للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


السيول الجارفة
جاءنا في صبيحة يوم الخميس الماضي بريد سوريا وتونس ينطق بوقوع
الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة في القطرين. وفي جريدة (طرابلس الشام)
والأجوبة الواردة منها أن مصابها بالسيول كان عظيمًا، فقد طغى نهر أبي علي طغيانًا
كبيرًا، فارتفع عن سطحه المعتاد نحو تسعة أذرع فعلا الجسر وطاف علي المدينة
من الجانبين فدمر بيوتًا وأتلف في الأسواق والدور متاعًا وأثاثًا ورياشًا، وأغرق
كثيرًا من الناس والدواب، وأبطل حركة الطواحين وجرف ما فيها من البر والدقيق،
واقتلع في البساتين ما لا يُحصى من الأشجار، وكان الناس ينقذون الغرقى بإدلاء
الحبال إليهم من نوافذ الغرف وسطوحها، وقد أثنى كل من كتب في هذا على رفعتلو
حسن أفندي الأنجا رئيس الشرطة، فإنه أظهر من الهمة والشهامة في إنجاء الغرقى
من حوانيتهم ما يحمد عليه، وساعده على هذا العمل الشريف كثيرون، ويقدرون
الخسائر بنحو ٥٠ أو ١٠٠ ألف جنيه.
وذكرت جريدة (بيروت) أنه وقع في بيروت من السيول والأنواء نحو ما
وقع في طرابلس برًّا وبحرًا حتى دخول السيل للبيوت والحوانيت، ولكن بيروت
لا يخترقها النهر كطرابلس، ولذلك كانت الخسائر فيها أقل، وذكرت في خبر طغيان
الأنهار أن نهر بيروت كاد يلتقي بنهر (ألموت) ونهر (إنطلياس) وأنه قد سقط
ثلاث قناطر من جسر نهر الكلب على متانتها وضخامتها، وقد حصل في لبنان
خسائر كثيرة لم تُعلم، وكذلك في جهة حمص، ولا نعلم ما يأتينا به البريد الآتي.
وأما في تونس فقد كان البلاء أخف، وغاية ما ذكرته جريدة (الحاضرة) أن
السيل عطل سَير الأرتال فيما بين سوسه والقيروان والحاضرة التونسية، فقد انهمر
وادي مرق الليل حتى خيف الغرق على الجهة القبلية من مدينة القيروان وانهارت
قطعة من طريق سكة الحديد تبلغ الاثني عشر كيلو متر، وانقض سقف بمكتب العلا
على أم رأس ولدين فماتا، وتداعت عدة ديار للسقوط؛ فاضطر ساكنوها لإخلائها،
وغرق صبي في بركة من ماء المطر، فنسأل الله اللطف بعباده.