للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: ثابت بن عبد الله الباقي


انقلاب التركستان الشرقي

(رسالة للمنار بقلم أحد أركان الثورة المجاهد ابن صديقنا الأستاذ العالم
العامل الشيخ ثابت عبد الباقي أيده الله، وأرسل معها كتابًا خاصًّا لنا تأكيدًا لكتاب
قبله اقترح علينا فيه وضع قانون أساسي إسلامي لحكومتهم الجديدة وسنفعل إن شاء
الله تعالى) .
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على حبيبه المصطفى، إن الله يحق الحق ويبطل الباطل ولو
كره الكافرون
إلى الأستاذ العالم الجليل والفاضل النبيل رئيس العلماء الشيخ السيد محمد
رشيد رضا أمد الله بحياته لنا ولجميع المسلمين آمين.
أهدي من جواهر التحيات وزواهر التسليمات، ثم أخبر إلى عتبتكم العلية أن
وطننا المحترم قد كان أسيرًا مقيدًا بقيود الذل وأغلال الهوان منذ ثمان وخمسين سنة
في سجن ظلمة الكفار الأشرار، وكانت ظلمة الكافرين متصرفين في أهالي
التركستان الشرقي كتصرف المولى في مواليه، بل كانوا عندهم أذل من كل ذليل،
وأهون من كل مهين، كانوا مبذرين بذور صنوف المظالم، وفنون المفاسد على
أهالي التركستان الشرقي حتى لم يبق في أيديهم لأجل ظلم الكفار شيء يملكونه
بأنفسهم، كأنه كان كل أهالي التركستان الشرقي عبيدًا لهم، وأموالهم أموالا لهم
يتصرفون فيها كيف يشاءون، يغصبون أموالهم تارة، ويأخذون البأج [١] والخراج
فوق طاقتهم أخرى، ويضربون أعيان أهاليه فضلا عن الأصاغر إن تأخر مرامهم
تأخرًا قليلا، ويشجون رءوسهم بالضرب، ويشهرون الفقراء في الأسواق في
القرى والأمصار لأجل التأخير القليل فكيف إذا كان التأخير مديدًا، وحينئذ يأخذ
أحدهم الفقراء مغلولين ويحبسهم في السجن.
وزادت هذه المظالم في المدة المذكورة خصوصًا في زمن (جينك جانكجونك
الذي كان هو والي بلدة (أورومشي) وطغى طغيانًا عظيمًا حتى ظلم أهالي الوطن
بما لا يطيقونه أصلاً، فخرج من بين أهالي التركستان الشرقي بعد ما ذاقوا من
رءوس البلايا ولم يطيقوا إلى سمومها [٢] رئيس الانقلاب البطل المقدام الحاج
الغازي محمد نياز من بلدة قمل سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف، وجاهد الكفار
في سبيل الله بخلوص النية وبذل في سبيله الروح والمال والأقارب، لأجل إنقاذ
الوطن العزيز من أيدي الظالمين، وتخليص المسلمين المأمورين، وترويج الملة
الإسلامية، وإعلاء كلمة الله العليا حتى أنقذ أهالي بلدة قمل من يد الكفار في مدة
سنتين ونصف سنة، وقتل بنصرة الله ألوفًا من ظلمة الكفار وليس له في هذه المدة
معين إلا الله، وليس من طرق الفرقة التونكانية [٣] أحد فضلا أن يكونوا معينين.
فلما فرغ الرئيس الغازي من مقاتلة الكفار الذين كانوا أعداء له ولجميع
المسلمين في بلدة قمل وفتحها بنصر الله جاء الخبر من طرف بلدة طرفان في
خامس عشر من رمضان سنة إحدى وخمسين وثلثمائة وألف أننا قد أهلكنا كفار
طرفان وأخذناها بأيدينا سالمة غانمة فتبارك بعضهم بعضًا، وإلى هذه المدة كانت
الفرقة التونكانية نائمين في دورهم، غير خارجين من قصورهم.
فلما شاع خبر غلبة الغازي المذكور على الكفار الكثيرة والحال أن ليس في يد
عساكره إلا المناجل والمعاول، وسيوف قليلة، وبنادق غير معتبرة خرج منهم
البعض ليرى هل الخبر صحيح أو لا؟ فبعد ما عاين حقيقة الحال رجع إلى كبيره
وأخبر الخبر فأرسل فريقًا من عساكره فجاءوا وانضموا إلى عساكر الرئيس الغازي
المذكور قائلين بأننا نعينكم في فتح البلاد وقتل الكفار، فأجاب الرئيس بقوله:
(خير) وكان عددهم ستة وثلاثين. وبعد ما خرجوا اجتمع عساكر الغازي المذكور
مع أهالي طرفان وساروا إلى بلدة قراشهر وفتحوها بنصر الله العظيم في السابع
والعشرين من رمضان من السنة المذكورة وأخذوا الغنائم.
