للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أحوال العالم الإسلامي

العراق ومصر
إن بين مصر والعراق شبهًا في مطالب أهلهما، وفيما تبغيه السياسة
البريطانية منهما، فأما الأهالي في القطرين فيطلبون لأنفسهما الحرية القومية،
والاستقلال السياسي، والاقتصادي، والإداري، ولا يأبون - في حال مواتاة الدولة
البريطانية لهم على ذلك - أن يتخذوها صديقة، ويفضلونها وشعبها على سائر
الدول والشعوب بمنافع عظيمة مضمونة، وكل منهما قد ثار على السلطة البريطانية
بحسب حاله، فثورة مصر كانت سياسية اجتماعية، وثورة العراق كانت حربية،
وقد قاومت السلطة البريطانية العسكرية كلاًّ منهما بغاية القسوة، والشدة؛ فكانت
الخاسرة.
ثم اضطرت بعد ذلك إلى سلوك سبيل اللين بأن تسمح لكل من القطرين بأن
يكون ذا دولة مستقلة في المظهر، لها ملك ووزارة مسئولة ومجلس شورى منتخب
ودستور بشرط أن تقرر هذه الهيئات كلها وتضمن للدولة البريطانية كل ما تطلبه
من الحقوق والمنافع في البلاد، وتكون تحت رحمة جيش بريطاني محش في قلب
البلاد، أو بعض أطرافها، يمكنه في كل وقتٍ تنفيذ ما عسى أن تأمر به دولته من
التغيير، والتبديل، ومن سلب السلطة الوطنية ما ترى سلبه منها بالحجج التي
تقيمها هي على أن لها الحق في ذلك، وهذه الحجج قد صارت معروفة الأنواع
كدعوى ظهور عجز الأهالي عن القيام بشؤون بلادهم بغير مساعدة أجنبي،
ودعوى ظلمهم للأقليات الدينية والجنسية.
وهذه التجربة لم تنجح في العراق، فقد عُلم أن الرأي العام فيها كاره للانتداب،
رافض له، وكثر الحديث في عقد معاهدة بين الحكومتين، لا يُذكر فيها الانتداب،
يضمن فيها للدولة البريطانية كل ما تبغيه باسمه من سلطة ومنفعة، وقد قيل
مرارًا إن المعاهدة قد وُضعت، وإن الحكومة العراقية المؤقتة لم تقبلها، فلم تتفق
مع المندوب البريطاني السامي على انتخاب الجمعية الوطنية، التي يشترط أن
تقررها، وهو لا يسمح بانتخابها إلا بعد الاتفاق مع الملك فيصل، ووزرائه على
المعاهدة، وعلى كفالة إيجاد جمعية وطنية ترضاها، وتقررها، ولم تضمن له
الحكومة ذلك.
وقد ظهر بهذا أن الرأي العراقي العام - وكذا الخاص - لا يهتم بالألفاظ
والمظاهر دون الحقائق كما يزعم الإنجليز في الشرقيين؛ إذ قالوا في المصريين:
إنهم ينفرون من كلمة الحماية لا من معناها، والأمر المهم الذي نريد أن نذكِّر
إخواننا العراقيين به - هو أن الحقوق التي تعطيها العراق للإنكليز إذا كانت مخلة
بالاستقلال التام المطلق؛ فتقييدها بالانتداب أقل خطرًا عليها من جعْلها مطلقة، لا
يحاسب الإنكليز عليها محاسب، ولا ينازعهم فيها منازع.