نشرنا في الجزء الماضي النداء العام في موضوع هذه الذكرى، ووعدنا بأن ننشر في هذا الجزء ما اقترحه سكرتير لجنة لاهور علينا في الموضوع، وهو تأليف رسالة في حقوق النساء في الإسلام، وحظ الجنس اللطيف من إصلاح محمد عليه الصلاة والسلام، هذه ترجمته: خطاب اللجنة لصاحب المنار واقتراحها عليه أخي العزيز في الإسلام: قد تعلمون بالاستعدادات القائمة الآن في الهند بخصوص الاحتفال السنوي بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من أسدى خيرًا إلى الإنسانية، ولا ريب في أن الأكثرين حتى من طبقة المتعلمين يجهلون تمامًا تفاصيل حياة فخر الكائنات وسيرته، وهو الذي ظل لا يُبارى على مر السنين في كونه منقذًا للإنسانيَّة من أسفل دركات الانحطاط والفساد والإلحاد، ورافعًا لها إلى أعلى ذروات المجد من كافة النواحي الدينية والاجتماعية والأخلاقية، وإن جهل الجماهير لهذه الحقيقة لحقيقة أليمة. وهذه الخطوة في الهند تعطي الفرصة للقيام بدعاية واسعة في كل ركن من أركان الأرض لبيان ما اكتسبه العالم من ذلك الينبوع الدائم الفياض من المزايا التي لا حصر لها، والفوائد المثمرة التي لن تبرح ماثلة ظاهرة. وهذه الدعوة تنشر بوسائل المطبوعات ومن فوق المنابر، ولتحقيق هذه الغاية رؤي من المستحسن أن يقوم المهذبون الذين على سعة من العلم بعقد اجتماعات يُدْعى إليها المسلمون وغير المسلمين في كل أنحاء العالم يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي يوم ١٢ ربيع الأول من كل سنة. كما أن من المناسب أن يكون بجانب تلك الاجتماعات العامة إذاعة نشرات دورية من وضع المسلمين وغير المسلمين في ملخص سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله المجيدة، وتلك الخطوة كانت قاصرة على الهند في بدء سنتها الأولى؛ ولكن السنوات القابلة تبشر بانتشار جهودها في كثير من الممالك الإسلامية الأخرى. ثم إن كل هذه الخطة هي من وضع اللورد الحاج الفاروق هدلي الشريف الإنكليزي المسلم الذائع الصيت، ولقد ترجمت إلى ست عشرة لغة مختلفة، ووُزع منها ستمائة ألف نسخة على القراء من المسلمين وغير المسلمين، كما أنها أذيعت من محطة الإذاعة اللاسلكية بكلكتا إلى كثير من الممالك الأوروبية. ولقد قررت اللجنة أن تتقدم إليكم بطلب كتابة صورة من حياة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لأجل نشرها وإذاعتها عمومًا في سنة ١٩٣٢ والموضوع المطلوب لهذه المرة هو: (نبي الإسلام وحقوق الجنس اللطيف) ولسنا في حاجة إلى التذكير بالجهاد المستمر في الممالك الأوربية لمساواة الرجل بالمرأة في الحقوق. وإن الإسلام ليفخر إلى أبعد مدى بأنه كان هو الدين الأول والآخر الذي شد أزر حقوق المرأة، وأخذ بعضدها؛ ولكن في سياج الفضيلة ولا ريب. وهذه المقالة من غير شكٍ سيكون لها قوة التأثير والجاذبية في نساء أمريكا وأوربا، ولقد اختارتكم اللجنة كالمرجع الأعلى لهذا الموضوع. وعلى أية حال نرجو أن تسمحوا للجنة بأن ترغب إليكم بأن تكون الخطابة جذابة ومؤثرة وداعية إلى هذه الحقيقة التي لا ريب فيها، وهي إثبات أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يوجد في تشريعه أعظم الوسائل الممكنة على وجه الأرض للوصول إلى إرضاء الجنس اللطيف بإعطائه جميع حقوقه، وإرواء غلة الظمأ الشديد إلى ذلك في الممالك المتمدينة، هذا وإن اللجنة لا تأبى قبول ما ترون كتابته إليها في أي ناحية أخرى من أوجه حياة النبي صلى الله عليه وسلم قد ترونها أكبر نفعًا وأعظم أهمية في وجهتها الاجتماعية العالمية العامة. ومن الواضح الجلي أن اللجنة في طلبها هذا تعتمد إلهامًا على قوة إيمانكم الشديد المعروف، ومواهبكم وأبحاثكم المستفيضة النادرة في الشمائل النبوية. ومن الموثوق به أن نشاط اللجنة في نشر الدعوة هذه المرة سيكون إن شاء الله أوسع وأكبر مما كان عليه في الثلاث السنين الماضية، وقد شرع الآن في عمل الترتيبات اللازمة فعلاً لترجمة مقالتكم إلى أكثر ما يمكن من اللغات وتوزيعها بأقصى ما يستطاع على ملايين المفكرين في العالم. وتعتقد اللجنة بأن مقالاً في موضوع بمثل تلك الأهمية من حياة نبي الإسلام وبقلم مسلم مهذب كشخصكم الفاضل، سيكشف عن نور جديد وسيكون تأثيره عظيمًا وثابتًا في الطبقات المتعلمة في أنحاء العالم. وبالنسبة إلى جلالة هذا العمل وعظيم أهمية خطواته الأولى تؤمل اللجنة أن تُلبوها إلى طلبها وتوافوها بكتابتكم حوالي آخر نوفمبر سنة ١٩٣١، وتنتهز اللجنة هذه الفرصة للإعراب عن خالص تشكراتها لهذا العمل المحبوب الذي ستتقبلونه إن شاء الله بانشراح. ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد المجيد قرشي (المنار) جاءتنا هذه الرسالة منذ بضعة أشهر فألقيناها إلى الإدارة لترجمتها والنظر في إجابة مرسلها إلى ما طلب، فلم تترجم لنا إلا بعد انتهاء المدة المقترحة، فكتبنا إلى حضرة مرسلها ناموس اللجنة (السكرتير) نعتذر عن القيام بإجابة الطلب في الموعد وأرسلنا إليه رسالتنا (خلاصة السيرة المحمدية) بالعربية مع ترجمتها بالإنكليزية فتلقاها شاكرًا وكتب إلينا أنها ستطبع بعد شهرين ومدَّ لنا في أجل الرسالة النسائية إلى آخر ذي الحجة، وقد شرعنا فيه بكتابتها، ونسأل الله التوفيق لإتمامها، وإيتاءنا الحكمة وفصل الخطاب فيها.
