للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد العزيز محمد


تربية قوة الخيال
والتلطف في مخاطبة الأطفال [١]

(٣٣) من أراسم إلى هيلانة في ٢٢ إبريل سنة ١٨٥
أرى (أميل) على ما وصفته لي قد حُبِّبت إليه بدائع الخيال وغرائبه، وأنا
مسرور بذلك مهما بلغت درجته في نفسه؛ لأني لا أحب من الأطفال من كان مشككًا
مرتابًا؛ فإن الارتياب فيهم من دلائل نضوب قوتهم الخيالية وعقمها، ولست أدري
إن كان حنين الإنسان إلى ما وراء هذا العالم المشهود من أسباب شرفه، أو من
أمارات خسته، وكلا الأمرين في نظري سِيّانِ إذا كان هذا الحنين يرفع نفسه من
حضيض هذا الكون المادي، ويسمو بها إلى ما يتمثل في الخيال من معارج الكمال
الروحي، وإني لأقاسمك الأسف على ما يضيعه القائمون على الأطفال من قوة
الخيال التي كانوا يجوبون بها مفاوز عالم الغيب، وهم متعلقون بشعور جِنيَّاته،
ذلك لأن لله سبحانه حكمة في قسمة المواهب بين الناس حتى فيما هو أشدها خطرًا
وهو المواهب الخيالية فلم يهبها لنا عبثًا، فليس لنا أن نسعى في إماتة قوة من
قوانا لمجرد حكمنا عليها بأنها وهمية، أو خلو من الفائدة، بل الأجدر بنا في شأنها
أن نطلب لها ما يقابلها ويوازنها، فقوة الخيال مثلاً سيأتيها الزمن بما يعارضها من
قوة ملاحظة الحوادث الكونية وملكة التعقل والاستدلال، فأستحلف المربين بحق
الحياة وقدرها في نفوسهم أن لا يقسروا قوى الأطفال، وأن لا يمحوا منها شيئًا؛
فإن الإنسان لم يبلغ من الغنى بها حدًّا تزيد فيه عن حاجته.
إن لنا في الكون لعبرة، فلننظر إلى حوادثه؛ فإننا نرى جميع الموجودات في
حركة واضطراب وتغالب وجلاد ونمو وازدياد، ونشاهد أن القوى المتعاندة تزدوج
فتولد نظامًا، والفواعل المتباينة تأتلف فتُوجِد ملاءمة ووئامًا، فأي ضرر يلحق
الإنسان إذا جرى في تربية نفسه على هذا المثال اهـ.
(٣٤) من أراسم إلى هيلانة في ٢٣ إبريل سنة ١٨٥
إليك مكتوبًا (لأميل) في طي مكتوبي لك وهو:
ولدي العزيز:
لقد أبهجني مكتوبك الذي أرسلته إليّ، وانشرح به صدري كثيرًا غير أني
أنبهك إلى أن هناك طريقة أخرى للكتابة هي إلى الكلام أقرب من طريقتك إليه،
وأحثك على المبادرة إلى تعلمها، فاسأل والدتك أن تعلمك طريقتها في قراءة
رسومي القلمية التي تغاير رسومك بعض المغايرة، في نفسي أمور كثيرة أروم
الإفضاء إليك بها، فهل لديك ما تحب أن تكاشفني به؛ فإني على عدم تمتعي حتى
الآن برؤيتك مشغول الفكر بك، عامر الفؤاد بحبك، فإذا وافتني كلمة منك
استبشرت بها، وهشت لها نفسي، ولست أدري كيف أصف ما أجده من الفرح،
لو منَّ الله عليّ بلقائك فضممتك إلى صدري اهـ.
((يتبع بمقال تالٍ))