح من قبل، وينذرونها أنها إذا لم تفعل فإن الموقعين يفعلون ذلك بحق الأكثرية، وقد فعلوا، وكُتبت نسختان من القرار؛ ليقدم أحدهما، ويحفظ الآخر. يوم الثلاثاء ٢٨ رمضان ١٥ يونية قرر أعضاء المؤتمر اليوم بأن تعطل الجلسات من نهار غد لأجل عيد الفطر إلى نهاية الأسبوع الذي بعده، وتعود يوم السبت ٢٦ حزيران (يونيو) ، وبعد الجلسة العامة جمعت ديوان الرياسة للنظر في أعماله المتأخرة لعدم اجتماعه من مدة طويلة كنت أدعو الأعضاء فلا تحصل الأكثرية. وعند العصر تقريبًا قابلت الملك بداره بمناسبة عزمه على السفر قبل المغرب إلى حلب، فتكلمنا في مسألة سفره، فأخبرني بأنه يريد إرسال قوة عسكرية إلى حدود سورية الشمالية بمناسبة الهدنة بين الترك والفرنسيس في كليكية وبأن في هذا شيئًا من الخلاف بينه وبين الوزراء. (الوفد الوطني لأوربة والملك فيصل) ثم تكلمنا في مسألة الوفد (الذي يسافر إلى أوربة) فقال بمناسبة وجوب إرسال وفد وطني غير وفد الحكومة (وهو ما اقترحه بعض الإخوان والزعماء) : إن هذا مما يجب على الأحزاب والجمعيات؛ ولكن كل شيء يُطلب منه، ولا سيما المال وهو لا يستطيع ذلك، وقد ضيق عليه في ميزانية البلاط! ! (قال) كل شيء يُطلب من فيصل، في الأمة رجال كثير غير فيصل، ليست عبارة عن رجل واحد. قلت: نعم لها رجال كثيرون؛ ولكن ليس لها إلا رأس واحد. قال: صحيح، أنا أساعد من يذهب من قبل الوطن؛ ولكن ليس عليَّ النفقة كلها. ولم أكن أسمع منه مثل هذه الشكوى، بل كان يُظْهِر لي أنه يأخذ على عاتقه مساعدة العمل للوحدة العربية، وللجامعة الإسلامية أيضًا! ! وأحمد الله أنني أبعد الناس عن مساعدته في شيء ما، حتى إنه عرض عليّ تقديم شيء من فرش الدار، بل قال: إن فرش الدار كله عليه، فاحتلت في دفع ذلك عني. اهـ. هذا ما كتبته بعد فراقه ووداعه في ذلك اليوم، وأفسره هنا بأنني كنت أشعر منه بأنه يريد إكرامي بمساعدة مالية، ويرى مني أمارات الإباء إذ عرّض بذلك، ولما استقرت قدمي في الشام للعمل في المؤتمر، قال لي مرارًا: إنه لا يليق بمقامك البقاء في الفندق، فيجب أن تأخذ دارًا تقيم فيها، عليك الدار، وعلينا فرشها فاستأجرت دارًا واسعة، واستحضرت فرشها التام من طرابلس، فلم يدر بذلك إلا والدار مفروشة. يوم الخميس ٣٠ رمضان ١٧ يونيو كلمني الدكتور عبد الرحمن شهبندر في وزارة الخارجية بشأن الوفد الذي يذهب إلى أوربة، وقال: إنه يجب أن نتفق على تحديد المطالب التي يلتزمها، وبعد بحث وجيز اتفقنا على الاجتماع ليلة السبت في دار جميل بك مردم مستشار الخارجية، ويطلب الشيخ كامل قصاب للحضور معنا. وأكد لي الوزير ما كنت سمعته عن الأمير زيد من عدم قبوله رياسة هذا الوفد، قلت للوزير: لماذا؟ قال: لأنه لا يريد حمل هذه المسؤولية، ووزير الخارجية يريد أخذ تفويض من زعماء ورؤوساء الأحزاب، ولا يتكلم باسم الحكومة فقط. اهـ. ((يتبع بمقال تالٍ))