* * * الدعوة إلى الاحتفالات بالسيرة المحمدية يوم المولد النبوي الشريف (أرسلتها إلينا لجنة الهند بالعربية، وطلبت منا توقيعها لأجل نشرها في ذلك اليوم العظيم فوقعناها، والظاهر أنها طلبت ذلك من غيرنا من العلماء والزعماء) بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: ٢١) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) . لا يزال منار عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجلاله من حيث العلم والعمل منذ ألف وثلاثمائة سنة قائمًا على صخرتين عظيمتين لا تتزعزعان قط، وقد ثبت أن هذا المنار هو النور والملجأ الوحيد لفلك التهذيب والتمدن الحائرة في بحور الحياة المتلاطمة بالظلمة والطغيان في كل آن وزمان، أعني أن كل ما قاله صلى الله عليه وسلم فهو للجميع، وكل ما فعله فهو للكل. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبعث إلا لينظم أبناء المذاهب (الملل) المختلفة والتهذيب المتنافر، في سلك واحد من الأخوة والمساواة، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخالف التفرقة المذهبية فحسب، بل كان يأبى وينفر من الخلاف العالمي بين أبناء الإنسانية الواحدة بأية صفة وعلى أية حالة كان، وإن تعليمه صلى الله عليه وسلم لم يكن مما يتعلق بأشخاص أو مواطن أو شعوب خاصة، بل كان تعليمًا عامًّا أبديًّا لكل الخلق في كل البلدان والأقطار على حد سواء، ليحكم علائق ارتباط المحبة الأخوية بين أفراد الإنسانية جمعاء، وإن ذاك الدين الذي دعا النوع الإنساني إليه لم يكن دينًا مخصوصًا بجماعة أو فرقة، بل هو دين الخلق أجمع، وإن قبول هذا الدين يرادف قولنا: إننا قد أصبحنا أحرارًا مطلقين من قيود تلك الحلقات الضيقة التي قامت دعائمها على اللون والجنس واللغة والقومية والوطن وإننا أصبحنا تحت إمرة (ولاية) سلطان واحد وهو الله، وإن الأرض كلَّها وطن لنا، وإن كل ما عليها من العوالم من النوع الإنساني هم أفراد عائلة واحدة. فتعالوا نحتفل بيوم يكون عيدًا للمحبة والاستقلال الحقيقيين، ليكون هذا اليوم ذكرى لنبي الوحدة والمحبة، حيث ننزع من بيننا كل اختلاف ونتناساه، ونقف في صف واحد يدًا واحدة نسعى في خدمة الإنسانية وتآخيها وفلاحها. لا جرم أن اليوم الثاني عشر من ربيع الأول يجب أن يتخذ لهذه الغاية؛ لأنه هو يوم ولادته صلى الله عليه وسلم وتذكاره الذي لا يفنى: إننا ندعو بغاية الإخلاص والاحترام عموم أبناء البشر للاشتراك في عيد الاتحاد هذا، ونرجو منهم أن يقوموا بإقامة حفلات متحدة في سائر أقطار الأرض باسم (الاحتفالات بالسيرة النبوية) احتفالات تليق بحضرة محمد صلى الله عليه وسلم وتتفق في عظمتها مع عمله وعظمته وقدره يتولد منها بين أفراد البشر إحساسات حقيقية للمواساة والمحبة وخدمة الخلق. إننا آخذون بتوزيع بعض النشرات التي تبحث في أهم الأمور من بعض جهات الحياة النبوية التي قد دبجتها أقلام خيرة من العلماء والفضلاء، فالرجاء أن تُقرأ هذه النشرات يوم الاحتفال كمحاضرات، وأن تترجم إلى لغات الأرض الحية، وتذاع وتنشر في كل بقاع الأرض بالمجان. وبالختام فإننا نرجو الله تعالى أن يجعل هذا العيد السعيد مباركًا على جنس الإنسان. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... التوقيع