للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الجود والإحسان

والمقابلة فيهما بين نساء الإنكليز اليوم ونساء الصحابة - رضي الله عنهم -
نشرت جريدة (المقطم) منذ بضعة أشهر ما يأتي:
قابل أحد أغنياء لندن محافظها من أيام، وأبلغه أنه مستعد للتبرع بمائة وخمسين
ألف جنيه لإنشاء حديقة في لندن تدعى حديقة النصر، وقد وعد هذا المحسن أن
يتبرع بكل ثروته، وتقدر بأكثر من مليون للأعمال الخيرية قبل وفاته.
واجتمع المؤتمر الإنكليزي الكاثوليكي في لندن؛ لاستنداء الأكف لمساعدة
الرسالات الدينية الخارجية وخطب الخطباء، قالت (الديلي مايل) : فأخذت النساء
ينزعن حليهن، ويلقينها في العلب والبرانيط التي أديرت على المجتمعين، وتبرع
كثيرون بحوالات كتبوها بأقلام استعارها بعضهم في الاجتماع، وبعض هذه
الحوالات بألف جنيه، وبعضها بثماني مائة، والبعض بخمس مائة، وقدر ما
اجتمع من الساعات ذات السوار والحلي الأخرى بمئات الجنيهات، ونزعت إحدى
الحاضرات الحلية التي على حذائها، وتبرعت أخرى بأزرار اللؤلؤة التي على
بلوزتها، وتبرعت أخرى بقرطين صغيرين من الذهب والألماس نزعتهما من
أذنيهما، وكان المجموع الأول ١٧٤٥جنيه اهـ.
***
الاعتبار بهذا الخبر
ذكرنا تبرع نساء الإنكليز بحليهن لمساعدة نشر دينهم ما ورد في الصحيحين
من مثل ذلك عن نساء الصحابة - رضي الله عنهن - ففي (باب عظة النساء) من
كتاب العلم عند البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (أشهد على
النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ومعه بلال، فظن أنه لم يسمع النساء
فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم، وبلال يأخذ في
طرف ثوبه) .
وهذا الوعظ للنساء كان في يوم عيد الفطر، خص النبي فيه النساء بالموعظة
بعد الخطبة العامة لظنه أنه لم يسمعهن؛ لأنهن كن يصلين ويجلسن وراء الرجال،
وأخرج البخاري الحديث في (باب موعظة الإمام النساء يوم العيد) ، من كتاب
(العيدين) عن جابر في تفسير سورة الممتحنة عن ابن عباس، ويؤخذ من
مجموع الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم شق صفوف الرجال بعد خطبة
العيد حتى أتى النساء، فقرأ عليهن آية المبايعة، ثم قال لهن: (هل أنتن على
ذلك؟) فأجابته واحدة عنهن: نعم. ولما أمرهن صلى الله عليه وسلم بالصدقة قال
لهن بلال: هلم لكن فدًا أبي وأمي، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال، وزاد
في رواية لمسلم الخلاخيل، فأما الأقراط، فهي حلي الآذان، وأما الفتخ وهي جمع
فتخة، فحلق تلبس في أصابع اليدين والرجلين.
والعبرة فيما تقدم من وجوه: أهمها أن الإفرنج اليوم أقرب منا إلى هداية ديننا
وسيرة سلفنا الصالح في أمور كثيرة، وأهمها حياة الدين والغيرة عليه، والبذل في
سبيله، ومشاركة النساء للرجال في حضور العبادة في المسجد مع الرجال، وسماع
المواعظ والتعاون على المصلحة الملية العامة، ولا يبعد أن يعود نساؤنا إلى شيء
هداية دينهن اقتداءً بالمحسنات من نساء الإفرنج كما يقلد الكثيرات منهن المسيئات
الآن في الأمور المنتقدة، ومتى دبت الحياة في الأمة يحيا فيها كل ما يتعلق بحياتها
الاجتماعية.