مجلة مسير (غربية) بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أحمد بن أحمد سلامة إلى حضرة صاحب الفضيلة الإمام الوارث لعلوم المرسلين، الباذل جهده في إبلاغ دين الله جميع العالمين ولم يدخر وسعًا في السعي وراء تحقيق إصلاح حال المسلمين، السيد محمد رشيد رضا الحسيني بلَّغه الله ما يتمناه ونتمناه لهذه الأمة المحمدية، آمين. السلام عليكم ورحمة الله وعلى كل من والاكم في ذات الله، وبعد، فإنا نحمد الله إليكم الذي أيدكم بروح منه ووفقكم للقيام بتحرير منار الدين، حتى بلغ صوت الحق منه آذان القريبين والبعيدين، فأحيا الله به هنا وهناك نفوس المستعدين، وأقام به الحجة على المتخلفين والمعارضين، ممن سُموا بالعلماء والمتعلمين، ولقد فطن كثير من إخواننا في هذه الأيام إلى أن حال المعاهد الدينية الحاضرة في هذا القطر لا تغني أولادهم من التربية الحق شيئًا، ولا تجديهم نفعًا، إن لم تكن ضارة ومفسدة لاستعدادهم ومطفئة لنور الفطرة المودع في نفوسهم، فعمدوا من أجل ذلك إلى توليهم بأنفسهم تحفيظ متون أحاديث الأحكام بعد تمام حفظ القرآن بدلاً من متون الفقه التي وضعها المتأخرون حتى بلغ أن بعض التلاميذ من بلدنا الآن يحفظون فوق الألف حديث من بلوغ المرام وشروحه وبعضهم يحفظ طائفة من المنتقى للشيخ المجد. هذا إلى تنبيه أفهامهم وتوجيه أذهانهم إلى ما أودع الله في كتابه من التوحيد وما أقام من الآيات البينات عليه وأحكام العبادات وأسرارها المثَبِّتة له في النفوس وقد تبينا بالبحث أن كثيرًا من العلماء في كل معهد قد ولوا وجوههم شطر السنة تاركين التقليد جانبًا بعد أن علموا سيئ عاقبته بالدليل وهم يشكون مُر الشكوى مما عليه المعاهد، غير أن هذا كله وإن كان سادًّا مبشرًا لا يشفي عليلاً ولا يروي غليلاً من الإصلاح العام الذي أُنشئت له مدرسة الدعوة والإرشاد من قبل، وكان أول عمل لهذه الجماعة إقامة مدرسة الدعوة والإرشاد ففتحت أبوابها للعالمين، فأجاب دعوتها قليل من الناس، سنة الله في كل دعوة إلى الحق ولن تجد لسنة الله تبديلاً، غير أن هؤلاء الطالبين على قلتهم وقصر مدة شغل المدرسة قد أفادوا الناس فائدة كبرى لا يُستهان بها، فقد سمع نداءهم والحمد لله على اختلاف جهاتهم وتنائي ديارهم جماعات هم الآن متعارفون متزاورون، ولقد وعدتم - حفظكم الله تعالى - المرة بعد المرة أو فُهم من كلامكم في المنار هذا الوعد بإعادة مدرسة الدعوة والإرشاد، فكان ما فهمناه من هذا الوعد طمأنينة نفوسنا على مستقبل أولادنا، ولكن طال العهد على هذا وأيامه من آجالهم وآجالنا، فمتى يا صاحب الفضيلة يكون يوم تحقيقه؟ ولقد يغلب على ظننا أن أهل هذه البلاد ما علموا ولا شعروا بفائدة هذه المدرسة إلا بعد وقوف عملها وتعرف أخبار الثلاثة أو الأربعة الذين أخرجتهم هذه المدرسة كالأستاذ الشيخ أبي زيد والشيخ عبد الظاهر، وبعد أن عقد الحق صلة بينهم وبين كثير من المستعدين من العلماء والمتعلمين، فإن صح رأينا هذا قوي الأمل في تنبيه هذا المشروع من فترته، وإقالته من عثرته، فنناشدك الله والدين، والميثاق المأخوذ على المرسلين والوارثين، أن تقوموا أنتم ومن تبعكم بإحسان وتؤذنوا في الناس الأمراء وغير الأمراء، من أهل الخير والثراء، بوجوب إحياء هذه المشروع الذي لا غنى للمسلمين في جميع أقطار الأرض عنه، وإن في ذلك لنصرًا لدين الله، وقد وعد الله - ووعده الحق - بنصر من ينصره، وإن هذا لجهاد في الله، وقد وعد الله المجاهدين فيه أن يهديهم السبيل وأن