ثم فتحوا بلدة كورلة في اليوم الأول من شوال، ودخلت بلدة بوكور أيضًا
تحت تصرف الغازي المذكور وكانت قد فتحت بسعي رجل عظيم من أهلها، وكان
هذا الرجل المتدين بعد فتحه البلدة قد جمع جميع الغنائم في مكان وانتظر إلى رئيس
يجيء من طرف قراشهر، وكان أمير أهالي قراشهر في تلك الأيام رجلاً من
التونكان كان أمَّره الغازي رجاء منه شفقة على أهلها، وبعد أيام جاء الأمير
المنتظر من التونكان ورأى الغنائم قد جمعت فأرسلها كلها إلى بيته في قراشهر لشدة
حرصه وعدم خوفه من الله ولم يفوض شيئًا منها إلى الغازي المذكور ثم قتل الفاتح
المذكور خوفًا من إخباره (أي إيصاله) خبر الغنائم إلى الغازي المذكور، قتله
بغير إثم وخان الله ورسوله والمؤمنين.
فلما سمع خبر الفتوحات أخذ يتحرك كل الناس المظلومين في كل البلاد
والقرى لمقاتلة الكفار وإنقاذ أنفسهم من يد الظلمة، ولكن انتظروا إلى مجيء رئيس
يرئسونه ويقاتلون وراءه الكفار.
وإلى هذه الأيام كانت الفرقة المذكورة المعدودة من التونكان قد تفرقت إلى
جهات شتى مثل بلاد قراشهر وطرفان وكورلة وغيرها وامتنعوا من الوقوف بين
يدي الغازي المذكور والخروج بإذنه فخرج بعضهم إلى طرف كشار، والحال أنه لا
يرضي الغازي المذكور خروجهم هذا، والغازي وإن لم يرض في الحقيقة لكنه لم
يتكلم لهم لأجل أنهم يقاتلون الكفار كيفما كان ويعدمون أعداءه ولم يشعر بما في
أنفسهم من الفسق والفساد والبغي على أهل كل بلدة دخلوها.
واجتمع من أهالي بلدة كشار إلى التونكانات الجائية رجال كثيرة وفتوحها في
الرابع والعشرين من شوال في سنة ١٣٥١ واتخذت العساكر التونكانية جميع الغنائم
لأنفسهم، وفعلوا ما فعلوا من الفسق والخيانة فيها، وكان سير الغازي المذكور بعد
فتح بلدة طرفان عساكر كثيرة إلى بلدة أورومشي وحاصرها محاصرة شديدة، وفي
أثناء المحاصرة فروا إلى أورومشي مع آلاف من جنده إلى طرف كوجونك وجلس
في مقامه واحد من أمرائه العسكرية، وأعلن الصلح فلم يجب الغازي له، بل شدد
المحاصرة.
ثم سير بعض عساكره إلى فتح بلاد موري جيطي كوجونك وكانت هذه البلاد
الثلاثة تحت تصرف الكفار، وكان أخرج أيضًا رئيس التونكان من عساكره إلى
فتح تلك البلاد فاجتمع الفريقان وجاهدوا الكفار أشد مجاهدة حتى فتحوها معًا بعد
خوضهم بحار الحرب، فلما جمعت الغنائم أخذت الفرقة التونكانية مجموع ما
غنموها من الكفار من الآلات الحربية والبنادق وغيرها من الخزائن وارتحلوا بها
في ليلة إلى رئيسهم، ولم يعطوا عساكر الغازي شيئًا من البنادق والغنائم، وخانوا
لله ولرسوله وللمؤمنين ولم يقسموه بحكم الكتاب والسنة، فبعد ما فعلوا ما هو خارج
من الشريعة قالوا لعساكر الغازي: نحن لا نخرج إلى غزاة أورومشي فالآن لا بد
عليكم أن تحاربوا أنتم فقط كفار أورومشي وتفتحوها بأنفسكم بالآلات التي في أيديكم،
قالوا هذا الكلام من غير استحياء.
هلموا يا إخواني المسلمين، هل هذا شعار الإسلام؟ أهو حكم الشريعة الغراء؟
أم هو طريق الإنسانية؟ أم هو الإنسانية؟ كلا ثم كلا!
فلما رأى الغازي ما جرى من خياناتهم في تلك البلاد الثلاثة وسمع ما فعلوه
من المظالم والبغي والفساد في البلاد التي فتحوها تيقن أنه لا يمكن الاتفاق معهم
وأن الرئيس الغازي وإن صبر على ما فعلوه لكن لا يمكنه اجتماع الكلم؛ لأنهم
منافقون خائنون سلكوا طريق الهوى ونبذوا كتاب الله وراءهم ظهريًّا. وإلا فكيف
يُجَوِّزُ مسلمٌ موحدٌ معاداةَ المسلمين ومداراة الكفار لا يجوزه قط أصلاً. وأيضًا الفرقة
التونكانية كلما دخلوا بحر الحرب انضموا على الفور إلى الخطا، واتخذوهم أبًّا
وأمًّا ورموا نحو المسلمين وجرعوا كؤوس المنايا إلى العساكر الإسلامية كما جرعوا
في بلدة ياركند من قبل، ويصبون الآن في بلدة كاشغر على أهاليها من صنوف
البلايا والمحن ما لم تره العيون ولم تسمعه الآذان، بأنهم يغصبون أموال
المسلمين ويقتلونهم ويحرقون بيوتهم ويخربون ديارهم.
هذه المفاسد التي ذكرتها هي واحد من ألف من المظالم التي جرت بيد
التونكانات من قبل، وفي الجريان الآن {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} (يوسف:
٢١) وهو على ما نقول وكيل، والسلام.
١٥ رجب ١٣٥٢ ... ... ... ... ... ... رئيس المحكمة الاستقلالية
... ... ... ... ... ... ... ... الشيخ ثابت بن عبد الباقي