يكون معهم، وأن هذا لإيفاء بعهد الله، ولقد وعد الله الموفين بعهده الإيفاء بعهدهم ولسنا نعلمك بشيء أنت تجهله نعوذ بالله، أو نذكرك بما غاب عنك نستغفر الله، وإنما هي نفثة المصدور وتروح المحزون لما عليه المسلمون، وإن كان لدى فضيلتكم ما يبشر بتحقيق الأمل قريبًا فتفضلوا به علينا، أثابكم الله وجزاكم عن المسلمين خير الجزاء، ويسلم عليكم وعلى من تبعكم بإحسان: تلميذكم العارف لكم حقكم، الشاهد بفضلكم، شيخنا الأستاذ سيد مصطفى الشريف. ... ... ... ... ٢٥ ذي القعدة سنة ١٣٣٩ ... ... ... ... ... ... ... ... كاتبه تلميذكم المخلص ... ... ... ... ... ... ... ... ... أحمد أحمد سلامة (المنار) نحمد الله تعالى على توفيق المسلمين لإحياء علم السنة وحفظ الحديث والتفقه فيه حتى في القرى الصغيرة، ونسلم على أخينا الكاتب الغيور وأستاذه المصطفى لإفاضة نور السنة في ذلك الديجور. أما مدرسة الدعوة والإرشاد فهي كما قال أخونا الكاتب أفضل الوسائل لكل إصلاح إسلامي بحسب ما وصل إليه اجتهادنا ووافقنا عليه أرقى من عرفنا من عقلاء المسلمين وأهل الرأي فيهم من الأقطار المختلفة حتى إنني لقيت في أوربة بعض كبراء الدولة العثمانية من رجال جمعية الاتحاد والترقي وغيرهم فألفيتهم معترفين بما كان يرجى للدولة وللإسلام من هذه المدرسة لو أجيبت دعوتي إلى تأسيسها في الآستانة وآسفين لعدم التوفيق لذلك. وأما إعادة المدرسة فإنني عازم عليه ساعٍ له ولو بأن أستأجر مكانًا من مالي وأعيد فيه تلك الدروس التي كنت ألقيها وأكلف بعض الفضلاء من إخواني مساعدتي على ذلك بدروس أخرى ولو ليلاً، وأن أجعل فيها قسمًا أسميه دار الحديث للمساعدة على حفظ السنَّة والاستعانة بها على هداية القرآن، أنتظر بذلك الميسرة المرجوة ولست بيائس من إعادة الحكومة المصرية لإعانة المدرسة من أوقاف المسلمين الخيرية، ولاسيما إذا زالت السيطرة الأجنبية عنها أو ضعفت، ولعلي لو طلبت ذلك في هذه السنة لأجبت، ولكنني رأيت البلاد كلها في شغل شاغل بقضية البلاد السياسية عن كل شيء، ولكل شيء أجل لا يعدوه، وسيعرف أهل الغيرة الإسلامية بعد ذلك قدر هذه المدرسة فيساعدونها من كل قطر ولا سيما الهند ونجد. وليس الشيخ عبد الظاهر والشيخ محمد أبو زيد الذي كلف إصلاح مدارس جمعية الإصلاح والإرشاد في جاوه هما اللذان قد أخرجا من المدرسة وعنيا بالدعوة إلى الإصلاح والإرشاد مع اثنين آخرين كما قلتم، بل نشر طلابها الإصلاح في أقطار مختلفة، وقد نشر في الجزء التاسع من المنار ترجمة واحد منهم من أهل جاوه توفي فيها بقلم أخيه وكلاهما من تلاميذها، وإنني أنشر هنا جملاً من مكتوبات بعض طلابها من مسلمي الهند.
كتاب من تلميذين من تلاميذ المدرسة بنصه وذلك عقب سفرهما من مصر منذ سنتين أستاذنا ومرشدنا السيد الإمام حجة الدين وفخر الإسلام، حفظه الله: بعد أداء واجبات التحية والاحترام، وصَلْنا بحمد الله إلى وطننا العزيز ولكنا لم نفرح كل الفرح؛ لأننا من الأسف لم نوفق لتقبيل يديكم عند مغادرتنا مصر وذلك ليس إلا للمصائب التي أحاطت بنا ذلك الحين وأقلقت بالنا واضطرتنا أن نسافر على ذلك الحال. وبعد وصولنا إلى الهند بقينا في بلدنا وقَصَرْنا أعمالنا على المواعظ في الاجتماعات الدينية لنستريح حينًا من وعثاء السفر - وها نحن (أولاء) تلاميذكم الثلاثة قد اجتمعنا لنخرج إلى ميدان العمل ونسير على طريقتكم المُثلى التي اقتبسناها من دروسكم ومحاضراتكم الثمينة في مدة قيامنا بمدرستكم الغرَّاء، وقد شرعنا في ترجمة بعض الكتب والمقالات النافعة ونحن مُصَمِّمون على أن لا نشتغل إلا في الأعمال العلمية الحرة، فأردنا أن نفتح مدرسة لتعليم اللغة العربية على طريقة العملية [١] ونصدر أيضًا مجلة عربية غير الهندية , إلخ. ولم ننس وصيتكم الأخيرة بجمع الكتب الأثرية القديمة، وقد عرضنا هذه الفكرة على المولى عبد الحي مدير مدرسة ندوة العلماء فاستحسنها ووعدنا بالمساعدة، - دمتم -. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الخاضعان ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد عثمان ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الله خدايار *** كتاب من تلميذ آخر من تلاميذ المدرسة بنصه هو الآن محرر جريدة (بيغام) أي البلاغ في كلكتة. أستاذي ومرشدي حجة الإسلام فخر المسلمين، السيد الإمام، مَتَّعنا اللهُ بطول بقائكم. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإني قد كنت كتبت إلى جنابكم العالي كتابين بعد مغادرتي من الحجاز [٢] ولعلهما وصلا إليكم، ثم سكت طول هذه المدة لا لغفلة بل لأسباب لا تخفى على أحد، وكيف أرتكب جرم الغفلة والذهول وأنا لم أعقل ولم أعرف شيئًا إلا منكم، قدمت مصر وأنا في غياهب من الجهل فاقتبست من نوركم فصرت بصيرًا والحمد لله والمنة لكم. وأكبر شكر يستطيع التلميذ والمريد أن يشكر به أستاذه هو أن يحذو حذوه في الخير ويحيي طريقته وينشر آراءه ويهدي أمته بالهداية التي اهتدى بها، وإني يا مولاي ما برحت أسير على هذه الخطوة منذ قفولي إلى الهند، فما زلت أكتب المقالات العلمية والدينية في أكبر الجرائد الهندية ومجلاتها، وألقي الخطب في المجالس العامة، وبحمد الله يكون لها أكبر وقع عند الخاص والعام؛ لأن تلك الأفكار غريبة عنهم، مكبًّا في مطالعة علم الحديث [٣] وقد قرأت الصحيح والموطأ في الحديث ومقدمة ابن الصلاح في أصوله على أكبر محدث في الهند الأستاذ أمير علي الذي انتقل في المايو الماضي [٤] إلى رحمة ربه - رضي الله عنه - وقد كان - رحمه الله - كثيرًا ما يثني عليكم وعلى تفسيركم، وأنا الآن مُجِدٌ في إتقان فن الرجال، وإذا لم يمد الله سبحانه يد المعونة إليّ لا أنجح فيه؛ لأنه فن صعب بعيد المرام كما هو واضح لديكم، ومشتغل بالتأليف فقد ألفت إلى الآن ثلاثة كتب: كتابًا في سياحتي لمصر يحتوي على أكثر من ثلاثمائة صحيفة، وبعد أن يتم طبعه أقدمه إلى عتباتكم العالية، ويا ليت لو اطلعتم على ما فيه (لكنه بالهندية) وكتابًا في المولد النبوي وسينفع الناس إن شاء الله، وكتابًا جمعت فيه الأحاديث الصحيحة من الصحاح والموطأ لمالك والمسند لابن حنبل بعد مطالعة هذه الكتب والبحث في الأسانيد، وأنا مرسل إليكم فهرست عناوينه لتطلعوا عليه وترشدوني في أمر الكتاب [٥] ، وسأنشره مع الترجمة، وكذلك شرعت في كتاب رابع أجمع فيه الألفاظ الحديثة التي تستعمل في الجرائد العربية ومجلاتها حتى يفهمها أهل الهند حق الفهم فإنهم إلى الآن لا يستفيدون من المطبوعات الحديثة لتلك الكلمات الدخيلة [٦] وقد كنت استأذنت منكم لترجمة تفسير المنار ثم لم أتجرأ عليها لعدم إذنكم لي بها، وما راجعتكم ثانيًا؛ لأني منتظر صدور تفسير (بالهندية) لأبي الكلام آزاد منشئ الهلال لاعتقادي أنه إما أن يكون ترجمة لتفسيركم أو مقتبسًا منه، إلخ إلخ. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... تلميذكم ... ... ... ... ... ... عبد الرزاق عبد الحميد الهندي ... ... ... ... ... ... ... ٨ شوال سنة ٣٧هـ